عرض مشاركة واحدة
قديم 07-13-2011, 01:43 PM   #19
عـ القناص ـزوز
 
الصورة الرمزية عـ القناص ـزوز
 

عـ القناص ـزوز مستهل الاصل ورائععـ القناص ـزوز مستهل الاصل ورائععـ القناص ـزوز مستهل الاصل ورائععـ القناص ـزوز مستهل الاصل ورائععـ القناص ـزوز مستهل الاصل ورائععـ القناص ـزوز مستهل الاصل ورائع
افتراضي رد: المكتبــه العآمة للبحــوث الدرآسيــة

ارث المرأه في التشريع الاسلامي

إن مبدأ توريث المرأه كان خطوه كبيره للثوره الاسلاميه الاولي الأمام، في مجتمع كان يفرض الحرمان التام علي النساء، فكانت المرأه في الجاهليه محرمه منه، إذ كان الذكر هو الوارث الوحيد، و إذا لم يكن بين الأولاد ذكور ذهب الميراث إلي الأعمام، كما أخرج مسلم بن الحجّاج القشيري النيشابوري في الصحيح عن عمر بن الخطاب قال: «و الله إن كنا في الجاهليه ما نعدّ للنساء أمراً، حتي أنزل الله فيهن ما أنزل و قسم لهن ما قسم» (1)، و ذلك في أيام معركه اُحد، حيث قتل الصحابي سعد بن الربيع و خلّف بنتين، فجاء عمّهما و استولي علي ميراثهما و لم يترك لهما شيئاً، فجاءت أمهما إلي النبي «صلي الله عليه واله» شاكيه، فاستمهلها إذ لم يكن مسبوقاً بشيء في ذلك، فعندئذ نزلت آيه المواريث، فدعا عمهما و قال له: «أعط ابنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما الثمن، و ما بقي فلك».

و كذا نري المرأه الاوربيه في العصور الوسطي حتي عصر النهضه الصناعيه الكبري محرومه من الارث عموماً؛ ففي بريطانيا كان يذهب جميع الموروث إلي الابن الاكبر، فلم تكن تُحرم منه البنات فقط، بل حتي سائر البنين غير الأكبر، و عند الساميّين القدماء و السومريّين أعطت شريعه اوراغو حق الارث للبنت بشرطين: أن تكون وحيده والدها، و عازبه بعد لم تتزوج. و في شريعه حمورابي كذلك تحرم منه المتزوّجه، إنما تورث العازبه، بينما حصص الميراث في الاسلام شامله للاولاد جميعاً بنات و بنين، اعزاباً و متزوجين، إلّا أن حصه البنات من الميراث نصف حصه البنين.

و أما مسأله اعاده النظر في هذه الحصص – مع تطور المجتمع الاسلامي – ليكون الجنسان متساويين في ذلك، فإنما يتوقعه و ينظره من لم ينظر في الصول الفقه في الاسلام، فلا يعرف ما هي أدله الأحكام في الاسلام، و لا يعرف ما أجاب به اولياء الاسلام عن هذا التساؤل القديم.

فقد روي الصدوق في علل الشرائع بسنده عن هشام بن سالم عند الأحول قال: «قال لي ابن أبي العوجاء: ما بال المرأه الضعيفه لها سهم واحد و للرجل القوي المرسر سهمان؟ قال الأحول: فذكرت ذلك للصادق «عليه السلام» فقال: «علي الرجال النفقه و العاقله و الجهاد، و عدّ غيرها و قال: و ليس هذه عليها، فلذلك جُعل له سهمان ولها سهم».

و روي فيه بسنده عن عبدالله بن سنان قال: «قلت للصاق «عليه السلام» : لأي عله صار الميراث للذكر مثل حظ الاثنين؟ قال: لما جُعل لها من الصادق».

