منتديات بني بحير بلقرن - عرشٌ تحت الماء

عرش تحت الماء

حمداً لك ربي على أن خلقتنا وكرمتنا على سائر المخلوقات ، حمداً لك أن حملتنا في البر والبحر وأسبغت علينا النعم والخيرات .

وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين ،، بأبي هو وأمي ما ترك باباً للخير إلا دلنا عليه ، ولا باباً من الشر إلا وقد حذرنا منه .

أحبتي في الله :

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ،،، أما بعد :

فقد كنت أتصفح مواضيع زمنٍ غابر ، تسابقت فيه كلماتي ، وتناثرت فيه عباراتي ، فتذكرت تلك المتعة الرائعة حينما كان يعاندني الحرف وأعانده ، وتعصاني العبارات فأروضها ، فوعدت نفسي أن أزج بها في أكناف الحروف ، إما أن تنتصر كما هللت من قبل وكبرت ، وإما أن تحمل راية الهزيمة والعنت .

وحتى لا تفتقد الكلمة رونقها وجمالها ، وتغادر المتعةَ جميلُ خصالها ، رأيت أن أجعل لخواطري هدفاً واضحاً ، وغاية نبيلة .

فقلبت صفحات ذاكرتي ، فلم أجد قضية أعظم ولا أدهى من قضية دمار العقول .

كيف يطيب لهذا المخلوق المكرم المعزز ، أن يعبث بما وهب الله له من نعمةٍ لم يؤتها غيره . تخيلت ذلك المسكين وهو يحلم بعرش في السماء ، يحفه الجنود والخدم ، مرصعٌ بالديباج من شعر رأسه إلى أخمص القدم ، فإذا بذلك العرش ينقلب إلى ما تحت الماء ، يغوص في حمأٍ مسنون ، يسبح في بحر لجي من الأوهام والظنون .

بعد أن ركّب الله له ذلك العقل في أعلى جسمه ، وأحاطه بسياجٍ من الصلب الأبيض وأبدع رسمه ، تجرأ هذا المهرطق أن يعربد بصنع الله الذي أحسن كل شيءٍ خلقه ، ويبقى هائماً في خياله وأوهامه مضيعاً أثمن حلقه .

أطفاله يتضاغون من مرارة العيش ، يكابدون الذل وألم الطيش ،، تخيلت منظر طفله الصغير ، يقبع في أقصى زوايا غرفة الدراسة ، يتجرع همزات أقرانه الصغار وعبرته تخنق أنفاسه ، إذا تسابق الصغار للقمة الإفطار ، تذكر أنه لا يملك ما يشتري به طعاماً بارداً أو حار ، تخيلت ثوبه المرقع ، ومنظر شنطته المقذع .

يا إلهي ،، كيف يرضى والدٌ لولده العار ، كيف يؤجج في صدر صغيره لهيب النار .

تخيلت تلك الزوجة المسكينة ، باعت كل ما يباع ، وقاومت القهر حتى هلك الخف والكراع

إن طهت لأطفالها اليوم طعاماً ، سقتهم بعد غدٍ حزناً وآلاما ،،، نفد ما بيدها ، وانهار صبرها ونحل جسدها ، لا تعرف من ذلك المستبد إلا سطوة يده ، ولا تجد معه حناناً أو جده ،، ليله هم وغم ، ونهاره أدهى من ليله وأطم ، لا يعرف البيت إلا للنوم ، وإن طُلب منه نفقة فلا يجيد العوم ، أيامه سجال بين أوكار الرذيلة والقضبان ، ولسان حاله يقول : ما هذا بإنسٍ ولا جان .

عددت هؤلاء فوجدتهم كثير ، ووجدت كرامة العقل قد حطمتها جهالة القلب الضرير ، يعمد أحدهم إلى ما يقتل فطرته السوية ، ويُذبل زهرة حياته الندية ,, إن عاش فعيشة هبال ، وإن مات فمرده طينة الخبال .

تارةً تجده يبني قصراً من الخيال ، وتارةً تجده يسكن كوخاً من سوء الحال ، باع أهله وأصحابه ، وحطم فوق صخرة شهوته شبابه ، صغيرٌ في سن كهل ، نحيلٌ سمته الحماقة والجهل ،، لا تفخر بمثله الأمة ، ولا تنجلي بفرقعته الغُمة .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ، لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ، ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ، فهل أنتم منتهون "

ما ضرهم لو قالوا : انتهينا ، انتهينا .................

أخوكم : م ح البحيري