





التميز خلال 24 ساعة | |||
![]() ![]() | ![]() ![]() | ![]() ![]() | |
قريبا![]() | يا أهل القرآن .. بقلم : الرهيب ![]() | الرهيب![]() |
![]() |
منتدى بني بحير بلقرن للقصص والروايات يختص بامور القصص و الروايات |
![]() |
![]() |
| LinkBack | أدوات الموضوع |
![]() | #81 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() | ![]() سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت 🌺المحـ7ـاضرة [ المماليك ] ************ ∫∫*** الحـ٧٤ــلقة** ∫∫ - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - 💎معركة فار سكور وأسر لويس التاسع وسقوط جيشه وهزيمتهم: وصل توران شاه بن الصالح أيوب إلى المنصورة بعد هذا الهجوم الأخير بعشرة أيام في يوم (١٧) ذي القعدة سنة (٦٤٧) من الهجرة، وتسلم السلطان الشاب مقاليد الحكم، وأعلن رسمياً وفاة الملك الصالح نجم الدين أيوب، وولاية توران شاه لحكم مصر والشام، ثم بدأ توران شاه في التخطيط لهجوم جديد على الصليبيين، وكانت حالة الجيش الصليبي قد ساءت جداً بعد انتصار المنصورة الرهيب، وتراجع ناحية دمياط، فتبعه الجيش المسلم بسرعة، وبدأ يخطط لحرب جديدة، وبالفعل التقى الجيش المصري مرة أخرى مع الجيش الصليبي عند مدينة فارسكور بالقرب من دمياط، وكان هذا اللقاء في أوائل محرم سنة (٦٤٨) من الهجرة بعد أقل من شهرين من*موقعة المنصورةالكبيرة، وقاد هذه الموقعة توران شاه الملك الجديد، وكان الذي يتحكم في كل مجريات الأمور في الحرب هم فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس قادة الجيش المصري في ذلك الوقت. وفي موقعة فارسكور أُسر الملك لويس التاسع ملك فرنسا، ووقع جيشه بالكامل ما بين قتيل وأسير، وموقعة فارسكور من أعظم مواقع الإسلام، وحمل الملك لويس التاسع مكبلاً بالأغلال إلى المنصورة، وحبس في دار فخر الدين إبراهيم بن لقمان المشهور، ووضعت عليه شروط قاسية جداً ليفتدي نفسه من الأسر، وكان من ضمنها أن يفتدي نفسه بثمانمائة ألف دينار من الذهب، يدفع نصفها حالاً والباقي مستقبلاً، على أن يحتفظ توران شاه بالأسرى الصليبيين إلى أن يتم دفع بقية الفدية، بالإضافة إلى إطلاق سراح الأسرى المسلمين وتسليم دمياط للمسلمين، وهدنة بين الفريقين لمدة عشر سنوات. فقد كانت هذه الموقعة انتصاراً باهراً بكل المقاييس، وجمع النصارى في فرنسا وفي غيرها نصف الفدية بصعوبة، وأطلقوا سراح الملك لويس التاسع إلى عكا، وكانت إمارة صليبية في ذلك الوقت، نسأل الله عز وجل أن يحررها من دنس اليهود الآن. 🌷الدكتور راغب السرجاني |
![]() | ![]() |
![]() | #82 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() | ![]() سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت 🌺المحـ7ـاضرة [ المماليك ] ************ ∫∫*** الحــ٧٥ـلقة** ∫∫ - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - 💎صفات توران شاه في الحكم وقصة مقتله: مع هذا الانتصار المبهر للمسلمين على الصليبيين إلا أن توران شاه لم يكن يناسب تلك الأحداث الساخنة التي تمر بالأمة الإسلامية، فـ توران شاه كان شخصية عابسة متصفاً بسوء الخلق، والجهل بشئون السياسة والحكم، وقد ركبه الغرور بعد النصر على لويس التاسع ملك فرنسا عن رؤية أفضال ومزايا من حوله، فبدأ يتنكر لزوجة أبيه شجرة الدر، واتهمها بإخفاء أموال أبيه، وطالبها بهذا المال، بل وهددها بشدة، حتى دخلها خوف كبير منه، ولم يحفظ لها جميل حفظ الملك له بعد موت أبيه، فقد بعثت له من أجل أن يأتي ويستلم مقاليد الحكم في مصر، مع أن الوضع كان في اضطراب شديد جداً، فجاء إلى مصر ووجد الجيش منتصراً بالفعل، ومع ذلك بدأ يتنكر لها، ولكبار أمراء المماليك أمراء الجيش، وعلى رأسهم فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس، فلم يحفظ للمماليك جميل الانتصار الرائع الذي حققوه بالمنصورة، ثم في فارسكور، فبدأ يقلل من شأنهم، ويقلص من مسئولياتهم، وبدأ على الجانب الآخر يعظم من شأن الرجال الذين جاءوا معه من حصن كيفا التركي، وبدأ واضحاً للجميع