و روي فيه بسنده عن أخيه محمد بن سنان أنه كتب إلي الرضا «عليه السلام» بمسائل، فكتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: «عله إعطاء النساء نصف ما يُعطي الرجال من الميراث، لأن المرأه إذا تزوجت أخذت و أعطاها الرجل، فلذلك وُفّر عليه، و لأن الانثي في عيال الذكر إن احتاجت فعليه أن يعولها و عليه نفقتها، و ليس علي المرأه أن تعول الرجل، و إن احتاج فلا تؤخذهي بنفقته، فلذلك وُفّر عليه» (2).

و في ديه المرأه، و هي العوض المالي عن قتلها خطأً ، انفرد بعض فقهاء القرن الأول و الثاني، و منهم ابو حنيفه، بالفتوي بتساويها مع الرجل، و استند الجصّاص الحنفي في ذلك إلي الحديث النبوي الشريف المتفق عليه في خطبه حجه الوداع قال: «المسلمون تتكافاً دماؤهم»، و زاد مساواه الأحرار وسائر العباد حتي من غير المسلمين، بتعميم المسلمين علي الناس، و هو سواء عند أبي حنيفه و الشافعي (3)، في حين حكم اكثر الفقهاء بأن ديتها نصف ديه الرجل، و الجاري علي ألسنه العامه من الناس هو أن الديه هي ثمن الدم، و عليه فتنصيفها يعني أن دم المرأه أرخص من دم الرجل بمقدار النصف منه (4)، و لنا أن نهمل ما يجري علي ألسنه العوام من الناس من أن الديه هي ثمن الدم، لجريانه علي ألسنه العامه دعوي بلا دليل، ولنا أن نسحب ما أجاب به اولياء الاسلام من ائمه اهل البيت «عليه السلام» علي السؤال عن مناصفه ارثها، إلي هذه المسأله عن مناصفه ديتها، فالسؤال عن المناصفه و هي جاريه في البابين، و لا فرق في البين.



قيد مفتعل

أما المنع من السفر و هو قيد آخر لحريه المرأه، فان اتفق بعض فقهاء العصر العباسي علي عدم جواز سفر المرأه ثلاثه ايام إلي خارج بلدها إلّا مع محرمها، و ارتاب آخرون ألّا يكون هذا الحكم من الاسلام بل من اضافات الفقهاء في العصر العباسي، فإن آخرين من فقهاء مذهب اهل البيت «عليه السلام» لم يرتابوا في ذلك، جازمين بأنه من اضافات الفقهاء في العصر العباسي، و أما حكم الاسلام في مذهب اهل البيت «عليه السلام» فإنما هو كراهيه ذلك و ليس حرمته، ثم الكراهيه إنما هو فيما لم تضطر إليه عرفاً أو شرعاً، كالحجّ الواجب إلي بيت الله الحرام حجه الاسلام، أما ذلك فحتّي لو نهادها زوجها فإنه كما جاء في الحديث النبوي الشريف: «لا طاعه لمخلوق في معصيه الخالق».





أهليّه المرأه للولايه:

روي البخاري و الترمذي و النسائي عن أبي بكره قال: «لما بلغ رسول الله «صلي الله عليه و اله» أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسري قال: لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأه»، و قال الترمذي: هذا حديث صحيح، و رواه أحمد في مسنده: «لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلي أمرأه» ، و رواه الحراني في تحف العقول بهذا اللفظ، و رواه الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف في الفقه مرسلاً: «لا يفلح قوم وليّتهم امرأه» (5). و قالوا: الولايه ثلاثه: الخلافه أو الرئاسه، و إمامه الصلاه، و القضاء. و جوّز ابو حنيفه ولايتها للقضاء فيما تصح فيه شهادتها، و جوّزها الطيري مطلقاً ، كما جوّز هو وصاحبه ابو ثور امامتها للصلاه كذلك، و جوّزها الشافعي للنساء، و يقف الوفاق الفقهي علي الخلافه، إذ يشترطون فيها الذكوره (6)، و في الاستدلال و الاتفاق مجال للنظر.





