منتديات بني بحير بلقرن - بدأ العصر السعودي.. في مجال الطاقة المتجددة

د. أمين ساعاتي

وقّعت المملكة وكوريا الجنوبية في الأسبوع قبل الماضي على اتفاقية للتعاون الذري للأغراض السلمية؛ وفي وقت متزامن أعلنت الشركة السعودية للكهرباء بدء تشغيل محطة الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء في جزيرة فرسان التي ستكون - كما قال المسؤولون في شركة الكهرباء - النواة الأولى لاستخدامات واسعة للطاقة الشمسية في مجالات إنتاج الكهرباء.
وتتضمن الاتفاقية النووية الموقعة مع الجانب الكوري التعاون بين البلدين في مجالات تصميم وتشييد وتشغيل وصيانة محطات توليد الكهرباء النووية ومفاعلات الأبحاث وإنتاج النظائر المستخدمة في الصناعة والزراعة والطب والتعاون في السلامة والأمن، وقبل ذلك اتخذت المملكة مجموعة من الخطوات الهادفة إلى تطوير تعاونها مع الدول الرائدة عالميا في صناعة الطاقة النووية، حيث وقّعت اتفاقيات مع فرنسا والأرجنتين، بل تتجه المملكة إلى توقيع اتفاقيات تعاون في المجال النووي مع الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة وغيرها من الدول التي تتميز بخبرات نوعية في مجالات استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية.
وبالإعلان عن هذه المشروعات نكون قد بدأنا الخطوات التنفيذية المهمة لعصر يمكن أن نطلق عليه اسم العصر السعودي في مجال الطاقة المتجددة، وبهذه المناسبة يحق لكل مواطن سعودي أن يفرح بمناسبة بداية عصر جديد من تاريخ الطاقة في بلاده والذي يهدف إلى توفير استهلاك كميات هائلة من النفط وضعت المملكة - للأسف - في الصفوف الأولى للدول المستهلكة للنفط على مستوى العالم.
لقد مضى عام ونيف على تأسيس مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة وإذا بالمدينة تبدأ في تنفيذ أول مشاريعها المتجددة الطموحة، وإذا كانت المدينة تعمل بهمة غير عادية، فإننا يجب ألا ننسى أن المملكة تعيش في زمن غير عادي.
وما يلفت النظر أن استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية تعرض لهزة عنيفة بعد الزلزال الذي ضرب اليابان فألحق بها أضرارا بالغة مما حملها على اتخاذ قرار بصرف النظر عن استخدام الطاقة النووية، وبعد اليابان أصدرت الحكومة الألمانية قرارا متعجلا بإلغاء كل مشاريع الطاقة النووية، وبعد ألمانيا لم تباشر دول أخرى بإلغاء مشاريع استخدام الطاقة النووية، بل بالعكس قامت بعض الدول بمباشرة تنفيذ مشاريع جديدة للطاقة النووية، وتأتي السعودية في طليعة هذه الدول التي قررت استخدام الطاقة النووية على نطاق واسع.
إن المملكة في حاجة - خلال السنوات العشر القادمة - إلى الآلاف من الجيجا واط من الكهرباء، وإلى ملايين الأطنان من المياه الصالحة للشرب، والمملكة بلد واسع الأرجاء تمتد فيه السواحل البحرية الشاسعة شرقا وغربا وعلى أطراف السواحل يمكن بناء ما نشاء من المفاعلات النووية سيكون للطاقة النووية تأثير إيجابي ومباشر على كثير من القطاعات، وخصوصا في مجالات توليد الكهرباء وتحلية المياه، إضافة إلى الزراعة والصحة والصناعة والتعليم وحتى استخراج النفط والغاز، إضافة إلى توفير الكميات والأنواع المطلوبة من النظائر المشعة المستعملة في تطبيقات عديدة في السعودية، ويضاف إلى ذلك أنه لم يعد يترتب على بناء وتشغيل المفاعلات النووية أية انبعاثات لغازات مؤذية تؤثر على البيئة والإنسان كما يحدث بالنسبة لاستخدام محطات الغاز والنفط والفحم، وثمة دراسة علمية تؤكد أن البشرية كان يمكن أن تتعرض كل عام لانبعاث غازات كربونية يصل حجمها إلى 600 مليون طن تهدد البيئة وتلوث الأجواء الكونية إذا استمرت الدول في تشغيل محطات حرارية تعمل بالغاز والنفط بدلا من 443 محطة نووية تعمل بأمان في عدد كبير من دول العالم.
من هذا المنطلق فإن دول العالم المتقدم أخذت تعيد النظر في حساباتها وتتصالح مع الطاقة النووية وتتجه بقوة إلى علوم الطاقة النووية؛ لأنها باتت تدرك أن الطاقة النووية هي البديل الأفضل للنفط ومشتقاته، وأنها مصدر اقتصادي مهم لتوليد الكهرباء وتحلية المياه، كذلك ستلعب الطاقة النووية دورا كبيرا في تقدم ما يسمى بالطب النووي وزيادة المحاصيل الزراعية واستخدام الأسمدة الحيوية الآمنة وتخصيب التربة وتطوير سلالات النباتات إلى غير ذلك من المنافع المؤثرة في اقتصاديات الإنسان.
إن الدراسات التي أجريت للمقارنة بين تكلفة إنتاج الكهرباء أو المياه المحلاة باستخدام الطاقة النووية والطاقة الأحفورية (نفط، غاز طبيعي، فحم) أثبتت أن الطاقة النووية أصبحت المصدر الأول للطاقة في العالم منذ أن وصل سعر برميل النفط 15 دولارا، أمّا إذا كان سعر برميل النفط قد تجاوز الـ100 دولار، فإن الطاقة النووية تكون المصدر الأرخص للطاقة.
ولذلك فإننا نستطيع القول إن قرار اليابان وألمانيا بإلغاء استخدام الطاقة النووية قرار متسرع ومتعجل واتخذ في ظروف استثنائية، ونتوقع أن تعود الحكومات المتعاقبة في البلدين إلى استخدام الطاقة النووية التي لا مفر من استخدامها، كذلك لا توجد غضاضة تمنعنا من استخدام الطاقة الشمسية؛ لأنها تتناسب مع أجواء المملكة التي تشع فيها الشمس الساطعة على مدار السنة، وأذكر أن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية قد خطت قبل نيف وثلاثين عاما خطوات وئيدة مع مشاريع الطاقة الشمسية ومن المفيد الاستفادة بكل ما توصلت إليه المدينة من تجارب وانجازات، كذلك أرجو أن تبدأ مدينة الملك عبد الله في تدشين المزيد من مشاريع الطاقة البديلة، وبالذات بالنسبة للطاقة البيولوجية والطاقة الهوائية وغيرهما من موارد الطاقة المتجددة.
إن السعودية تحتاج إلى كل موارد الطاقة؛ لأن خطط التنمية السعودية تتسم بالطموح وهي لذلك تحتاج إلى توفير المزيد من الموارد بكميات تدفع برامجها إلى الإمام حتى تحقق أهدافها الطموحة.