أنه سيقوم بعمليات تغيير واسعة النطاق في السلطة في مصر، وبالذات في الجيش المصري، وكان كل هذا في غضون الثلاثة الأشهر الأولى له في مصر، وبعد موقعة فارسكور مباشرة، فخافت شجرة الدر على نفسها، وأسرت بذلك إلى المماليك البحرية، وبالذات فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس، وقد كان المماليك البحرية يكنون لـ شجرة الدر كل الاحترام والولاء؛ لأنها زوجة الأستاذ الملك الصالح رحمه الله وعلاقة الأستاذية هذه كانت أقوى من علاقة الأب بابنه أحياناً، وكانت تبقى آثار هذه العلاقة حتى بعد موت السيد الذي اشتراهم أو الملك الذي رباهم، ولما ذكرت شجرة الدر هذه الوساوس إلى المماليك البحرية، وجدت عندهم نفس الوساوس، فقد خافوا من توران شاه، وتوقعوا أن يقصيهم توران شاه عن الحكم والسلطة، بل وقد يتعرض لهم بالقتل، فأجمعوا على سرعة التخلص من توران شاه وقتله. والمماليك بصفة عامة، كان عندهم تساهل كبير جداً في الدماء، كانوا يقتلون بالشك، فإذا شكوا في أحد أنه ينوي أن يغدر، فإن ذلك يعتبر عندهم مبرراً كافياً للقتل، وكان هذا التساهل في الدماء عاماً في حياة المماليك، وفي كل فترات دولتهم تقريباً، وكم من أمرائهم وخصومهم بل ومن عظمائهم من قُتل بسبب الشك في نواياه، وقد يكون هذا راجعاً إلى التربية العسكرية الجافة التي نشأ عليها المماليك، فقد كانت فيهم قسوة نفسية وشدة وعدم تمييز للأمور، وكانوا يحبون حسم كل الأمور بالسيف الذي يحملونه منذ نعومة أظفارهم، والشيء الذي لا يفهم هو أن هؤلاء المماليك كانوا ينشئون على التربية الدينية والفقهية، ولا أدري أي سند فقهي يعضد قتل رجل ما، حتى ولو غلب على الظن أنه سيقوم بعزل أو احتمال قتل. المهم أنهم في هذا الزمن المليء بالمؤامرات والتدبيرات الخفية، لم يكن يستهجن عندهم مطلقاً أمر ذلك القتل، بل إن القاتل أحياناً يفخر أمام الناس بقتله للمقتول، بل وقد يصعد إلى كرسي الحكم وهو مرفوع الرأس لا يشعر بأي تأنيب ضمير، وكأن الدماء التي تسيل هذه ليس لها وزن عند الله سبحانه وتعالى ولا عند الناس. وهذا ليس دفاعاً عن توران شاه أو غيره، فقد يكون القتيل شخصية عابسة وسيئة وكريهة، ولكن العقوبات في الإسلام لها مقاييس معينة ومقادير خاصة جداً، وهذه المقاييس لم نحددها نحن، بل حددها رب السماوات والأرض، فالسارق وإن كان مجرماً سيئاً كريهاً، إلا أنه لا يقتل لمجرد السرقة، بل تقطع يده، والزاني غير المحصن وإن كان قد قام بعمل شنيع مشين، إلا أنه يجلد ولا يرجم وهكذا، وليست وساوس المماليك أو غيرهم مبرراً شرعياً كافياً للقتل، بل قد تكون مبرراً شرعياً للعزل أو الاعتراض أو الحبس أو ما إلى ذلك، لكن الوصول إلى حد القتل أمر كبير جداً. إذاً: اتفقت شجرة الدر مع فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس وغيرهما من المماليك الصالحية البحرية على قتل توران شاه، وتمت الجريمة في (٢٧) محرم سنة (٦٤٨) هجرية بعد سبعين يوماً فقط من قدومه من حصن كيفا في تركيا واعتلائه عرش مصر، وكأنه لم يقطع كل هذه المسافات لكي يحكم، بل لكي يدفن. وبمقتل توران شاه بن الملك الصالح نجم الدين الأيوبي رحمه الله انتهى حكم الأيوبيين تماماً من مصر، وبذلك أغلقت صفحة مهمة من صفحات التاريخ الإسلامي. * 🌷الدكتور راغب السرجاني |
![]() | ![]() |
![]() | #83 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() | ![]() سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت 🌺المحـ7ـاضرة [ المماليك ] ************ ∫∫*** الحــ٧٦ـلقة** ∫∫ - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - 💎المماليك وحكم مصر: لقد حدث فراغ سياسي كبير جداً بقتل توران شاه، فليس هناك أيوبي في مصر مؤهل لقيادة الدولة، ومن ناحية أخرى فإن الأيوبيين في الشام مازالوا يطمعون في مصر، والشام ومصر كانتا دولة واحدة في زمن الملك الصالح أيوب رحمه الله، فقد وحد الدولتين بعد حربه مع الأيوبيين والصليبيين في الشام، والآن سيحاول الأيوبيون في الشام ضم مصر إلى الشام لصالحهم، ولا شك أنه قد داخل الأيوبيين في الشام حنق كبير على المماليك؛ لأنهم تجرءوا وقتلوا أيوبياً، وكان المماليك يعلمون أن الأيوبيين سيحرصون على أخذ الثأر منهم، لكنهم كانوا يدركون أن قيمتهم في الجيش المصري كبيرة جداً، وهم يعرفون أن المماليك هم القوة الفعلية في مصر، وأنهم قد ظُلموا بعد موقعة المنصورة وفارسكور؛ فقد كانوا السبب الرئيسي في الانتصار،ومع ذلك همش دورهم كل هذه الخلفيات جعلت المماليك ولأول مرة في تاريخ مصر يفكرون في أن يمسكوا هم بمقاليد الأمور مباشرة،فهم القادرون على أن يغلبوا،فلماذا لا يكون الحكم لهم؟ ولأول مرة طرح هذا السؤال على أذهان المماليك، وقد استخدموا في مصر من أيام الطولونيين، يعني:من سنة (٢٥٤) من الهجرة، ثم بعدها استخدموا أيضاً في أيام الدولة الإخشيدية، ثم في أيام الدولة الفاطمية، ثم في أيام الدولة الأيوبية، وفي كل هذه الفترات كان الجيش يعتمد تقريباً اعتماداً كاملاً على المماليك،ومع ذلك لم يفكروا مطلقاً في حكم ولا سياسة، فقد كانوا دائماً أعوان الملوك، وما كانت تخطر على أذهانهم فكرة الملك أبداً؛ لكونهم من المماليك الذين يباعون ويشترون، فلم تكن لهم عائلات معروفة أصلاً ينتمون إليها، وهذا يشعرهم بالغربة في البلاد الجديدة التي يعيشون فيها، والخطر لم يكن يمسهم ألبتة،وإنما كان دائماً يمس السلطة، وهم تبع للسلطة الجديدة، وينتقلون من سيد إلى آخر وهكذا وأما الآن فالمؤامرات ستدبر لهم مباشرة، والدائرة ستدور عليهم هم، والملوك ضعفاء، والقوة كلها بيدهم، فلماذا لا يجربون حظهم في الحكم، ولكن صعودهم مباشرة إلى الحكم سيكون مستهجناً جداً في مصر، فالناس لا تنسى أن المماليك في الأساس عبيد يباعون ويشترون، وحتى لو أعتقوا، فتقبل الناس لحكمهم سيكون أمراً صعباً، وحتى لو كثرت الأموال في أيدي المماليك، وتعددت الكفاءات، وحكموا الأقاليم والإقطاعات فهم في النهاية مماليك، وصعودهم إلى الحكم يحتاج إلى حجة مقنعة للشعب الذي لم يألفهم أبداً إلا في كنف السلاطين كل هذا دفع المماليك البحرية الصالحية إلى أن يرغبوا بعد مقتل توران شاه في فترة انتقالية تمهد الطريق لحكم المماليك، وفي ذات الوقت لا تقلب عليهم الأمور في مصر أو في العالم الإسلامي، فهم يريدون الحكم بعد توران شاه، ولكنهم يريدون فترة انتقالية، بحيث يستوعب الناس جلوسهم على الكرسي بعد ذلك إذاً:كانت هذه هي حسابات المماليك الصالحية البحرية، فهم يريدون أن يحكموا؛ لأنهم هم أصحاب القوة الحقيقية 💎شجرة الدر وحكم مصر: كانت شجرة الدر امرأة ذات طابع خاص جداً، لا تتكرر كثيراً في التاريخ، فهي امرأة قوية جداً، وشجاعة وجريئة ولها عقل مدبر، وتتمتع بحكمة شديدة، ولها القدرة على القيادة والإدارة، وكانت شجرة الدر تعرف كل هذه الأشياء عن نفسها، فقد كانت شديدة الإعجاب بإمكانياتها وبنفسها، وهذا كله دفعها إلى تفكير جديد تماماً على الفكر الإسلامي وبالذات في هذه الفترة من تاريخ الأمة، ففكرت في الصعود إلى كرسي الحكم في مصر، وهذا أمر هائل فعلاً، وسباحة عنيفة جداً ضد التيار، ولكن شجرة الدر وجدت في نفسها الملكة التي تسمح لها بتطبيق هذه الفكرة الجريئة، وقالت لنفسها: إنني حكمت البلاد سراً أيام المنصورة،فلماذا لا أحكمها الآن جهراً؟ ولما تباحثت شجرة الدر مع المماليك البحرية في أمر البلاد بعد مقتل توران شاه وجد المماليك فيها الفترة الانتقالية التي يريدون، فهي زوجة الأستاذ الملك الصالح نجم الدين أيوب،والجميع يكن له كامل الحب والاحترام والوفاء، سواء من المماليك أو من الشعب المصري نفسه، فالشعب المصري كان يحب الملك الصالح جداً، وهي في نفس الوقت تعتبر من المماليك، وإن كانت أعتقت إلا أنها كانت مملوكة قبل ذلك، كما أنها في النهاية امرأة ويستطيع المماليك من خلالها أن يحكموا مصر، ويوفروا الأمان لأرواحهم، يعني: أنهم سيضعون شجرة الدر في الصورة بأنها حاكمة مصر، والشعب في اعتقاد المماليك سيسكت؛ لأنها زوجة الملك الحبيب لهم الملك الصالح رحمه الله الذي مات منذ أشهر قليلة، وفي نفس الوقت يستطيعون أن يسيطروا على الحكم من خلال هذه المرأة التي مهما كانت قدرتها فستظل امرأة ضعيفة، وبالتالي يستطيعون الصعود بعد ذلك إلى الحكم صراحة،فما دام أنه قد صعد إلى الحكم امرأة مملوكية، فسيستطيع أن يصعد بعد ذلك رجل مملوك. * 🌷د.راغب السرجاني |
