منتديات بني بحير بلقرن - الضرب تحت الحزام

كان العربي الفصيح يعرف الكلام ومداخله ومخارجه، والمعنى وما تحت المعنى، والمنطوق والمفهوم من الكلام... وعرف التورية، والمدح فيما يشبه الذم، والالتفات، وغيرها من فنون البلاغة التي تفنن العربي في إنتاجها على اعتبار أنه لا يحسن غير صناعة الكلام،
حتى توهم أن (الأرض تتكلم عربي) وليست تنتج فولاً، وبصلاً، وثومًا!
ولكن مع موجة التغير الثقافي ترك العربي (كل تراثه البلاغي) بدءًا من المبالغة وانتهاءً بالمدح بما يشبه الذم، وأخذ يختصر كل لفه ودورانه اللفظي بمصطلح «الضرب تحت الحزام».
وهذا مصطلح عصري، فالعربي لا عهد له بالحزام ولبسه، فضلاً عن الضرب تحته، وهذه آفة الترجمة، إنها تنقل العبارة دون الالتفات لملاءمتها لبيئة المترجم، فالحزام مرتبط بالبنطال، والبنطال لبس الغربي لا العربي؛ لذا يمكن أن يترجم هذا المصطلح بالضرب تحت «المشلح» حتى يتوافق مع الزي العربي الأصيل.
ومصطلح «الضرب تحت الحزام » هو شتم بلغة المدح، وسخرية بعبارات ثناء، وحتى تتضح
الأمور ويطبق المصطلح، هاك أيها القارئ- والقارئة طبعًا هذه النماذج..
يقول صاحب كتاب «الوافي في الكلام الوقافي» إن جزائريًا اشترى كيلو سمك، ولفه
بجريدة، وفي الطريق ترطبت الجريدة فسقط السمك، فغضب الجزائري، وأخذ يسب الجريدة
قائلاً: «لعنة الله عليكِ أيتها الجريدة الوقحة، كيف تحملين مئات الكيلوات من الكذب الضار، ولا تحملين كيلو من السمك النافع»؟! وقد حرص مؤلف كتاب الوافي على إعطاء أكبر قدر من الأمثلة على نماذج الضرب تحت الحزام، حتى لا يترك ثغرة لنمام، أو فتحة لعازل؛ لذا ساق مثالاً آخر يقول فيه: مرض أحدهم، فذهب إلى الطبيب البيطري «المختص بعلاج الحيوان» وعندما رآه بعض أصحابه تعجبوا، فقال لهم: لماذا التعجب والدهشة حين الذهاب إلى الطبيب البيطري، وأنا أستيقظ مثل الحصان، وأعمل مثل الحمار، وأعود من العمل لاهثًا كالكلب، وفي الليل أنام إلى جانب بقرة غير حلوب!
ومن الأمثلة المحكمة التي ساقها أبوسفيان العاصي في كتابة الوافي، أن مثقفًا ركب في زورق يقوده بحار عجوز، فسأله المثقف متباهيًا: هل تفهم بالفلسفة؟ قال العجوز: لا. فقال المثقف: راح عليك ربع عمرك. بعد قليل سأل المثقف العجوز: هل تفهم بالشعر؟ قال العجوز له: لا. قال المثقف: راح نصف عمرك. وبعد لحظات تغير الجو وهبت الريح، واضطرب البحر. فسأل العجوز المثقف قائلاً: هل تعرف السباحة؟ أجاب المثقف:
لا. فقال له: راح كل عمرك!
ومن نماذج الضرب تحت الحزام قول الباحثة سلمى نعيمي: «ما اجتمع رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما، عدا الزوجين»! وآخر ما ذكره شيخنا أبوسفيان العاصي، أن امرأة فلسطينية وأخرى غير فلسطينية، كانتا في غرفة الولادة، وكانت الفلسطينية
أثناء الولادة تئن، وتصرخ بصوت عال، في حين السيدة الأخرى كانت تتحدث، وتضحك أثناء الولادة، فقالت الممرضة للفلسطينية، مالك تصرخين، وهذه جارتك سعيدة ضاحكة، فأجابت الفلسطينية: التي ستلد فدائيًا ليست كالتي تلد راقصة! هذا ما لدى شيخنا عن الضرب تحت الحزام، آسف أعني الضرب تحت المشلح!