الحجاب:

المعروف في عرف الأديان أن الانسان الأول هو آدم ابو البشر و معه زوجه الأم حواه، و المعروف في عرف مذهب اهل البيت «عليه السلام» أن أولاد آدم تزاوجوا فيما بينهم إخوه و اخوات، و عليه فأولادهم محارمهم، جدّ و جدّه و إخوه و أخوات و أعمام و عمّات و أخوال و خالات، و لعل في هذا المقطع من التاريخ الديني ما يلتقي بالتاريخ المادي الزاعم أن الناس كانوا منكشفين للطبيعه بما فيهم المرأه في المعاشر البدائيه، أما ما عدا المعاشر البدائيه فالزيّ المشترك المعتاد لنساء الشرق القديم كان طويلاً فضفاضاً لا يتقسم علي الجسد، و إنما يظهر منهن بعض السواعد والأقدام، عاطله أو محلّاه بالحي من الذهب و الفضه و اللؤلؤ و العقيق و غيرها، علي النهج السائد في نساء الشرق من الاحتشام بغطاء الشعر التقليدي، كالرجال أيضاً، مع اختلاف أغطيه الرأس بين الشعوب نساءً و رجالاً، و لعلّه بدأ الحجاب مع وجود التناكر بين الأرحام المحارم مع تكاثر البشر من أبناء آدم «عليه السلام»، و تشترك فيه الأديان السماويه الثلاثه.

و العرب خاصه كانوا يتعمّمون، و «العمائم تيجان العرب»، فعلي رؤوس رجالهم العمائم، و علي رؤوس نسائهم الخُمرُ. و جاء في التاريخ أن من السنن الحنيفيه التي كانت لعبد المطلب في دار الندوه، أن البنت إذا بلغت مبلغ النساء أتوا بها إليه فيلبسها الخمار. و قالوا: و كان وجهها مكشوفاً، و أحياناً تُسدل خمارها علي كتفيها فيظهر بعض صدرها. و استمرت المرأه علي هذا الزيّ بعد الاسلام حتي منتصف ما بعد الهجره، ثم فرض الحجاب بغير زياده كثيره علي ما كان سوي ستر الصدر، و زياده الحشمه بعدم اظهار مفاتن الجسد.

و قد فُرض الحجاب بآيتين: الاولي: الآيه التاسعه و الخمسين من سوره الاحزاب الخامسه نزولاً في اواخر السنه الخامسه للهجره، و التسعون في النزول العمام (7) ، و نصّها: «يا أيها النبيّ قل لأزواجك و بناتك و نساء المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ ذلك أدني أن يُعرفن فلا يؤذَين)، و بناته و أزواجه و نساء المؤمنين بمعني أزواجهم حرائر، و الحرائر بفضل انتسابهن إلي العوائل كنّ بطبيعه الحال اكثر خفراً و صوناً و حصانه، أما الجواري فلعدم انتسابهن إلي العوائل كنّ اكثر انفلاتاً. و جاء في الروايات أن شباب المدينه كانوا يلاحقونهن. و تأكيداً لهذا التفريق كانت هناك أعراف و قوانين سابقه – كالقانون الأشوري مثلاً – تلزم الحرائر عند خروجهن من بيوتهن بحجاب لرؤسهن، بينما تمنع الجواري من ذلك. و إماء العرب في الجاهليه كن يكتفين بالخمار للرأس و الدراعه للصدر، ولكنهن – كما يفهم من الآيه – كن يتطوّعن أحياناً للتحجّب تشبّهاً بالحرائر، فعدم اختلافهن في الزيّ مع الحرائر عرّض الحرائر مع الجواري لتحرش الشباب، فاشتكت الحرائر كما في التفاسير – إلي أهليهن، فنزلت الآيه تأمرهن بحجاب إضافي يميّزهن عن إمائهن كما صرحت الآيه: (ذلك أدني أن يُعرفن فلا يؤذَين) ، و كانت وسيله القرآن إلي ذلك هي ادناء الجلابيب.

