منتديات بني بحير بلقرن - هجاء في الخفاء

هجاء في الخفاء
عاش الشاعران أحمد شوقي وحافظ إبراهيم في عصر واحد ألا وهو العصر الحديث وكان التنافس حاضراً بينهما وقد أعادوا للنقّاد أيام جرير والفرزدق..

كان الهجاء محتدماً بينهما ذات يومٍ ولكنه بأدب فلقد استخدم كل واحد منهما التورية لكي لا يكون الهجاء جلياً لعامة الناس.
فقال حافظ إبراهيم:
يقولون إنّ الشوق نارٌ ولوعةٌ *******فما بال شوقي أصبح اليوم بارداً
القارئ لهذا البيت لأوّل وهلة سيقول لا يوجد فيه هجاء والسبب راجع إلى التورية التي استغاث بها حافظ إبراهيم فالقارئ سيظن أن الشاعر يصف الحب بالنار واللوعة ولكن شوقه بات بارداً . والصواب في شرح هذا البيت أنّ الشاعر حافظ إبراهيم يصف الحب بأنه ذو نار ولوعة ولكن أحمد شوقي لا يعرف لهذا الحب طريقاً فمشاعره بارة لا ترتقي لدرجات الحبّ..

ردّ أحمد شوقي قائلاً:
أودعتُ إنساناً وكلباً وديعةً********* فضيعها الإنسان والكلب حافظ
المتتبع لهذا البيت سيظنّ أن أمير الشعراء يتحدث عن الأمانة وتضييع الإنسان لها وأن الكلب أصبح يحافظ على هذه الأمانة خير من الإنسان, ولكن الصواب أن أحمد شوقي في هذا البيت يردّ على هجاء حافظ إبراهيم له بأنْ وصفه بالكلب.

حقّاً إنه هجاء في الخفاء لا يظهر إلاّ للمتفحّص وللمقربين الذين أشاعوا هذا عند وقوعه بين هذين الرمزين من شعراء العصر الحديث.
ملاحظة/ التورية هي الإتيان بكلمة تحمل معنيين: معنى قريب وهو المعنى (الأصلي) للكلمة, ومعنى بعيد وهو المعنى الآخر(الفرعي) لنفس الكلمة وهدف الشاعر من الإتيان بها لتخدم المعنى الآخر دون أن يشعر المتلقي. فعندما قال حافظ إبراهيم(فما بال شوقي أصبح اليوم بارداً) فإن التورية وردت في كلمة (شوقي) وتحمل معنيين المعنى القريب الأصلي هو شوق حافظ إبراهيم والعشق الذي يترعرع بين جوانحه, أما المعنى الآخر(الفرعي) فهو يقصد أحمد شوقي فقال (شوقي)
كذلك في بيت أحمد شوقي استخدم كلمة ( حافظ ) فالمعنى القريب الأصلي هي صفة لحافظ الأمانة أما المعنى الآخر الفرعي والذي قصده من التورية هو (حافظ)إبراهيم.