الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد المصطفى المختار .. عليه وعلى آله وأصحابه الأخيار
أما بعد :
فما من ليلة تمر عليّ إلا وأنا أسأل نفسي متى سترى مواضعي التي اكتظ بها سطح مكتبي النور .. ومن حينٍ لآخر أغبط إخواني كتاب منتدانا الحبيب أن يجدوا هذا الوقت لكتابة ما يجول بخواطرهم .. حتى أني لأتعجب من همة كثير من الشباب الذين أجد لهم في القسم الواحد عدد من المواضيع .. وجملة من الردود .
يبدو أني استطردت على شاكلة الشيخ علي الطنطاوي .. رحمه الله .. طبعاً مع الفرق بين الثرى والثريا .. إذا لا وجه للشبه بين ما أكتب وما كتبه رحمه الله
عموماً .. موضوعي هذا الأسبوع موضوع هام وحديث ذو شجون .. أحاول فيه أن أقضي وطري حتى ولو لم أشبعه بحثاً وتحليلاً والبركة فيكم وفي أفكاركم واقتراحاتكم ..
سائلاََََ الله تعالى أن ينفعني به وينفع به من يقرأه .
وقد تاقت نفسي لأن أطلق عليه " الإدارة إما كرامة .. وإما خزي وندامة "
بادئ ذي بدء اذكر لكم قصة .. حصلت لي قبل ما يقارب خمس سنوات
وذلك حينما " شطحت نفسي " لأن أتقدم مع من يتقدم للترشيح لهذا العمل .. وكيلاً أو مديراً حسب ما تقتضيه الحاجة .
ولا أذكر هل استخرت الله تعالى . أم أن العزة أخذتني بالإثم ... حتى ظنت نفسي . أن الأرض لن تعرف أكفأ منها لهذا المنصب ..
حينها تقدمت . وتم تحديد موعد الاختبار التحريري على أن يلحق به اختبار شفوي أو ما يسمى بالمقابلة الشخصية ، وطلب منا الزملاء بمركز التوجيه قراءة كتاب الدليل الإجرائي لمدير المدرسة ..
حصلت على الكتاب من مدير مدرستي وبدأت بجد واجتهاد وهمة عالية في قراءة الكتاب .. وكل ما مررت بفقرة غريبة . أو عمل شاق يجب على مدير المدرسة أن ينفذه .. سليت نفسي وقلت " أنا لها " .. أخيراً تناصفت الكتاب وأنا أتنقل بين أنظمة ولوائح " تهد الحيل" . يجب على مدير المدرسة تنفيذها ويطالب بتفعيلها .
وحينما تيقنت أن " مالي في السوق مسوق " . وضعت الكتاب . واتجهت إلى سريري لأنام قرير العين ..
مردداً قول الشاعر
إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
وما كان مني في الصباح إلا أن أخذت الكتاب ووضعته على طاولة مدير المدرسة .. مخبراً أياه أنني غيرت رأيي ولم أعد أطمح أن أكون .. " المدير المنتظر "
ولو أردت أن أحدثكم عما وجدت في الكتاب من أنظمة وتعليمات لقلتم كان الله في عون كل مدير أو وكيل ..
إنني والله إذ اعترف بضعفي وعدم قدرتي على تولي هذا المنصب . أحيي كل من تجشم الصعاب وارتقى هذا المرتقى .. أسأل الله تعالى أن يعينهم
ورأيت أن انشر هذا التحليل السريع من المنظور الشرعي لمفهوم الإمارة إذ أن الإدارة تعتبر جزءاً منها .
حتى يتسنى لكل من يقرأ هذا الموضوع أن يتعرف على نزر يسير من أحكام الكتاب والسنة في هذا الجانب ..
ولا أريد أن أحجم الموضوع في إدارة المدارس بل أرى أن الأمر ينطبق على كل من تقلد منصباً يعلو فيه غيره آمراً وناهياً ومما لا شك فيه أن أعضاء إدارة هذا المنتدى من أولئك النفر . الذين يهمهم هذا الأمر . لأنهم ألزموا أنفسهم إدارة هذا المنتدى والإشراف عليه فكان واجباً على من ألزم نفسه أن يلتزم ...