![]() | ![]() |
![]() | #84 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() | ![]() سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت 🌺المحـ7ـاضرة [ المماليك ] ************ ∫∫*** الحــ٧٧ـلقة** ∫∫ - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - 💎تولي شجرة الدر لحكم مصر: توافقت رغبة المماليك مع رغبة شجرة الدر، وقرروا جميعاً إعلان شجرة الدر حاكمة لمصر بعد مقتل توران شاه بأيام في أوائل صفر سنة (٦٤٨) هجرية، فقامت الدنيا ولم تقعد، وتفجرت ثورات الغضب في كل مكان في مصر، وعم الرفض لهذه الفكرة في أطراف العالم الإسلامي، وخرجت المظاهرات بكثرة في شوارع مصر، في وقت كانت المظاهرات مسموحة، وحاولت شجرة الدر أن تتدارك الموقف قدر المستطاع، فنسبت نفسها إلى زوجها المحبوب عند الشعب الملك الصالح نجم الدين أيوب، فقالت عن نفسها: إنها ملكة المسلمين الصالحية؛ لتذكر الناس أنها تبع الملك الصالح، ولكن هذا الكلام لم يكف ولم يوقف الشعب عن المظاهرات، فنسبت نفسها إلى ابنها الصغير ابن الصالح أيوب، فقد كان عندها طفل صغير اسمه الخليل، فلقبت نفسها ملكة المسلمين الصالحية، والدة السلطان خليل أمير المؤمنين، وكأنها تقول: إنها فترة انتقالية حتى يأتي أمير المؤمنين خليل بن الملك الصالح الذي تحبونه، ومع ذلك فإن هذا أيضاً لم يوقف المظاهرات، فأضافت نفسها إضافة ثلاثة إلى الخليفة العباسي المستعصم بالله الذي كان يحكم في ذلك الوقت، والذي سقطت بغداد في عهده، فسمت نفسها ملكة المسلمين المستعصمية -نسبة إلى المستعصم -الصالحية- نسبة إلى الصالح أيوب -والدة السلطان خليل أمير المؤمنين، ومع كل هذه المحاولات للتزلف إلى العامة والعلماء ليقبلوا الفكرة، إلا أن الغضب لم يتوقف، وظهر على كافة المستويات، وبدأ واضحاً للجميع أن البلاد ستدخل في أزمة خطيرة، وأن الوضع في منتهى الحرج، والحملات الصليبية الشرسة لا تتوقف، والإمارات الصليبية منتشرة في فلسطين، وأمراء الشام الأيوبيون يطمعون في مصر، والصراع كان محتدماً جداً بين هؤلاء الأمراء الأيوبيين وبين الملك الصالح نفسه، فما بالكم بالوضع الآن؟ ثم إن هناك الهم الكبير الذي يطرق أبواب المسلمين بعنف وهو التتار، والتتار في ذلك الوقت في سنة (٦٤٨) من الهجرة كانوا على أبواب بغداد في أذربيجان وفارس، ويخططون من أجل إسقاط بغداد، وكان إعداد هولاكو لغزو العراق في بداياته في هذه المرحلة. استمرت المظاهرات العارمة على المستوى الشعبي في مصر في كل أنحائها، وشرع المتظاهرون في الخروج بمظاهراتهم إلى خارج حدود المدينة، وبدأ الموقف يتأزم بشدة، وقام العلماء والخطباء ينددون بذلك الأمر على منابرهم وفي دروسهم، وكانت الدروس مسموحاً بها في ذلك الوقت، وكان أشد العلماء غضباً في ذلك الوقت الإمام الجليل العز بن عبد السلام رحمه الله، أبرز العلماء في ذلك الوقت، وأظهر الأمراء الأيوبيون في الشام حنقهم الشديد واعتراضهم المغلظ على صعود النساء إلى كرسي الحكم في مصر، وجاء رد الخليفة العباسي المستعصم بالله قاسياً وشديداً جداً، بل وساخراً جداً من الشعب المصري كله، فقد قال لهم في رسالته إليهم: إن كانت الرجال قد عدمت عندكم، فأعلمونا حتى نسير إليكم رجلاً. * 🌷الدكتور راغب السرجاني |
![]() | ![]() |