و لم يتفق اللغويون – و يتبعهم المفسرون – في معني الجلابيب، ففسروه بالقناع و الخمار و الملحفه، و كأنها الثوب أوسع من الخمار و دون الرداء، أو الثوب الذي تلبسه المرأه فوق ثيابها، أو الثوب الواسع الذي يستر جميع البدن من أعلاه إلي أسفله، و عليه شاهد من قول المتنبي، و اختاره القرطبي في تفسيره، و هو المعني المعروف حتي اليوم بصيغه الجلابيه، و هي ثوب فضفاض طويل تلبسه المرأه – بل الرجل – في شتي البلدان العربيه، فمع هذا ليس الجلباب عباره عائمه غائمه، بل هو شيء واضح محدّد كعلامه تميّز الحره عن الجاريه، و هو التعليل الذي ذكرته الآيه للأمر بالجلابيب، ليس في الآيه أمر بستر الوجه علامه تميّز الحره عن الجاريه، و إن أخذ به بعض الفقهاء و المفسرين، أو قل فقهاء المفسّرين ، مع بعض المفسرين الروائيين، إذ رووا أن نساء المدينه حجبن وجوههن بعد نزول هذه الآيه من سوره النساء، و عليه اعتمد من تشدد في حجاب الوجه فيما سوي الحج في حال الاحرام . و المتفق عليه هو أن الجواري غير مشمولات بهذا الحكم في هذه الآيه بالحجاب الاضافي للحرائر بالجابيب.

و يحتمل الاستنباط من حكم هذه الآيه من سوره للاحزاب، أن الحجاب الاضافي فرض علي الحرائر للتحرز من فتنتهن للرجال، إذ إنّ مصدر أذيتهن تحرش الشباب بهنّ ، و لا شك في أن منشأ ذلك التحرش هو فتنه النساء لهم ، فلولا الفتنه لم يكن الاثاره و التحرش، و لولاها لم يحصل الأذي منهم لهن كما في الآيه: (أن يُعرفن فلا يؤذَين) بتحرش الشباب بهنّ، فمصدر الفتنه هي الحرائر في المقام الأول؛ لأنهن في الغالب أجمل من الجواري، و أقدر منهن علي التلاعب بعقول الرجال، و ليس العكس، فليست الفتنه في الإماء اكثر – خلافاً للمفسر الاندلسي أبي حيان في البحر المحيط – اللهم إلّا لا نفلاتهن لعدم انتسابهن إلي عوائل، كما مرّ، لا لأنهن أجمل للبعول و أقدر علي اللعب بالعقول، كما قال، و لا نقول، و هو من نوع اجتهاد العقول في موضع النص المنقول، و الذي تضمنه التعليل الصريح للحكم بحصره في تمييز الحرائر عن الجواري، فالغرض هو درء الفتنه الاكثر بالحرائر، و لذلك تشدد هذا التشريع في حجب الحرائر و تساهل في الجواري، من دون أن يكون الحكم متوقفاً علي وجود الجواري، فالحكم في الآيه غير موقوت بوجود الجواري لتحجّب الحرائر، فالحكم صدر عن المشرع الاسلامي للتحرز من الإغراء غير مقيد بزمن خاص، بل بوضع خاص هو الاثاره و الإغراء للرجال بالنساء، فالحكم في الآيه لا يصطدم باعتبار ابديه الأحكام الشرعيه استناداً إلي الحديث القائل : «حلال محمد حلال إلي يوم القيامه، و حرامه حرام إلي يوم القيامه» (8) ، و الخطاب الالهي في الآيه لم ينطلق من قرار الهي بوجود الرق أبدياً، كما اوهمه الواهم (9) .

