منتديات بني بحير بلقرن - نَصرالله والعُرْضِيَّات.. دَينٌ مستحَقٌّ...بقلم : محسن علي السُّهيمي

الكلام الأخير/ بقلم: محسن علي السُّهيمي

نَصرالله والعُرْضِيَّات.. دَينٌ مستحَقٌّ

http://s.alriyadh.com/2018/05/17/img/040722316392.jpg

2018/05/17
فاز الروائي إبراهيم نصرالله مؤخراً بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) عن روايته (حرب الكلب الثانية)، وهنا تحسن العودة لبداياته الأدبية حينما قَدِم إلى المملكة سنة (١٩٧٦م)، فتوجه من جدة جنوباً إلى القنفذة على ساحل البحر الأحمر، حيث إدارة التعليم التي وجَّهَتْهُ إلى القطاع الجبلي التهامي شرق القنفذة ليستقر في بلدة (سبت شمران) بين جبالها وعلى ضفاف أوديتها مُدرساً لمدة سنتَين. سبت شمران هذه جزء أصيل مما كان يُسمى قطاع (العُرْضِيَّة ويُسمى أيضاً العُرْضِيَّتَين) ويتبع - تعليميًّا ولا يزال - للقنفذة، وقد ترقى اليوم إلى (محافظة العُرْضِيَّات) وتتبع - إداريًّا - لمنطقة مكة المكرمة وفي أقصى جنوبها بين منطقتَي عسير والباحة. درَّس نصرالله في (العُرضيات) في مدرستَين تتبعان لتعليم القنفذة، وخلال تينك السنتَين تزاحمت الأحداث في ذاكرته المغتربة، حاله كحال المعلمِين المغتربِين الذين كان التعليم في بداياته يغص بهم، وقد جايله في تلك الفترة (١٩٧٧م) وفي البقعة ذاتها (العُرضيات) ابن جنسيته الروائي (جمال ناجي) المتوفى الأسبوع الماضي - رحمه الله- الذي كتب هو الآخر روايته المشهورة (الطريق إلى بلحارث) ودارت أحداثها في المساحة الجغرافية لرواية نصرالله (براري الحُمَّى). لم يخرج نصرالله من العُرضيات حتى شرع مطلع السنة الثانية في كتابة روايته (براري الحُمَّى) التي أخذت شهرة واسعة وتُرجمت للغات عدة، وعُرف بهاواشتُهر، ‏وهي من الناحية الفنية باذخة؛ فنصرالله كما يصفه الشاعر(خليف الغالب) ذو «سرد مختلف لأنه سردُ شاعر، ومختلف لأنه يجدد طريقته
ويبدِّل أدواته، ومختلف لأنه يخاتل القارئ ويتجاوز أفق توقعاته». براري الحُمى وإن كان عليها بعض المآخذ كتصريحه ببعض الأسماء (الحقيقية) وتعريضه بها إلا أنها وَثَّقت في جانب منها للحال التعليمية والثقافية والاقتصادية والصحية التي كانت عليها العُرضيات قبل نحو نصف قرن، وهي الحال التي تغيرت اليوم بشكل جذري، أقول ذلك كوني شاهداً عليها. الأمر الذي يشدد عليه المهتمون بفن الرواية هو أنها تسجيل للواقع كما هو بعيداً عن المثالية، ونصرالله في روايته (براري الحُمى) لم يسجل الواقع من جميع جوانبه؛ فهو لم يسجل الجوانب الإيجابية التي عُرِف بها إنسان العُرضيات، ولم يصف بعض سلوكياته هو ومجايليه من المغتربِين، وهذا أراه خللاً في روايته بناءً على المفهوم السابق لفن الرواية، أضف إلى ذلك فرواية براري الحمى لا تخرج عن كونها سرداً توثيقيًّا لسيرة نصرالله منذ أن نزل جدة، مروراً بالقنفذة، حتى وصل سبت شمران في العُرضيات، ولذا فكون أبطال روايته حقيقيين، ومسارح أحداثها معلومة، فهي ليست رواية خيالية، والأفضل أن تُسمى هذه الأشكال من الروايات كما يرى الدكتور عبدالله الحيدري في كتابه (نظرات وشذرات..) رواية السيرة الذاتية، والبعض يسميها الرواية السيرية. أمر آخر لافت -يمثل بيت القصيد- وهو أن المبدع -شاعراً كان أم روائيًّا أم قاصًّا- لا ينفك عن أن يكون له ارتباط وثيق بالمكان الذي كان محرِّضاً لإبداعاته - وخاصة بواكيرها - ويبقى مَدِيناً له، ومع أن العُرضيات كانت المحرض الأول لنصرالله وشكَّل من سيرته فيها عناصر روايته، إلا أننا لم نجد لديه ارتباطاً وجدانيًّا وثيقاً بالمكان الذي كان نقطة الانطلاق لمسيرته الأدبية، ولم نجد له بعض وفاء وصدى ذكرى جيدة لإنسان العُرضيات في كتاباته ولقاءاته، ويبدو أنه ليس لديه الرغبة في الوقوف مرة أخرى على مسرح أحداث روايته ليلمس الفرق بين ما كان وما هو كائن، وربما يعود ذلك لكونه لا يرغب في تغيير الصورة الذهنية -لديه وقرائه- التي شكَّلتها الرواية فتفقد قيمتها.