![]() | #85 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() | ![]() سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت 🌺المحـ7ـاضرة [ المماليك ] ************ ∫∫*** الحــ٧٨ـلقة** ∫∫ - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - 💎زواج شجرة الدر من عز الدين أيبك الصالحي وتوليه لحكم مصر: لم تتوقف الاعتراضات على الملكة الجديدة، ولم تنعم بيوم واحد فيه راحة، وخافت الملكة الطموحة على نفسها، وبالذات في هذه الأيام، وكان التغيير في هذه الأيام بالسيف بالذبح لا بالخلع أبداً، ومن هنا قررت الملكة شجرة الدر بسرعة أن تتنازل عن الحكم لرجل تحكم البلاد من خلاله، فحب السلطان يجري في دمها ولا تستطيع أن تتركه، فهي تشعر بإمكانياتها العقلية والإدارية والقيادية، وهي إمكانيات هائلة فعلاً، ففكرت بأن تمسك بالعصا من نصفها كما يقولون، فتحكم باطناً وتتنحى ظاهراً، ففكرت في لعبة سياسية خطيرة، وهي أن تتزوج أحد الرجال، ثم تتنازل له عن الحكم؛ ليكون هو في الصورة، ثم تحكم هي البلاد بعد ذلك من خلاله أو من خلف الستار، كما يحدث كثيراً في أوساط السياسة، فكم من الحكام يحكمون وليس لهم من الحكم إلا الاسم، وكم من السلاطين ليس لهم من السلطة نصيب، وما أكثر الرجال الذين سيقبلون بهذا الوضع نظير أن يبقى أطول فترة ممكنة في كرسي الحكم الوثير، وكرسي الحكم مريح جداً، والذي يجلس فيه لا يحب أن يقوم منه. وشجرة الدر لا تريد أن تتزوج رجلاً حقيقة، وإنما تريد فقط صورة رجل؛ لأنه لو كان قوياً لحكم هو ولتمسك بمقاليد الأمور في البلاد، فهي تريد رجلاً ضعيفاً، وليس من عائلة قوية أصيلة، حتى لا تؤثر عليه عائلته، فيخرج الحكم من يد الملكة الطموحة، ويا حبذا لو كان هذا الرجل السعيد الحظ من المماليك! حتى تضمن بذلك ولاءهم، وهذا أمر في غاية الأهمية، ولو كان هذا الرجل هو السند الشرعي للحكم، فالمماليك هم السند الفعلي والعسكري والواقعي للحكم. فوضعت شجرة الدر كل هذه الحسابات في ذهنها، ثم اختارت رجلاً من المماليك اشتهر بينهم بالعزوف عن الصراع، والبعد عن الخلافات والهدوء النسبي، وكانت هذه الصفات حميدة في نظر شجرة الدر، فوجدت في هذا الرجل ضالتها، وهذا الرجل هو《 عز الدين أيبك التركماني》 الصالحي، يعني: من المماليك الصالحية البحرية، من مماليك زوجها الراحل الملك الصالح نجم الدين أيوب، ولم تختر رجلاً من المماليك الأقوياء أمثال فارس الدين أقطاي أو ركن الدين بيبرس أو غيرهما؛ وذلك لتتمكن من الحكم بلا منازع، وبالفعل تزوجت شجرة الدر من عز الدين أيبك، ثم تنازلت له عن الحكم رسمياً، وذلك بعد أن حكمت البلاد (٨٠) يوماً فقط، وتم هذا التنازل في أواخر جمادى الآخرة من سنة (٦٤٨) من الهجرة. ___ وفي غضون سنة واحدة جلس على كرسي الحكم في مصر أربعة ملوك، الملك الصالح أيوب رحمه الله، ثم مات، فتولى توران شاه ابنه، ثم قتل، فتولت شجرة الدر، ثم تنازلت، فتولى عز الدين أيبك التركماني الصالحي , فقد كانت سنة فتن وانقلابات ومؤامرات ومكائد، وتلقب عز الدين أيبك بـ الملك المعز، وأخذت له البيعة في مصر. وكأن هذه الأحداث قد تمت بكاملها كنوع من التمهيد؛ لقبول فكرة صعود المماليك إلى كرسي الحكم في مصر، فقد قبل الشعب المصري بالوضع الجديد، فهو وإن لم يكن مثالياً في رأيهم، إلا أنه أفضل حالاً من تولي امرأة، وعز الدين أيبك كان مملوكاً، ولكنه أعتق، ومع ذلك فقد كان يعتبر مملوكاً، لكن أفضل من المرأة، كما أن البديل من الأيوبيين في مصر غير موجود، وكذلك غير موجود في الشام، ونحن رأينا أمراء الأيوبيين في الشام في منتهى الضعف، فقد كانوا على شاكلة الناصر يوسف الأيوبي والأشرف الأيوبي والملك السعيد حسن بن عبد العزيز وغيرهم، ولم يكن فيهم ضعف فقط، بل ضعف وسوء خلق وعمالة وخيانة وما إلى ذلك، فالشعب المصري في ذلك الوقت قبل بالملك المعز عز الدين أيبك التركماني , وبدأت الأمور تهدأ في مصر. * 🌷الدكتور راغب السرجاني |
![]() | ![]() |
![]() | #86 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() | ![]() سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت 🌺المحـ7ـاضرة [ المماليك ] ************ ∫∫*** الحــ٧٩ـلقة** ∫∫ - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - 💎نشأة المماليك المعزية وتعكر العلاقة بين الملك المعز والمماليك الصالحية: بدأت شجرة الدر تحكم من وراء الستار، وهي مؤيدة بالمماليك الأقوياء، وبالذات فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس، ولكن يبدو أن ذكاء شجرة الدر قد خانها عند اختيار ذلك الرجل الملك عز الدين أيبك، فهذا الرجل لم يكن بالضعف