منتديات بني بحير بلقرن

منتديات بني بحير بلقرن (http://www.binybohair.com/vb/)
-   الخيمة الرمضانية 1444هـ (http://www.binybohair.com/vb/f5/)
-   -   مع ذي القَرْنَينِ (من دروس رمضان وأحكام الصيام) للأئمة والدعاة (http://www.binybohair.com/vb/binybohair45345/)

مناار 06-19-2016 12:29 PM

مع ذي القَرْنَينِ (من دروس رمضان وأحكام الصيام) للأئمة والدعاة
 
مع ذي القَرْنَينِ

(من دروس رمضان وأحكام الصيام)

للأئمة والدعاة


الحمد لله رب العالمين، الحمد لله مغيثِ المستغيثين، ومجيب دعوة المضطرين، ومُسبِل النِّعَم على الخَلْق أجمعين، عظُم حِلمُه فستَر، وبسط يدَه بالعطاء فأكثَر، نِعَمُه تَتْرَى، وفضله لا يحصى، مَن أناخ بباب كرَمِه ظفِر، وأزال عنه الضرَّ وجبَر ما انكسَر، وبعد:
فلقاء الليلة مع قصة مِن قصص سورة الكهف، وهي قصة: (ذي القَرْنَينِ)، ويتضمن النقاط التالية:
التعريف بذي القرنين.
مِن عوامل البناء والتمكين في قصة ذي القرنين.
كيف نستفيد من القصة؟!

قال تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ﴾ [الكهف: 83 - 98].

أولًا: مَن هو ذو القَرنين؟
اختلَف المفسرون والمؤرخون حول تحديد شخصية ذي القرنين، فقيل: هو الإسكندر المقدوني، وقيل: قورش الإخميني، وقيل: أبو كرب شمر بن عمرو الحميري، وناقش البعض هذه الأقوال، وخرج بتلك النتيجة: إن ذا القَرنين لم يكن واحدًا من الثلاثة، ويبقى أن تكون شخصيته مثلًا في العدل والإصلاح، والحاكم الصالح، ويكفي أنه عَلَم قرآني بارز، للتركيز على الدروس والعِبَر والحِكَم والسُّنن [1].

لِمَ سُمِّي بذي القَرنين؟
قيل: لأنه طاف مشارق الأرض ومغاربها، وقيل: لأنه كان له ذؤابتانِ كالقرنين، والأول أوجهُ..والراجح: أن ذا القَرنين ليس نبيًّا، وإنما كان ملِكًا صالحًا.

ثانيًا: مِن عوامل البناء والتمكين:
1- إقامة العدل:
التزَم ذو القرنين العدلَ في حُكمه ومُلكه، وذلك في كل شيء، حتى مع المخالفين له، فلم يتخذِ الظلمَ والتجبُّرَ مسلكًا في تعامله مع الغير؛ قال تعالى: ﴿ قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴾ [الكهف: 87، 88].

وهذا المنهج هو أساس إقامة أي ملك، وبناء أي أمة، وفي ذلك يقول ابن تيمية، المقولة الشهيرة: "إن اللهَ يُقيم الدولةَ العادلة وإن كانت كافرةً، ولا يُقيم الظالمةَ وإن كانت مسلمة، ويقال: الدنيا تدوم مع العدلِ والكفرِ، ولا تدوم مع الظُّلم والإسلامِ"[2].

إن عدلَ الحاكم يدفَعُه لأن يعطيَ أصحابَ الحقوق حقوقَهم، لقد مر عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه بعبدالله بن الزبير رضي الله عنهما وهو صبيٌّ يلعب مع الصبيان، ففرُّوا ووقف، وقال: ما لك لم تفِرَّ مع أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لم أُجرِمْ فأخافَك، ولم تكن الطريقُ ضيقةً فأوسِّعَ لك![3].

قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: "لا سلطانَ إلا بالرجال، ولا رجالَ إلا بمال، ولا مال إلا بعِمارة، ولا عِمارة إلا بعدلٍ".

كتب بعضُ عمال عمرَ بن عبدالعزيز رضي الله عنه إليه: "أما بعد، فإن مدينتَنا قد خرِبَتْ، فإن رأى أميرُ المؤمنين أن يقطع لها مالًا يرُمُّها به، فعَل، فكتب إليه عمر: أما بعد، قد فهمتُ كتابَك، وما ذكرتَ أن مدينتَكم قد خرِبَتْ، فإذا قرأتَ كتابي هذا فحصِّنْها بالعدل، ونَقِّ طرقَها مِن الظُّلم؛ فإنه مَرَمَّتُها، والسلام"[4].

