منتديات بني بحير بلقرن - الفراغ ـ أسبابه ـ مشاكله ـ علاجه .

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين .. وبعد :
فإنه من دواعي سروري أن أغتنم فرصة إجازة عيد الأضحى لأتحدث عن مشكلة الفراغ أسبابها وعلاجها
حتى لا تنصرم منا هذه الإجازة وتمر أيامها دون فائدة مرجوة في ديننا ودنيانا ..
وقبل أن أتطرق لأسباب هذه المشكلة أقدم ببعض الآثار التي تبين أهمية الوقت وضرورة اغتنامه في طاعة الله تعالى والتحذير من ضياع الوقت والعمر في سفاسف الأمور دون هدف واضح وفائدة مرجوة .
أبدأ ذلك بقول الله تعالى " فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب "
يقول فضيلة الشيخ أبو بكر الجزائري في تفسيره : أي يا محمد إذا فرغت من عمل ديني فانصب إلى عمل دنيوي وإذا فرغت من عمل دنيوي فانصب إلى عمل ديني . ( انتهى كلامه )
ومن هذا يتبين لنا أنه لا فراغ في حياة المؤمن .. ولا إجازة في حياته . إنما الإجازات هي محطات يقف فيها العاقل يراجع حساباته ويطور خططه ويرسم مستقبله ..
ولذلك بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الفراغ نعمة أنعم الله بها على عباده يجب أن يستغلها المؤمن بالشكر والطاعة .. قال صلى الله عليه وسلم
" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس . الصحة والفراغ "
وبين لنا أننا نسأل عن هذا الوقت يوم نقف بين يدي الله سبحانه وتعالى فقال
" لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه .......... الحديث "
وحثنا ديننا الحنيف على اغتنام فترة الشباب لأنه ليس بعد الشباب إلا المشيب
قال صلى الله عليه وسلم " أغتنم خمساً قبل خمس وذكر منها شبابك قبل هرمك "
ومما سبق يتبين لنا أيها الأحباب أن الوقت والإجازات هي جزء لا يتجزأ من عمر الإنسان .. وعلى ذلك فالوقت أغلى من الذهب لأن الوقت هو عمر الإنسان وإذا ذهب الوقت ذهب العمر .
وكل يوم يمر من عمرك يباعدك من الدنيا ويقربك من الآخرة .
كان ابن مسعود يقول " ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه علمي "
وكان الحسن يقول " كل يوم بزغ فجره ينادي فيقول يا ابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني فإني لا أعود "
وكم هم كثيرون الذين تضيع أعمارهم يوم بعد يوم .. كأوراق التقويم حتى تنتهي ..
وكم هم كثيرون أولئك الذين ملوا الحياة لأنهم لم يقدروا ثمن الأيام ..
إن كثيراً من المشاكل النفسية والإجتماعية والصحية والعقلية التي يعاني منها بعض الشباب هي نتيجة حتمية لذلك الفراغ الكبير في حياة أولئك الشباب ..
والطريف أن كثيراً من الشباب عندما يسمع عبارات استغلال الفراغ في طاعة الله تعالى ومرضاته .. يظن أنه يجب عليه أن يستنزف كل وقته في الصلاة والصيام وقراءة القرآن والذكر ..
وينسى المسكين أن كل عمل يحتسب أجره من الله يصبح طاعة لله .. فالنوم والأكل والشرب واللهو إذا احتسبت للتقوي على الطاعة تصبح طاعة يؤجر عليها الإنسان .. والصحابة رضوان الله عليهم تعجبوا حين قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم " وفي بضع أحدكم صدقة " قالوا : أيأتي أحدنا شهوته ( يجامع زوجته ) فتكون له صدقة .. فبين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر بمثال فقال : أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر . قالوا : نعم فقال : فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر "
فما عليك أيها الحبيب إلا أن تنوي بعملك المباح وجه الله ليكون لك أجره عند الله .
وبعد هذه المقدمة السريعة التي تبين أهمية الوقت نتطرق لأهم الأسباب التي أوجدت مشكلة الفراغ
فنقول: إن أعظم سبب أوجد مثل هذه المشكلة الكبيرة هي ضعف الوازع الديني عند كثير من الناس .. ولأنني أخاطب الشباب وأحاول جاهداً أن أبحث في مشاكلهم وإمكانية حلولها .. أقول إن ضعف الوازع الديني عند كثير من الشباب جعل حياة كثير من الشباب جحيم يتلظى
حتى امتلأت السجون بشباب في ربيع أعمارهم .. أقدموا على جرائم عظيمة .. كانت تفريغ لتلك الطاقات الكامنة في أجسادهم .. كنتيجة سلبية لضعف المراقبة الذاتية للخالق العظيم في نفوس أولئك الشباب
كما أن عدم استشعار أهمية الوقت .. والإدراك التام لمضمونه ومحتواه جعل كثير من الشباب .. يقضون أفضل مراحل حياتهم بالتنقل بين المقاهي والمنتزهات قابعين أمام شاشات الفضائيات يسيرون بلا هدف أسمى ولا غاية نبيلة .
كما أن التورط مع أصحاب السوء هو سبب واضح وجلي يجعل الشاب المراهق يقضي وقته مع أولئك الفسقة دون إحساس بمرور الأيام والليالي .. وإنك أخي الحبيب لتعجب أشد العجب عندما تنظر لبعض الشباب الذين تركوا أعمالهم التي جعلها الله مصدر رزق لهم .. نتيجة انجرافهم خلف أصحاب السوء وجلوسهم معهم وتأثيرهم عليهم . فبعد أن كان الشاب يقضي وقته في ذلك العمل الوظيفي .. أضحى فارغ الذهن
( والجيب ) ينتظر عطف أخيه الكبير أو حنان أمه أو شفقة أبيه .. يعطونه يوماً ويمنعونه أياما .