الذي تخيلته شجرة الدر، بل بالعكس، فقد كان في منتهى الذكاء، وقد عرف خطورة إخوانه من المماليك البحرية، وخطورة شجرة الدر، فبدأ يرتب أوراقه في حذر شديد، فلم يصطدم بـ شجرة الدر أو زعماء المماليك البحرية في أول أمره، بل بدأ يعد العدة في تدرج، وبدأ يشتري مماليك خاصة به، ويعدهم كقوة مملوكية عسكرية تدين له شخصياً بالولاء، وانتقى من مماليك مصر من يصلح لهذه المهمة، وكون ما يعرف في التاريخ بالمماليك المعزية نسبة إليه، ووضع على رأس هذه المجموعة أبرز رجاله وأقوى فرسانه وأعظم أمرائه مطلقاً، وهو سيف الدين قطز رحمه الله، وهذا أول ظهور تاريخي للبطل الإسلامي الشهير سيف الدين قطز، فقد كان يشغل مركز قائد مجموعة المماليك الخاصة بالملك المعز عز الدين أيبك. 80-ومع أن الملك المعز عز الدين أيبك نفسه من المماليك البحرية، إلا أن المماليك البحرية بدءوا يغارون منه بشدة، وبدأت تظهر عوامل كبيرة جداً من الحسد بين الطائفتين، فـ الملك المعز لم يكن له أي قيمة في المماليك البحرية، ومع ذلك وصل إلى كرسي الحكم في مصر، وهناك من المماليك من كانت له القوة والباع والتاريخ، ولم يصل إلى ما وصل إليه، فهذا يلقب بـ الملك المعز عز الدين أيبك، وهؤلاء يلقبون بالمماليك، وشتان! فظهرت عوامل الغيرة والحسد من المماليك، وبالذات من فارس الدين أقطاي، وكما يقول المقريزي في كتابه (السلوك لمعرفة دول الملوك): لقد بالغ فارس الدين أقطاي في احتقار أيبك والاستهانة به، فكان يناديه باسمه مجرداً من أي ألقاب، ويقول له: يا أيبك! فهذه المعاملة من أقطاي جعلت عز الدين أيبك يحس من داخله أن المماليك البحرية، وقد يكون الشعب من ورائهم ينظرون إليه على أنه مجرد زوج للملكة المتحكمة في الدولة، مما جعله جدياً يفكر في التخلص من زعماء المماليك البحرية، ومع ذلك لم يتسرع. مرت بعض الشهور والسنوات وحدث لقاءان كبيران بين الجيش المصري والجيش الشامي، فقد حاول الجيش الشامي أن يغزو مصر أكثر من مرة، وقد انتصر الملك المعز مرتين انتصاراً باهراً على الشاميين، بل وضم فلسطين مرة أخرى إلى مصر، وكانت الشام قد انفصلت عن مصر بعد وفاة الملك الصالح رحمه الله. ثم بدأ يعيد من جديد تكوين الدولة التي تركها الملك الصالح أيوب رحمه الله، وهذا العمل رفع من قيمته جداً عند الشعب المصري. * 🌷الدكتور راغب السرجاني |
![]() | ![]() |
![]() | #87 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() | ![]() 📘📘📘📘📘📘📘📘 سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت ✍المحـ8ـاضرة [قطز وبناء الأمة ] ************ ∫∫*** الحــ٩١ـلقة** ∫∫ - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - 💎القيمة*الأولى: العلم الشرعي والعلماء: القيمة*الأولى التي حفظت مصر في ذلك الوقت:*قيمة*العلوم*الشرعيةوعلماء الدين، فطيلة أيام الأيوبيين في مصر ومنذ أن رسخ صلاح الدين الأيوبي رحمه الله المذهب السني في مصر بعد قضائه على الدولة الفاطمية الخبيثة، كانت*قيمة*العلماء مرتفعة جداً في أعين الناس والحكام على السواء، حتى إنه كما رأينا عندما صعدت شجرة الدر إلى كرسي الحكم قام العلماء بإنكار ذلك، وكتبوا الرسائل المعادية للملكة، وحفزوا الناس على رفض هذا الأمر، ولم تستطع شجرة الدر ولا أحد من أعوانها أن يوقف هذه الحركة الجريئة من العلماء، فلم تقيد حرية عالم أبداً، ولم يغيب في ظلمات السجون، ولم يمنع من إلقاء الدروس والخطب، وأيضاً كان من نتيجة أسلوب الأيوبيين في تربية المماليك على الدين أساساً، ثم على الفروسية والقتال أن احتاج الحكام إلى العلماء باستمرار؛ حيث كانوا يشاركون في تربية الجيش الذي يعتمد عليه الحاكم في حكمه، وقد أثرت هذه التربية أيضاً في المماليك أنفسهم، فأصبحوا يعظمون العلم والعلماء، كما ذكرنا قبل ذلك، وكان إذا قام رجل يقول: قال الله عز وجل أو قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم اجتمع له الناس والحكام على السواء وأنصتوا، وشتان بين شعب ابتعد عن الدين فترة من الفترات، ولكنه مازال يقدر الدين والعلماء، وبين