2- العمل الجماعي والتعاون:
قال تعالى: ﴿ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ﴾ [الكهف: 94 - 96].

وليكُنْ تعاونُك في الحق لا في الباطل؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَثَل الذي يعين قومَه على غير الحق كمَثَل بعيرٍ تردَّى في بئرٍ، فهو ينزع منها بذَنَبِه))[5].

قال بعض البلغاء: صديق مساعد: عضُدٌ وساعدٌ.

وقيل:
إني رأيت نملةً http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
في حيرةٍ بين الجبال http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لم تستطِعْ حَملَ الطعا http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مِ وحدها فوق الرمالhttp://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

نادَتْ على أختٍ لها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تُعينُها فالحِمْل مال http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لم يستطيعا حملَه http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تذكَّرا قولًا يقال http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تعاونوا جميعُكم http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فالخيرُ يأتي بالوصال http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

نادَتْ على إخوانها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
جاؤوا جميعًا بالحبال http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

جرُّوا معًا طعامهم http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لم يعرِفوا شيئًا مُحال http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وعندما بويع أبو بكر بالخلافة، خطب في الناس، فقال: "أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولستُ بخيركم، فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقَّه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيفٌ حتى آخُذَ الحقَّ منه"[6].

ثالثًا: الاستفادة مِن القصة:
قوة البناء:
كلما كان البناء قويًّا، كان عمرُه أطولَ وأدوم، ولا يستطيع أحد أن ينقضه؛ فذو القَرنين بنى ما بين الجبَلين من حديد، ثم أذاب عليه النحاس؛ ليَزيدَه قوة وصلابة، فلما أراد القوم المفسدون أن يهدموه فشِلوا؛ قال تعالى: ﴿ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴾ [الكهف: 97]، فعجَزوا عن أن يعتلوه؛ لارتفاعِه، أو يثقُبوه؛ لصلابتِه.

الاعتراف بفضل الله:
فمهما يبلُغ الإنسان مِن مُلك أو سلطان، فلا يجوز أن يَشغَله ذلك عن شُكر نعمة الله، والإقرار بمنِّه وكرَمِه عليه، كما فعل ذو القرنين؛ قال الله: ﴿ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ﴾ [الكهف: 98].

العفَّة والقناعة:
لما عُرِضَ عليه أن يأخذ خَراجًا في مقابل أن يبنيَ لهم السد، عَفَّ عن مالهم؛ طمعًا فيما أعطاه الله له؛ قال ربنا: ﴿ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾ [الكهف: 94، 95].

الطموح والهمَّة العالية:
لقد طاف ذو القَرنين مشارقَ الأرض ومغاربها؛ ليبلِّغَ دعوة الله عز وجل، وينشُرَ العدل في الأرض.

استثمار الطاقات:
استطاع ذو القَرنين أن يستغلَّ طاقات القوم الذين لا يفقَهون، وغرَس فيهم ثقتَهم بأنفسهم، عندما قال لهم: ﴿ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ ﴾ [الكهف: 95].

الإتقان في العمل:
لما بنى ذو القَرنين السدَّ بين الجبَلين، أتقن بناءَه، وأحسن رفعه، فما استطاع القوم المفسدون أن يعلوه أو ينالوا منه، وتلك نتيجة الإتقان، فلما أتقَن أعداؤنا تقدَّموا، ولما أهمَلْنا فشِلْنا.

الأَخْذُ بالأسباب:
لَمَّا آتاه اللهُ الأسبابَ، أخَذ بها، وعندما أخَذ بها، مكن الله له في الأرض، فإذا أرادتِ الأمةُ أن يمكن اللهُ لها، فلتأخُذْ بأسباب التمكين والنصر، وبالتأمُّل ترى أن كلمة (سببًا)، تكررت في القصة أربعَ مرات، ففيها إشارةٌ واضحة للأخذ بالأسباب، والتوكُّل وليس التواكُل.

التواضُعُ:
قال تعالى: ﴿ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ﴾ [الكهف: 97، 98]؛ فالعدلُ مع العمل، والتعاون من الجميع، ثم بتواضُع الحاكم والقائد، وقبل كل ذلك إيمان بالله جل جلاله: طريقٌ إلى التمكين في الأرض.

