منتديات بني بحير بلقرن - ثقآفة العطآيا

ثقآفة العطآيا

لكل شعب ثقافة، وقد ترتبط تلك الثقافة بالعبادة أو العمل أو الأخلاق أو الحِرف، أو غير ذلك، ولكن الثقافة حينما يغلب عليها الجانب السلبي، ولا يتم تصحيحها، ربما تصبح وبالاً على المجتمع، إن عاجلاً أو آجلاً. وتحضرني في هذا المقام ثقافة العطايا، التي لا تكاد تسود ـ بشكل كبير ـ أكثر من سيادتها في مجتمعنا؛ ربما لأنه مجتمع "الثروة"، الذي يجعل ثقافة الإنفاق غالبة، ولكن هذا التبرير ينبغي أن يضيق الفجوة بين من ينفق ومن يحتاج، بناء على "الثروة".

ولكن هذه الثقافة ربما تكرس هذه المفارقات، ولا تزيلها؛ وهذا يقودني إلى تساؤل مشروع هو: هل نحن الشعب الوحيد الذي يؤمن بأن الثراء يمكن أن يحدث فجأة دون مقدمات؟ وهل نحن الشعب الوحيد الذي ينتظر أن يأتيه "المال" في غمضة عين دون عناء، مع إننا الشعب المثالي في تطبيق قاعدة "اصرف ما في الجيب.. يأتيك ما في الغيب"؟ أعتقد أن الكثيرين يفهمون عبارة "يأتيك ما في الغيب" بأنها "العطايا" بعينها، والعطايا بالمفهوم السعودي تعني المال الذي يأتيك دون عناء أو عمل أو تعب، ويكون غالباً مقداره كبيراً على شكل هبة دون مقابل.

وغالباً يكون هذا المال من شخصية مرموقة ذات وزن.. والعطايا دائماً تكون واضحة المعالم؛ حيث تبدأ بخمسة آلاف ريال ومضاعفاتها، ولم نعلم أبداً أن أحداً جاءته عطية قدرها "12.654" ريالاً مثلاً، ولا شك أن مثل هذا المبلغ لا يدل على أنه عطية، بل ربما يدل على أنه قيمة فاتورة.

فالعطايا تأتي قيمتها حسب مزاج "المعطي"، وحسب المؤثرات المحيطة به، وهي تخرج غالباً في لحظات الفرح والحماس، أو المناسبات الكبيرة، ذات التأثير في "المعطي"، وتتميز بقيمتها وخصوصيتها، ولها وقع معين لدى الأشخاص الذين يستلمونها. وهناك عطايا مؤجلة، وهي التي يأمر فيها "المعطي" بأن يتم صرفها لشخص ما، ولكن بعد توافر المبلغ، وهذه دائماً ما تسمى "التعليقة"؛ حيث يكون الشخص معلقاً على أمل استلامها لفترة غير معلومة، ويعتبرها البعض التزاماً أخلاقياً من "المعطي"، لا بد من القيام به، وبعض "المعطين" يرى أنها غير ملزمة بالنسبة له؛ لأنها خرجت حسب "مزاجه"؛ فيتم بصرفها أو عدمه أيضاً حسب أخلاقياته و"مزاجه" في بعض الأحيان. ومن أهم أهداف العطايا أن "المعطي" يعتقد أن قيمته الاجتماعية مرتبطة ـ إلى حد كبير ـ بقيمة العطايا، وكثرة عطائه لمن حوله، ولمن يطلب منه، سواء مساعدة أو غيرها، وتزداد مكانته بحسب حضوره في مثل هذه المواقف.

لذلك تجد بعض الأماني لدى كثير من المحتاجين أن تأتيه عطية مفاجئة؛ فتغنيه، وقد تنقله من واقع الفقر والتقشف إلى عالم الغنى والرفاهية، بل إن البعض يكون همه في هذه الدنيا الحصول على عطايا فقط؛ كونها ثقافة الحصول على المال دون عمل، مع العلم أن من يتصيدون العطايا، وينتظرون مواسمها بلهفة، غالباً هم من يتمتعون بكامل الصحة والقدرة على الكسب والعمل.

هذه الشريحة من الناس، التي تبني أحلامها على ميزانيات وموارد في الهواء، ومرتبطة بمزاج الآخرين، ومناسباتهم ومشاعر الفرح لديهم، تدل على وجود أخطاء مبنية على ثقافة، مفادها أن حصولك على عطية إنما يمثل طوق النجاة من ديونك و"ضوائقك" المالية، ومشاكلك الحياتية.

وهي دليل أيضاً على وجود خلل في ثقافة المجتمع الذي يعتمد فيه كثير من الناس على المفاجآت والمتغيرات والظروف الطارئة والمزاج، وليس على التخطيط والدراسة والثوابت مثل الوظيفة أو العمل الحر من تجارة أو غيرها..
والخلل الآخر الذي يبرز من خلال تكريس هذه الثقافة المالية "الهلامية" يتمثل في تصنيف أفراد المجتمع إلى فئة محتاجة، وأخرى تنفق بلا حدود أو بمزاج، ولو تذكر الناس أن الرزق من عند الله، وهو آتٍ صاحبه لا محالة، سواء بعطية أو بغيرها، لما وجدت هؤلاء المنتفعين والمنافقين يتكاثرون بشكل لافت في مواقع العطايا وعلى أبواب المعطين، وكأنها مصدر رزقهم الوحيد، أو كأنها مجال كسبهم في أرض الله الواسعة، التي أمرنا الله أن نمشي في مناكبها، ونأكل من رزقه؛ فكيف بهم يربطون معاشهم بتلك العطايا التي تعطى وتمنع بموجب فرح أو غضب، ورزق الله لا يستطيع أحد أن يمنعه أو ينتقص منه شيئاً؟ فلماذا لا يطرق هؤلاء أبواب الرزق الواسعة، طالما الرزق مقسوم ومحدد ومنزل من السماء

مقآل للكآتب إبراهيم المعطش نآل اعجابي فنقلته لكم م