شعب آخر تربى على اعتبار الدين من التقاليد القديمة التي قد تعظم تعظيماً رمزياً، مثل أي أثر تاريخي، وقد كان من المستحيل على الشعب في مصر أيام الأيوبيين والمماليك أن يهزأ بعالم دين أو بشيخ في مسجد، أو بأي رجل حمل صبغة إسلامية، بل كان من المستحيل على الشعب أن يرفض أي مبدأ إسلامي أو أي قانون شرعي، فقد كان الشعب معظماً تماماً للدين ومحباً للإسلام، ولهذه القيمة*العالية للعلم والعلماء في مصر كانت مصر ملاذاً للعلماء الذين لا يجدون في بلادهم فرصة لتعليم الناس، ولهذا فزيادة على علماء مصر وعلماء الأزهر الشريف-والأزهر الشريف في ذلك الوقت كان سنياً تماماً بعد ذهاب الدولة الفاطمية- جاء إلى مصر علماء أفاضل من بلاد إسلامية أخرى، ولا شك أن هؤلاء العلماء أضافوا إضافات جليلة لحركة العلم في مصر، ومن أشهر هؤلاء العلماء الذين جاءوا إلى مصر في ذلك الوقت 《العز بن عبد السلام》 رحمه الله، وهو من أعظم علماء المسلمين والملقب بـ سلطان العلماء، فهذا العالم الجليل كان يعيش في دمشق، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكان يحكم دمشق في تلك الفترة الملك الصالح إسماعيل أخو الملك الصالح نجم الدين أيوب، وكان الملك الصالح إسماعيل على خلاف كبير جداً مع أخيه، وكان على غير شاكلته تماماً، فقد كان موالياً للصليبيين متعاوناً معهم، خائناً لبلاده، وكثيراً ما أنكر على العز بن عبد السلام رحمه الله دعوته إلى الجهاد في سبيل الله، وأنكر عليه دعوته لقتال الصليبيين والتتار، وسجنه أكثر من مرة لما اعترض عليه، ثم نفاه إلى القدس، وفي سلسلة طويلة جداً من الأحداث استقدم الملك الصالح نجم الدين أيوب العز بن عبد السلام رحمه الله إلى مصر، وعاش فيها من سنة (٦٤٣هـ) إلى هذه الأحداث، ونحن الآن في سنة (٦٥٨)، يعني: أن العز بن عبد السلام رحمه الله قدم إلى مصر قبل هذه الأحداث بخمس عشرة سنة، قضاها في تعليم شعب مصر وتربيته على كل الأمور الفضلى، التي كان يقوم بها رحمه الله في حياته قبل ذلك في دمشق، وكان يمنع منها. فقيمة*العلم والعلماء التي حفظت في مصر كانت هامة جداً لتغيير واقع المسلمين بعد ذلك في مصر، وإن سقطت هذه القيمة*فلا أمل في القيادة؛ لأن الذي يحفز الناس دائماً باستمرار على الجهاد في سبيل الله هم العلماء، فإن ضاعت*قيمة*العلم والعلماء والدين فلا أمل في الأمة في هذا الزمن. والعز بن عبد السلام رحمه الله له مواقف كثيرة وعظيمة جداً مشهودة في مصر، ومنها قصة بيع أمراء المماليك، والوقت لا يتسع في هذه المحاضرة لهذه التفصيلات، وسنفرد لها حديثاً خاصاً بإذن الله عند الحديث عن مجموعة دولة المماليك. * 🌷الدكتور راغب السرجاني |
![]() | ![]() |
![]() | #88 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() | ![]() 🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷 سلسلة التتار من البداية إلى عين جالوت ✍المحـ8ـاضرة [قطز وبناء الأمة ] ************ ∫∫*** الحـ٩٢ــلقة** ∫∫ - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - 💎القيمة*الثانية: الجهاد في سبيل الله: القيمة*الثانية بعد*قيمة*العلم والعلماء التي كانت محفوظة في مصر: هي قيمة*الجهاد في سبيل الله، فالمسلمون في مصر في تلك الآونة كانوا يؤمنون إيماناً عميقاً بحتمية الجهاد في سبيل الله للأمة التي تريد أن تعيش، وما سقطت*قيمة*الجهاد أبداً حتى في أوقات الضعف، والصراع على السلطة، ولا حتى في أوقات الأزمات الاقتصادية. وقد كانت الحملات الصليبية المتتالية على مصر والشام سبباً في بقاء هذا الشعور عند المسلمين في مصر، وقد علم المسلمون في مصر أنه من المستحيل أن يكون هناك ما يسمى بالسلام الدائم، وهذا أمر مستحيل؛ لأن من سنن الله عز وجل أن يظل الصراع دائراً إلى يوم القيامة بين أهل الحق وأهل الباطل، وسيظل الحق والباطل موجودين إلى يوم القيامة، ولذلك فلن يقف الصراع أبداً، إلا أن يتحول كل أهل الباطل إلى الحق، أو يتحول كل أهل الحق إلى الباطل، وهذا افتراض مستحيل. وكان المسلمون في مصر في ذلك الوقت يعظمون جداً كلمة الجهاد