و الآيه الثانيه في الحجاب هي الآيه الحاديه و الثلاثون من سوره النور، الثالثه بعد المئه نزولاً، و السابعه عشر نزولاً بالمدينه بعد الهجره (10)، أي بعد اكثر من عشر سور بعد سوره الاحزاب، و النازله بعد سوره النصر النازله في فتح مكه في الثامنه للهجره، أي في أواخر عهد التشريع قبل وفاه المبلغ الأول عن المشرع الاعظم، رسول الله «صلي الله عليه و اله» بعامين تقريباً ، وهي قوله سبحانه: (و قل للمؤنات يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهنّ و لا يُبدين زينتهنّ إلّا ما ظهر منها وليضربن بخمُرهن علي جيوبهنّ)، فهذه الآيه أدت الأمر بستر الصدر بقولها: (و ليضربن بخُمرهن علي جيوبهنّ) الخُمر: جمع خمار، و الجيب – قديماً – هو الزيق الذي يلي الصدر، و المقصود اسدال الخمار الذي يغطي الشعر علي الصدر ليغطيه كذلك، فهذه الآيه هي الآيه الأصليه في الحجاب، ففيها تتعيّن حدوده غير المقيده بوضع أؤ زمن، فهي صدرت عن المشرع الاسلامي للتحرّز من الإغراء و خوف الفتنه، و هو الاعتبار الذي راعته الآيه في نهيها عن التبرج و إبداء الزينه، و أمرها بستر الشعر و الصدر، ولكنّها بدورها ايضاً لم تضف الكثير علي الزيّ الجاهلي سوي ستر الصدر، و زياده الحشمه بعدم اظهار مفاتن الأجساد المثيره و المغريه.

و من الآيه الستين في هذه السوره ايضاً يستفاد أن هذا الحكم بهذا الحجاب خاص بالشباب من النساء حتي سن معينه هي التي يكنّ فيها قابلات للعلاقه الجنسيه، و هذا نص الآيه: (و القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فلا جُناح عليهنّ أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينه و أن يستعففن خير لهن)، فالقواعد من النساء هن اللواتي بلغن سن اليأس و ما في حكمه مما يوقف حاجه المرأه إلي الرجل، و كذلك يجعلها من جهه اخري غير مثيره لشهوته إليها، و اتفق الفقهاء و المفسرون علي أ، الآيه تنصّ علي إعفاء هذه الفئه من النساء من القيون التي فُرضت عليهن في الآيه السابقه، فلا جناح، أي لا اثم و لا حرج، في أن تخرج المرأه التي تعدت هذا السن و قد وضعت ثيابها الواسعه الساتره، بشرط ألّا تكون متبرجه بزينه، فلو أسفرت عن وجهها و حسرت عن بعض شعرها فلا جناح عليها، و كذلك لا جناح علي الناظر إليها بغير ريبه شهوه و تلذذ، و قد فُرض انتفاؤه طبيعياً ايضاً.



حدود الاختلاط:

كانت خديجه بنت خويلد الأسديه القرشيه من وجوه مكه و تجارها و أبرز شخصيتها النسويه، و قد عاشت مع النبي «صلي الله عليه و اله» قبل نبوته و رسالته خمسه عشر عاماً أي منذ كان عمره خمسه و عشرين عاماً، و لم يكن يبدو يومئذٍِ منه أي مظهر من مظاهر النبوه و الرساله، مما يجعل اعتبار أن عرضها زواجها عليه كان لرغبتها في مشاركته في رسالته لا في تجارتها، مجرد افتراءات علي الحقيقه و الواقع التاريخي بل الديني و العقائدي (11)، و قد ظهرت بعد رسالته إلي جانبه أول مؤمنه به وبر سالته.

و انخرط في الدعوه منذ البدايات نساء غير خديجه أقل اهميه منها كنّ من الاماء و الجواري المستضعفات، و لكنهنّ سجّلن امثله صبر و مقاومه ناده في تاريخ النساء، منهن أم عما ر بن ياسر سميّه، التي قُتلت و هي صابره في التعذيب، فكان اُولي الشهيدات في الاسلام.