وتلك دروسٌ مستفادة مِن قصة ذي القَرنين، وهذا هو الهدف مِن القصص القرآني؛ أن نقفَ معه، ونأخذ منه الدروس والعِبَرَ والعظاتِ.

وصية عملية:
ما أجملَ أن تجمَعَ أهل بيتك، فتجلسَ معهم، لمدارسة القرآن الكريم، يقرأ كل واحد صفحة، إنها لحياةٌ كريمة؛ أن يجتمعَ الأهلُ على طاعة الله.
♦♦♦


السؤال الرابع عشر: أربعةٌ ملَكوا الأرض، فمن هم؟
الجواب: الأربعة الذين ملكوا الأرض، هم:
"سيدنا سليمان بن داود، ذو القرنين، بختنصر، النمرود".

"عن سفيان الثوري، قال: بلَغني أنه ملَك الدنيا كلَّها أربعة: مؤمنانِ، وكافرانِ؛ سليمان النبي عليه السلام وذو القرنين، ونمرود وبختنصر، وذكروا أن نمرود استمر في مُلكه أربعمائة سنة، وكان قد طغى وبغى، وتجبَّر وعتَا، وآثَر الحياة الدنيا"[7].
♦♦♦


خاطرة (بعد الفجر): آدابُ الاستئذان:
تأتي آداب الاستئذان لتُظهِرَ مدى الذوق الإسلامي، والسلوك العالي في الدخول على الآخَرين، وينبغي للمستأذن أن يتأدب بتلك الآداب، ويتحلى بهذه الأخلاق، وهي:
1- أن تراعيَ الأوقات المناسبة:
بيَّن القرآنُ الكريم الأوقاتَ التي ينبغي الاستئذان فيها، وجمعها في هذه الآية الكريمة؛ يقول ربنا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 58].

يقولُ ابن كثير: "هذه الآياتُ الكريمة اشتملت على استئذان الأقارب بعضِهم على بعضٍ؛ فأمر اللهُ تعالى المؤمنين أن يستأذنهم خدَمُهم مما ملكت أيمانُهم وأطفالهم الذين لم يبلُغوا الحُلمَ منهم في ثلاثة أحوالٍ: الأول: مِن قبل صلاة الغداة؛ لأن الناسَ إذ ذاك يكونون نيامًا في فُرشِهم، ﴿ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ ﴾ [النور: 58]؛ أي: في وقتِ القيلولة؛ لأن الإنسانَ قد يضعُ ثيابه في تلك الحال مع أهله، ﴿ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ﴾ [النور: 58]؛ لأنه وقتُ النوم"[8]

2- لا تقِفْ بوجه الباب:
عن عبدالله بن بسرٍ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أتى باب قومٍ لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن، أو الأيسر، ويقول: السلام عليكم، السلام عليكم)[9].

3- أن تغُضَّ بصرك:
عن سهلِ بن سعدٍ الساعدي، قال: إن رجلًا اطلع في جحرٍ في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرى - مشط - يحك به رأسه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((لو أعلم أنك تنتظرني، لطعنت به في عينيك))، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما جُعِل الإذن من قِبَل البصر))[10].

4- أن تقرع الباب ثلاثًا وبرفق:
عن أبي سعيدٍ الخدري، قال: كنت في مجلسٍ من مجالس الأنصار، إذ جاء أبو موسى كأنه مذعورٌ، فقال: استأذنت على عمر ثلاثًا، فلم يؤذن لي، فرجعت، فقال: ما منعك؟ قلت: استأذنت ثلاثًا فلم يؤذن لي، فرجعت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يؤذن له، فليرجع))[11].

وقد يكون الاستئذان بالنداء، أو بدق الباب، أو برن الجرس؛ فالاستئذان يكون بطريقة منها، وليس كلها، ولتستأذن ثلاثًا، وتفصل بينها، وبدون إزعاج؛ عن أنسٍ: "أن أبواب النبي صلى الله عليه وسلم كانت تُقرَع بالأظافير"[12].

5- أن تُعرِّفَ بنفسك:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، يقول: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دَيْنٍ كان على أبي، فدققت الباب، فقال: ((من ذا؟!))، فقلت: أنا، فقال: ((أنا أنا))، كأنه كرِهها[13].

6- أن تسلِّمَ قبل أن تدخل:
قال تعالى: ﴿ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ﴾ [النور: 61].