في سبيل الله، ويربطونها دائماً بالله عز وجل، فمادام هناك جهاد فلا بد أن يكون في سبيل الله، وبسبب أن الجيوش الصليبية كانت دائماً أكثر عدداً من الجيوش المسلمة، كانت الجيوش المسلمة شديدة الارتباط بربها عند المعارك، وشديدة التضرع إليه، وحريصة دائماً على توجيه النية كاملة لله عز وجل، ولذلك ما سقطت أبداً قيمة*الجهاد في سبيل الله، وما وجد في ذلك الزمان من يسفه أمر الجهاد، أو يتهم من أراد الجهاد بأنه إرهابي أو متطرف أو أصولي، ولم تكن كلمة الجهاد سبة أبداً، وإنما كانت فضلاً عظيماً وهدفاً سامياً، وكان هناك أناس يقدرون عليه وأناس لا يقدرون عليه، والذي لا يقدر عليه لم يكن يمكنه أن يلوم على من جاهد في سبيل الله، ولذلك فالجيش المصري كان في ذلك الوقت مستعداً، وحريصاً دائماً على استكمال كل أسباب القوى والإعداد، ولم يفرغ الجيش أبداً لأعمال مدنية كما كانت تفعل الدول التي لا تجاهد ولا تنوي الجهاد، وإنما كان الجيش متفرغاً تماماً للتدريب العسكري، ولتحديث السلاح، وللتمرين على الخطط المختلفة للحروب، وعلى تخريج القيادات الجديدة الماهرة، وعلى حماية البلاد من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، وكان متدرباً على نجدة المسلمين في البقاع المختلفة، ومستعداً دائماً، وكان الشعب المصري معظماً لهذه القيمة*في ذلك الوقت، وقطز رحمه الله كما رأينا كان واضعاً قضية التتار نصب عينيه من أول يوم حكم فيه البلاد، بل كان واضعاً هذه القضية نصب عينيه في كل حياته، يوم أن كان طفلاً، ويوم أن كان شاباً، ويوم أن كان قائداً للجيش، ويوم أن كان حاكماً لكل للبلاد، ففي كل مراحل حياته كان يضع نصب عينيه الجهاد في سبيل الله. رأينا كيف خطط قطز رحمه الله لتقوية الجيش، ولتدعيم الصف الداخلي في مصر، ولتحسين العلاقات الخارجية مع جيرانه المسلمين، ولا شك أن هذا يحتاج إلى وقت طويل، ولا شك أنه أيضاً يحتاج إلى وقت آخر ليتم هذه العدة، لكن كثيراً ما تفرض المعارك على المسلمين فرضاً، وفي الوقت الذي لا يريدون، وقد لا يجدون وقتاً كافياً للإعداد والتمهيد، ولذلك يجب على الأمم أن تكون جاهزة دائماً فبينما قطز رحمه الله في إعداده المتحمس، وفي خطواته السريعة جاءته رسل هولاكو يخبرونه أن اللقاء سيكون أسرع مما يتخيل، وأن الحرب على وشك الحدود، وبينما كان قطز رحمه الله في حاجة إلى بضعة شهور فقط للإعداد إذا بالأيام تتسرب من بين يديه رحمه الله، وإذا بالحرب مفروضة عليه ما بين عشية وضحاها، فستهجم الجحافل الهمجية التترية على مصر شاء قطز والجيش والشعب أم أبوا، فهي قادمة وقريبة جداً من المعسكر المؤمن، وعما قليل سيكون اللقاء بين أكبر وأقوى دولة على الأرض في ذلك الزمن، وبين القلة المؤمنة التي تعيش في مصر. فكيف جهز قطز رحمه الله نفسه وشعبه وجيشه وعلماءه لهذا الأمر الجلل الذي سيكون بعد قليل؟ وكيف أعد قطز رحمه الله الشعب لتلقي الصدمة المروعة للتتار؟ هذا ما سنتعرف عليه بإذن الله في المحاضرة القادمة. وأسأل الله عز وجل أن يرزق أمة الإسلام رجلاً كـ قطز رحمه الله، وكأمثاله من المجاهدين الصابرين. وأسأل الله عز وجل أن يجعل لنا في التاريخ عبرة، وأن يفقهنا في سننه، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا. إنه ولي ذلك والقادر عليه. {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:٤٤]. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. * 🌷الدكتور راغب السرجاني |
![]() | ![]() |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
| |
![]() | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
قصة التتار من البداية الى عين جالوت | الرهيب | المواضيع الاسلامية | 4 | 09-12-2020 10:09 AM |
قصة طالوت و جالوت | الرهيب | قصص الانبياء و سيرة الصحابة والتابعين | 7 | 06-11-2016 11:35 AM |
في البداية* | الكلوح | اللغه الانجليزية | 0 | 09-29-2009 05:06 AM |
في البداية | الكلوح | اللغه الانجليزية | 2 | 09-28-2009 07:06 PM |
Rss Rss 2.0 Html Xml Sitemap دليل المنتديات