الآن ينتحب الفجر . . ! الآن ينتحب الفجر . . ! إنها ليست مجرد قصه قصيره قد أدعوكم للترحم علي صاحبتها لكنها قصه حكاها لى أبى يوماً . . عن امرأه أحببتها ! رغم أنى قد لا أتذكر عنها سوى بضعة أيام قصيره . . مثل قصتى فقد كنت طفلاً وقت رحيلها . . ! الآن ينتحب الفجر . . ! عندماهبطت من الحافله التى كنت أستقلها مع زملائى أثناء عودتنا من العمل لم يكن فى ذهنى شىء سوى أن أبتاع لأطفالى الثلاثه مايريدون ، من حلوى للصغير ، وقلم للوسطى ، وصحيفه نسائيه للكبرى . . !. ولم أنس أمهم الحبيبه ، فكم من السنين انقضت وهى معى فى بيتى القديم الظليل ، حول جدرانه وفوق شبابيكه الآن ينتحب الفجر من حولنا وقد بلغت من العمر أكثر من نصف قرن واشتعل الرأس شيباً وتوغل المرض فى العظام ولى من الأبناء ثلاثه . . الكبرى بلغت الثانيه والعشرين عاماً لها شعر طويل هو شغلها الشاغل تربطه بشريط أحمر زاهى اللون يتدلى حتى ردفيها . والوسطى بلغت من العمر السابعه عشره . . كثيرة الكلام عن دروسها ومدرستها أما الولد الأصغر فيبلغ الرابعه ، أزرق العينين جاءنا بعد طول انتظار ، وكان السبب فى مرض أمه فقد حملته بعد الأربعين ، وداهمها المرض أثناء الحمل ، أصبح وجهها كالصفحه المكتوبه ، فقد رسمت الأيام عليه بتجاعيدها أسطراً تحكى كل ماحوته حياة طويلة رتيبه من تعب ومشاق وعواطف وانفعالات وأفراح ومسرات . . أما اليوم فالجسم قد عجز وخضع والروح مازالت تثور ، لقد أصبح سيان ، اليأس والرجاء عند الذى مل الزمان ، لقد اشتد المرض عليها اليوم ماذا أفعل لو انتصر المرض عليها ؟ ماذا أفعل لو طلبتها السماء إليها ؟ . . لقد جعلت الورود حولى تنمو واحمرار الورد فى خديها . . لقد مدت الطريق لى دراً وماساً والياقوت فؤادها . . ماذا أفعل اذا ماعدت إلى المنزل فلم أجدها ؟ أسأل عمن يمسح لهذا الجبين الذى حفرته السنين مسارب للحزن ، عندما أستريح على راحتيها وأنهل الصبح والأمل فى مقلتيها . لقد طردت التشاؤم وعاودت السير والغناء بصوت رخيم تقدمت مغنياً غير مبال بالزمان أو المكان . صعدت السلم إلى شقتى لم أصدق أذنى ، هرولت مسرعاً ، لم أصدق عينى ، دخلت حجرتها ، لقد تمدد الجسد الساكن فوق الفراش دون حراك ، تقاذفت الدموع فى عينى ، درت حول نفسى أستيقظ التراب الراكد تحت قدمى ، ارتفع البكاء والصراخ يغمر فناء البيت بالعتمه ، هاقد فقدت الحبيبه والسند . . لماذا مضت فى آخر العمر مسرعه مثل انطفاء المرح ؟ فى المساء . . توافد الجميع من كل أنحاء المدينه كى يمارسوا التقليد الأزلى المعتاد. . الرجال جلسوا يرتشفون أقداح القهوه المره والنساء تسربلن بالسواد من الرأس حتى أخمص القدم . . حناجرهن تتقن فن العويل وعيونهن تبكى الفراق البعيد الطويل . . أما طفلى الأصغر فيروح ويجىء وسط هذا وذاك دون تصريح وقد أدركت أنه ربما لا يعى ماذا يحدث ويدور . انصرف الجميع وتركونى وحدى أنا وطفلى مسقوف صوتى بالألم أراه مظلماً هذا القمر فوق الفراش تمددت تعباً احتضن ابنى الأصغرنبكى الحنان والفراق مازال قلبى بعز الشباب يراقب الشيخوخه تطارنى . . ضاعت زوجتى منى وستغيب عنى أبداً . وعندما سيأتى المساء سأعود وحيداً كالنهر فى آخر الصيف ، كالقارب المترنح بين الصخور ، ولن توقظنى عند الفجر لكى أصلى وتصلى معى . . كملاكى الحارس ! أتذكر. . ، وأعود وحيداً للبكاء والصدى ، لأغلق عينى المغسوله بالدمع ، ليذهب الفكر بعيداً فى متاهات الخيال . . روعة الخالق فى أن نعشق فى الكون الجمال وفى قدرتنا على النسيان . . أبحرت نفسى عميقا ً فى محيط الذكريات ، يخرج الحى من الميت . . فما سر الحياه؟ ليل أزرق وبقايا أجنحه تخفق فوق أغنيه حائره وفوق الموج الملتاع ، زوجتى وشعاع يتهادى نحوى . . نجمان اشتعلا فى عينى ، سافر الأمل بعيداً فى تلافيف السنين المرهقه . . رأيتها أمامى تسألنى . . من أنت ؟ وكيف أصبحت ؟ . . نهضت كى أعبر هذا الأفق الدامع محزوناً كانت كانسجام الصوت فى الضجه والايقاع اذ يبزغ فى الضوضاء ، لم تكن جسداً ، ألمح طيفها فى الساحه فتجلدنى سياط اليقظه ، كنت أحلم بها وأجمع أطراف الغد وأذيال الأمس ، لم يكن حلماً عادياً ، كان يقين الكف إذ تلمس قالت تغريها الخواطر قبل أن تنصرف وحديثها صادق المشاعر : أين ولدى الأصغر ؟ . . نهضت فزعاً ، حزن الغيوم يكبر حتى يغمر الأرض بفيض من دموعى الغزيره . . لم أجده بين ذراعى ، كما كان قبل المنام نفسى تتلوى على نار سر أوجاعها . . الفراق . . الموت تحت سنابك هذا الجفاء أخذت أمشى على إيقاع قلبى أبحث عن ولدى فى كل مكان فى الحجرات والأركان . . فى كل مكان يخطر على البال . . لم أجده . . دمعت عينى وفتحت حجرتها . . وجدت طفلى الأصغر وقد التف بعباءتها ونام يحتضن صورتها . . كان يقبلها . . انطلق الأذان يغمر المكان . . رددته بعفويه . . تململ طفلى فى فراشه ، قبلته . . ابتسم لى . . دعوت الله لأمه بالمغفره . . لكن الفجر على الرغم منى لم يزل ينتحب . .! تمت |
الساعة الآن 07:01 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
ارشفة ودعم SALEM ALSHMRANI
F.T.G.Y 3.0 BY: D-sAb.NeT © 2011
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات بني بحير بلقرن