استأذَن رجل من بني عامر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيتٍ، فقال: ألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: ((اخرُجْ إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له: قل: السلام عليكم، أأدخل؟))، فسمعه الرجل، فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذِن له النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل[14].

7- استأذِنْ على محارمك:
مِن الأدب أن تستأذن على أمك؛ عن عبدالله بن مسعود، قال: (عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم)[15].

وسأل رجلٌ حذيفة فقال: أستأذن على أمي؟ فقال: "إن لم تستأذن عليها، رأيت ما تكرَهُ"[16].

وعلى زوجتك: "عن زينب امرأة عبدالله بن مسعود، قالت: كان عبدالله إذا جاء مِن حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق؛ كراهيةَ أن يهجُمَ منا على شيءٍ يكرهه"[17].

وعلى أختك: عن عطاءٍ، قال: سألت ابن عباسٍ، فقلت: أستأذن على أختي؟ فقال: نعم، فأعدت فقلت: أختانِ في حجري، وأنا أمونهما وأنفق عليهما، أستأذن عليهما؟ قال: نعم، أتحب أن تراهما عريانتين؟[18].

8- رد المصلي على المستأذن:
بيَّنَتْ لنا السنة النبوية ماذا يفعل المصلي لو استأذن عليه أحد؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا استُؤذِن على الرجل وهو يصلي، فإذنُه التسبيح، وإذا استُؤذِن على المرأة وهي تصلي، فإذنها التصفيق))[19].

9- ارجِعْ إن لم تجد أحدًا، أو لم يؤذن لك:
قال تعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 28].

فإذا اعتذَر لك صاحب البيت، فاقبَلِ اعتذاره، والتمِسْ له العذر.

وتلك آداب الاستئذان، وقد جمعتها في تسعة، أسأل الله أن تكون منجية لنا وشافعة.
♦♦♦


درس الفقه: كيفية صيام دول الشمال[20]:
الجواب: "المقترح لأهل تلك البلاد: أن يسير تقدير الصوم عندهم على مواقيت مكة المكرمة؛ حيث إن الله قد عَدَّها أم القرى، والأم هي الأصل، وهي مقصودة دائمًا؛ ليس في القِبلة فقط، بل في تقدير المواقيت إذا اختلَّتْ.

أما التقدير بأقرب البلاد فهو تقدير مضطرب جدًّا، والقائلون به يشترطون سهولة معرفة الحساب الدقيق لأقرب البلدان اعتدالًا مِن غير مشقة أو اضطراب في ذلك، وذلك كله منتفٍ بالدربة والمممارسة، بل إنه يُدخل المسلم في حيرةٍ أشد من حيرته الأولى، وهذا ما دعا إليه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأسبق - جاد الحق علي جاد الحق - إلى الميل إلى استبعاده بعد أن ذكره خيارًا ثانيًا، داعيًا أهل البلاد التي يطول فيها النهار إلى العمل بمواقيت مكة المكرمة، أو المدينة المنورة، فقال رحمه الله: "وقد يتعذَّر معرفة الحساب الدقيق لأقرب البلاد اعتدالًا إلى النرويج، ومِن ثم أميل إلى دعوة المسلمين المقيمين في هذه البلاد إلى صوم عدد الساعات التي يصومها المسلمون في مكة أو المدينة، على أن يبدأ الصوم من طلوع الفجر الصادق حسب موقعهم على الأرض، دون نظرٍ أو اعتداد بمقدار ساعات الليل أو النهار، ودون توقُّف في الفِطر على غروب الشمس أو اختفاء ضوئها بدخول الليل فعلًا؛ وذلك اتباعًا لِمَا أخذ به الفقهاء في تقدير وقت الصلاة والصوم استنباطًا من حديث الدجال، وامتثالًا لأوامر الله وإرشاده في القرآن الكريم رحمة بعباده".

وقد اعتمدته دار الإفتاء المصرية فيما بعد؛ بدءًا من فضيلة الشيخ الإمام جاد الحق علي جاد الحق "فتوى رقم 421 لسنة 1981 م".
والله أعلم.







محمد يحي 06-20-2016 03:26 AM

رد: مع ذي القَرْنَينِ (من دروس رمضان وأحكام الصيام) للأئمة والدعاة
 
بارك الله فيك


الساعة الآن 12:33 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
ارشفة ودعم SALEM ALSHMRANI
F.T.G.Y 3.0 BY: D-sAb.NeT © 2011
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات بني بحير بلقرن


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75