«العُرضيات» وربيع الثقافة
 

«العُرضيات» وربيع الثقافة
07-29-1435 11:06

في مثل هذه الأيام من السنة الماضية تقدمت نخبة من مثقفي محافظة العُرضيات بطلبها إلى أمير منطقة مكة المكرمة آنذاك (خالد الفيصل) لافتتاح لجنة ثقافية بالمحافظة تتبع للنادي الأدبي الثقافي بجدة؛ بحكم عراقته الممتدة لـ(40) عامًا من الثراء الأدبي والفكري، وبحكم خبرته في إدارة اللجان الثقافية التابعة له في محافظات (القنفذة والليث وخليص). لم تستغرق موافقة الأمير وقتًا؛ كونه يعي التغيرات المثالية التي تحدثها الثقافة والفكر في وعي المجتمع. وعلى الفور أحال سموه الطلبَ لأدبي جدة الذي بادر مجلس إدارته بالموافقة عليه، وباركت وكالة الوزارة للشؤون الثقافية ذلك. قيام اللجنة الثقافية بالعرضيات جاء نتيجة إلحاح المكون الثقافي المتراكم لدى مثقفي المحافظة الذي ما كان ينبغي له أن يبقى أسير حواجز الرهبة أو التردد أو الخجل أو بعض الأعراف الاجتماعية. وهنا أذكر أن أحدهم اشتغل بالهم الثقافي فمارس حقه في التأليف قبل ما يزيد على عقدين، ومع بساطة مؤلَّفه ومع ما واجهه من عقبات اجتماعية إلا أنه يُعد خطوة متقدمة تشي بأن هناك حراكًا ثقافيًّا بدأ يتشكَّل. الحراك الثقافي في العرضيات ليس بالعميق الممتد؛ لأسباب يأتي في مقدمتها: أن الثقافة في منظور المجتمع -وقتَها- لا تؤكِّل عيشًا، وأن الاشتغال بها يُعد اشتغالاً بالمفضول على الفاضل، ولكون وسائل الاتصال كانت معدومة حتى وقت قريب، ولأن الأوعية الحاملة للثقافة لم تدلف إلى العرضيات إلا منذ ربع قرن تقريبًا وكانت صحيفة المدينة في طليعتها ، ولانعدام الأكاديميين من أبناء العرضيات المتخصصين في الأدب وعلومه، ولعدم وجود جامعة أو حتى كلية تقوم أقسامها الأدبية بتشكيل نواة الثقافة وسقيها ورعايتها. ومع كل هذا التصحر الثقافي، ومع كل هذا الجفاء المقصود وغير المقصود مع الثقافة إلا إنَّ رياح التغيير الإيجابي فرضت نفسها؛ فبدأ شباب وشابات العرضيات التعاطيَ مع الثقافة قراءةً وكتابةً ومشاركاتٍ صحفية ومحفلية. ومع استمرارية التراكم الثقافي لدى شباب وشابات العرضيات تشكَّل لديهم الوعي الثقافي، فأصبح همًّا يتبادلونه فيما بينهم، حتى أن أحدهم باح لي قبل سنوات برغبته في إقامة ملتقيات وفعاليات ثقافية للشباب تجعل من الأدب والفكر ميدانًا لها، بل أذكر أنني اتفقت قبل ما يقرب من عقد مع قامتين شعريتين -من خارج المحافظة- ليحييا أمسية شعرية ضمن مناشط إحدى الجهات المحلية، ورُفع باسميهما ضمن مناشط تلك الجهة ولم تتم الموافقة على ذلك. انكسارات عديدة عاشها مثقفو العرضيات لفترة طويلة وهو ما جعلهم يفضلون التواري وممارسة مشاريعهم الثقافية داخل خيالاتهم، ومنهم من تخطى النطاق الجغرافي للعرضيات ليمارس التثاقف وحق التأليف مع مثقفي المدن الرئيسة داخل مؤسساتها الرسمية. واليوم تأتي اللجنة الثقافية بمحافظة العرضيات لتوقظ شمعة الأمل الذابلة، وتغدو منارة إشعاع للمثقفين. اللجنة الثقافية بالعرضيات تعمل -قدر جهدها وإمكاناتها- على تشكيل وعي مجتمعي جديد، وإحداث تغير فكري مرغوب، والعمل على رعاية المواهب الأدبية في المحافظة وإبرازها، واستقطاب قامات ثقافية تثري المشهد الثقافي المحلي. الموسم الثقافي الأول للجنة حَفَلَ بحزمة فعاليات تنوعت بين الأدب والفكر، كما قامت اللجنة بعمل مسابقة لأفضل مكتبة منزلية في المحافظة، وشاركت بتحكيم بعض المسابقات الأدبية المحلية، كما اختطت تكريم شخصية ثقافية من أبناء المحافظة نهاية كل موسم ثقافي. والمناشط الأخيرة يميل إليها رئيس أدبي جدة د.السلمي.
وبعد..فالحضور البهي من قِبل النخب المثقفة والجيل الجديد لفعاليات اللجنة، والتماهي مع مناشطها، كلها مؤشرات قوية لتحولات فكرية إيجابية، تشي بربيع مخصب للثقافة والمثقفين في العرضيات.
وقفة: سعداء بالموافقة على إقامة معرِض جدة الدولي للكتاب. ومن أولويات إقامته إنشاء (مركز دولي للمعارض) بحيث يوفر البيئة المناسبة لإقامته، واستيعاب محتوياته وفعالياته وزواره، وبالتالي ضمان استمراريته.
كاتب المقال الاستاذ / محسن علي السهيمي

رد: «العُرضيات» وربيع الثقافة
 

رد: «العُرضيات» وربيع الثقافة
 

سلمت يداك..
يعطيك ربي ألف عافية