هذا في مكه، و بعد الطور المكي ظهرت في حياه السيره نساء من طراز خديجه و سميّه، و بالوصف المقبول للصحابه يناهز عدد الصحابيات أربعمئه من مجموع عشره آلاف صحابي، و هو عدد مرموق في قياس الدائره النسويه، و كان لهنّ حضور مشهود في المسجد النبوي الشريف. و القرآن الكريم لم يخصص الكلام بالرجال فقال: (إني لا أُضيح عمل عامل منكم من ذكر أو انثي) (12)، بل تعطف الآيات المؤمنات علي المؤمنين فيما يقتضي ذلك من المناسبات: (إن المسلمين و المسلمات و المؤمنين و المؤمنات و القانتين و القائنات و الصادقين و الصادقات و الصابرين و الصابرات و الخاشعين و الخاشعات و المتصدقين و المتصدقات و المصائمين و الصائمات و الحافظين فروجهم و الحافظات و الذاكرين الله كثيراً و الذاكرات أعدّ الله لهم مغفره و أجراً عظيماً) (13). و منهنّ من اصطحب رسول الله في حملاته الكبيره، كأم عماره و أم منيع و أم عامر الاشهليه و أم سليم الرُّميصاء و غيرهن.

و لم تُمنع المرأه في صدر الاسلام من حضور المسجد و المساهمه في انشطته، و لم يقيَّد حضورهن بوقت الصلاه، فقد كنّ يحضرن في أي وقت، و يشاركن في الكلام و المناقشات مع الرجال و مع المتصدرين في المسجد من النبي و من وليه من الخلفاء بعده، ولكن ليس من المألوف أن تصلي المرأه و الرجال يروحون و يجيئون من حولها، فوجدت أماكن مخصّصه لهن إذا أردن الصلاه.

و نقل الزركلي في الأعلام أن ليلي بنت عبد الله القرشيه العدويه من بني عدي قوم عمر بن الخطاب، كانت تكتب في الجاهليه، و أسلمت قبل الهجره فعلّمت الكتابه لحفصه بنت عمر، و أقطعها النبي داراً بالمدينه، فلما توفي «صلي الله عليه و اله» و استخلف عمر قرّبها إليه و جعلها من مستشاريه، و كلّفها الشراف علي بعض شؤون الأسواق بالمدينه (14) ، و لعلها كانت من أسواق النساء أو شؤون النساء فيها، و كذلك كانت الصحابيه الاخري سمراء بنت نهيك تتولي اُمور السوق، فكانت تتجول فيها و بيدها السوط لتأديب المخالفات. جاء ذلك فيما كتبه المؤرخ السوري عمر رضا كحاله في أعلام النساء، الذي ضمّنه ما أمكنه استقصاؤه من الشخصيات النسويه في العصر الاسلامي و ما بعده، و يقع في عده مجلدات تعرض صوره واضحه عن دور المرأه المسلمه في حياتها في صدر الاسلام و ما بعده.

و كتاب بلاغات النساء لأحمد بن طيفور الخراساني البغدادي المتوفي في (280 ه) ببغداد في عصر المعتصم العباسي، هو مصدر مهم لقدمه في نشاط النساء في صدر الاسلام، أورد فيه نصوص الخطب الناريه التي ألقتها اشهر الخطيبات المحرّضات لمعسكر الامام امير المؤمنين «عليه السلام» من النساء، و الامام علي «عليه السلام» هو الذي استخدمهن لتأجيج حميه مقاتليه في صفين، و كان فيهن من تتفوق علي رجاله «عليه السلام» في بلاغه الخطاب و شده الإلقاء و ابنته زينب بنت فاطمه عليهما السلام رسم لها أخوها الحسين «عليه السلام» في معمعه كربلاء الاباء و الشهداء المقدسه دوراً قامت به خير قيام و أفضله، و لم يبقي من ذيته «عليه السلام» سوي ابن وحيد قد تعرّض للقتل مرتين، مره علي يد عبيد الله بن زياد والي الكوفه ليزيد بن معاويه الخليفه الاموي في الشام، و أخري علي يد الخليفه نفسه، و زينب تمكّنت من انقاذه منهما، بل بتأثير من خطبها اللاذعه في الكوفه و الشام اضطر الخليفه إلي حسم القضيه و الاسراع باعاده الأسري إلي الحجاز. و بعد عودتها إلي المدينه تصدرت حمله التشهير به و بالأمويين، و لم يجرؤ الأمويون علي اعتقالها علناً، لكنهم أبعدوها و نفوها إلي الفسطاط القاهره القديمه، كما حكاه العبيدلي الأعرجي النسابه المتوفي في (333 ه) في رسالته الخاصه أخبار الزينبات، في المسميات بزينب من أل أبي طالب «عليه السلام» ، فمكثت هناك في دار العامل الوالي مريضه مده تسعه اشهر، و ماتت فدفنت هناك سنه (64 ه)، ثم شيد الفاطميون القاهره، فبنوا علي قبرها مشهداً عامراً لا يزال يزار حتي اليوم، و أقاموا إلي جانبه المسجد الكبير الذي هو الآن من معالم القاهره، فالضريح صحيح و ليس من مخترعات الفاطميين، كما أوهمه الواهم (15).