ومناسب جداً أن نذكر قول الله تعالى " وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً .. قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال .. قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم "
فكان العلم وقوة الجسم من أهم مقومات تملك زمام تلك الطائفة التي أرسل الله لهم طالوت ليدير شؤونهم وقد قيل إنه كان أعلمهم وأجملهم وأتمهم خلقاً .. وفي موضع آخر من كتاب الله الكريم يقول الله عن يوسف " قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم "
وهذا شرط آخر لمن أراد أن يترشح لمثل هذا المنصب .. أن يكون حفيظاً عليماً بأمر ما يقوم به ..
ولو تأملنا قصة فتاة شعيب مع أبيها وهي تشير عليه أن يستأجر موسى لرعي الغنم .. تقول
" يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين "
يا سبحان الله كان معيار الخيرية عند تلك الفتاة العاقلة القوة والأمانة .. هذا لمن أراد أن يقود غنماً ويدير شؤونها .. فما ظنكم بمن أراد أن يقود أمه أو مجتمعاً أو طائفة من الناس .
لا شك أنه شرطاً أساسياً أن يكون عالماً بما يعلم قوياً ليس في جسمه فحسب بل في رأيه وحزمه . وإصراره وعزيمته . فضلاً عن الأمانة التي قد ذكر عنها صلى الله عليه وسلم أن ضياعها علامة من علامات الساعة .
وقد قال صلى الله عليه وسلم لمن سأله الإمارة
" لن أو لا نستعمل على عملنا من أراده " رواه مسلم
وهذا عقبة أخرى تقف في الطريق .. وكم هم كثيرون من يطلبها .. كما كنت أريد أن أطلبها لولا أن الله تداركني برحمته في اللحظة الأخيرة فتراجعت ..
ويعظم الشأن إذا سمعنا وصيته صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة إذ قال " يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة أُكلت إليها , وإن أُعطيتها من غير مسألة أُعنت عليها " رواه مسلم
أُكلت : أي تُركت إليها ولم تعن عليها " وردت الكلمة بهذا الشكل في الحيث "
وهذا لا يعني نقص في من طلب الإمارة . أو من اعترف بعجزه عن القيام بها .. فها هو صلى الله عليه وسلم يقول عن أبي ذر " يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم " رواه مسلم
ويقول له في رواية أخرى " يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها " رواه مسلم
وكما أنني قد قلت أن هذا لا يعني نقص في من تركها ورغب عنها وضعف عن القيام بها
فهاهو يذكر لنا فضل أبي ذر في حديث ابن ماجه فيقول " ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر "
ومن تأمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم " ما من عبد يسترعيه الله رعيه يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة " رواه مسلم ،، لراجع نفسه مراراً قبل أن يلج هذا الباب .. نسأل الله العافية
ومع كل هذا فإن من يجد في نفسه القدرة على تولي هذا العمل .. والقيام بشؤونه . كان له عند الله عظيم الأجر والثواب وهذه بشرى لأهل المناصب الإدارية . حتى يجتهدوا ويثابروا ويطلبوا الآخرة بما قد ولوا
وهذا هي الكرامة التي قصدتها في عنوان المقال ..
فبادئ الأمر أوجب الله طاعتهم في غير معصية الله وقرن طاعته وطاعة رسوله بطاعتهم .. كما أن عصيانهم هو عصيان لله ورسوله ..
فكل من أُمّر عليه أميراً أو مديراً .. كان واجباً عليه الطاعة في غير معصية الله تعالى حتى وإن كان كارهاً لما يؤمر به ..
وشرف الله تعالى أهل الإمارة من الأئمة العادلين . أن الله تعالى يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله .. وذكرهم من أولئك السبعة الذين ينالون هذا الفضل العظيم يوم لا ينفع مال ولا بنون ،
وثالثة الأثافي .. قول الرسول صلى الله عليه وسلم " إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا "
وخلاصة القول أيها الأعزاء أن الإدارة سلاح ذو حدين كما أنها قد تهوي بصاحبها إلى المهالك " خزي في الدنيا والآخرة " فإنها كفيلة عند القيام بها حق القيام أن ترقى بأهلها أعلى الدرجات " كرامة في الدنيا والآخرة "
وخاتمة الكلام .. أن المدير أو الوكيل . بشر يخطئ ويصيب . ولكن " سددوا وقاربوا " والتيسير التيسير على من وليتم في غير تضييع للأمانة . " اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به " رواه مسلم
نسأل الله تعالى أن يعين كل من ولي إدارة أو إمارة لما فيه الخير والصلاح .
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
أخوكم : م ح البحيري