ولا ننسى إهمال الأسر لإبنائهم وقلة التوجيه والإرشاد لدى كثير من الآباء .. وانعدام المعلم ( المربي ) الذي يبين لطلابه خطر هذه المشكلة ونتائجها السيئة على حياة الفرد والمجتمع .
كل هذه الأسباب زرعت فراغاً عاطفياً وعقلياً ونفسياً عند كثير من الشباب .. أثر بشكل واضح على حياتهم العملية أو العلمية . وسبب إنحرافاً خطيراً في إخلاقهم وسلوكياتهم .
ونتيجة لهذا الفراغ تنوعت مشكلات المجتمع بين مشكلات نفسية واجتماعية واقتصادية وأسرية ..
فانتشرت ظاهرة السرقة حتى أصبحت تسمع بسرقة كيبل كهرباء أو كفرة سيارة أو اسطوانة غاز
فضلاً عن قضايا المخدرات , والإعتداء على الأعراض .
كما أن ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب هو مشكلة متفرعة عن مشكلة الفراغ عند كثير منهم .
ولا ننسى مشكلة الأمراض النفسية . وظاهرة العزلة والأنطواء عند بعض الشباب الذين لم يدركوا معنى الوقت وأهمية استغلاله ..
وكلنا يعلم بتلك المشاكل الأسرية التي تقوم بين الأب والأبناء العاطلين .. نتيجة إرهاق الأب المسكين بمصاريف أولئك الأبناء العاطلين .
وفي ظني أن أول مراحل العلاج لهذه المشكلة ، أن يكون لدى الشاب وعياً كاملاً .. بالهدف من الخلق " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " وأن يعلم الشاب أن مفهوم العبادة ليس محصوراً في زمان محدد أو مكان محدد بل هو أوسع من ذلك بكثير .. فالعمل عبادة ، والأكل عبادة ، والشرب عبادة ، وحصانة الفرج عبادة ،، والإنفاق على النفس عبادة ... وكل عمل مباح يبتغى به وجه الله تعالى يصبح عبادة لله يؤجر عليه فاعله .
ومن مراحل علاج هذه المشكلة أن يقدر الشاب ذلك الوقت الذي يضيع منه دون فائدة حق قدره . وقد أثبتت بعض الدراسات أن مقدار الوقت الذي يضيع على الشاب أيام الدراسة يقدر بحوالي تسع ساعات ولا شك أن هذا الوقت يتضاعف في أيام الإجازات .
ومن مراحل العلاج أن يدرك الشاب أن الفراغ نعمة وأنه بفوضويته يقلب هذه النعمة إلى نقمة تجر عليه المصائب والويلات . ليس في الدنيا فحسب ، بل في الدنيا والآخرة .
ومن مراحل العلاج ، تنظيم الوقت وتحليله .. ومن الأمور المسلم بها قطعاً أن الصلوات الخمس وأداءها مع الجماعة من أعظم ما ينظم وقت المسلم ويرتب حياته ..
وأظن أن الشاب الذي يضع رأسه على فراشه وهو لا يعلم أين سيذهب غداً ، وماذا يجب عليه من الأعمال الخاصة والعامة .. أظنه شاب لا يعرف قيمة الوقت .
وأحد أسباب العلاج . أن يمارس الشاب عملاً مفيداً وبشكل مستمر حتى يكون منتجاً ونافعاً لنفسه ومجتمعه .. ليس عيباً أن ينهمك الطالب في ضيعة أبيه مهما كانت .. في المتجر أو المزرعة أو الرعي إنما العيب كل العيب أن تجد أباً يكدح في توفير لقمة العيش لأسرته .. وتجد بين أفراد تلك الأسرة شاباً فتياً نائماً على فراشه يأكلها " باردة مبردة "
ومما تجدر الإشارة إلية ضرورة التنسيق بين أوقات العمل وأوقات الترفيه والراحة والإسترخاء .. بتنظيم مناسب يعطي كل مهمة حقها من الوقت ... ولو أن يعمد أحدنا لكتابة جدوله اليومي في ورقة تكون قريبة منه ليتذكر دائماً ماذا يجب عليه من أعمال .. حتى يستطيع أن يقضي على هذه المعضلة .. ويكون عضواً نافعاً لنفسه وأهله ووطنه ...
ومن مراحل علاج المشكلة .. ضرورة إيجاد مراكز عامة ترعى أوقات الشباب يشرف عليها من هو أهلاً لذلك وإن كانت الأندية ومنشآت رعاية الشباب المنتشرة في المدن قد حلت جانباً من المشكلة عند شباب المدن . فإن القرى والأرياف لا زالت تفتقد لمثل تلك المراكز والأندية . رغم أن الدولة رعاها الله لن تتردد في إيجاد ما يحفظ أوقات الشباب إذا كانت هناك مطالبة جادة وأيدي عاملة صادقة تهدف بالدرجة الأولى للحفاظ على أوقات الشباب واحتساب الأجر في ذلك
إني أعرض هذه المشكلة بهذا التفصيل مع علمي وإداركي أن المجتمع مليء بالنماذج الرائعة التي تحسب لوقتها ألف حساب وتسعى دؤوبه فيما يحقق لها السعادة والإستقرار .. ولكني لا أريد أن ندس رؤوسنا في التراب . بل يجب علينا أن نناقش مشاكل مجتمعنا بصراحة واضحة . وأن نطرح الحلول المناسبة بصرف النظر عن حجم المشكلة وأبعادها .. سائلين الله تعالى أن يحفظ شبابنا ,, وأن يصلحهم ،، وأن يصرف عنهم كل مكر ومكيدة .. وتقبلوا خالص تحياتي .