و كان لابد للمرأه من موقع مع اتساع وازدهار الحوار الثقافي الفكري العلمي الديني و المذهبي و الفقهي في الاسلام، و هنا نقف علي مساهمات مهمه لسيدات جليلات في علوم القرآ، و التفسير و الحديث و الفقه و التاريخ، فنقرأ عن ابن النجار المؤرّخ البغدادي في القرن السابع الهجري أنه تخرج علي ثلاثه آلاف شيخ أربعمئه منهم من المحدثات، و نقرأ أن بين شيوخ ابن عساكر الدمشقي ثمانين محدثه، و هو أحد كبار مؤرّخي الاسلام، و كتابه تاريخ دمشق من أمّهات المصادر الحديثيه و الرجاليه و التاريخيه.

و من هذه الامثله يتبيّن أن المرأه المسلمه قد أظهرت قدرتها علي مضاهاه الرجال، بل تقدمتهم حين فرضت عليهم التلمذه لها في مجالات جال بأفكار بعض الرجال الأغيار أنها محتكره لهم فحسب.
الخلاصه:

أخذت المرأه في الاسلام تسترجع الكثير من حقوقها أمام الرجل الذي بدأ الاسلام يحكم طوق الانقياد عليه. ولقيام الجاهليه علي الاعراف دون القانون كانت العلاقه بينها و بين الرجل عشوائيه، خاضعه لتقلبات المزاج و مقدره كل منهما في أي ظرف، لكن المرأه الجاهليه لم تكد تحافظ علي شخصيتها الانسانيه علي أي حال. أما في الثوره الاسلاميه الكبري الأم التي اقامت الدوله و أنشأت المجتمع الجديد و شرعت له قوانين يسير بمقتضاها فقد اخضعت المرأه لحكم رجلين اثنين فقط، هما الأب أو الجد و الزوج، دون سائر الرجال الأرحام من اخوه وأعمام، فلم يسمح الشرع الاسلامي بما أُخضعت له في الواقع الاجتماعي من ولايات عديده تمتد إلي أرقاب الكلاله احياناً، و لم يأمرها الشرع بملازمه المنازل، بل اعطاها الفقه الاسلامي حق التصرف في أموالها غير معلّق علي إذن الزوج في مذهب اهل البيت «عليه السلام»، و لم يرد عنهم «عليه السلام» نص قاطع فيما هو دون منصب الرئاسه العامه، و إن منع جمهور الفقهاء اشتغالها بالقضاء، فقد جوّزه بعضهم فيما تصح فيه شهادتها، و جوّزه الطبري مطلقاً، و جوّزه بعضهم امامتها للصلاه للنساء، و لم ترد تحريمات للوظائف الآخري، فللمرأه مكان معترف به في الجيش و الاداره و الحياه الاجتماعيه و الثقافيه و الفكريه و العلميه الدينيه و غيرها، و كان بمقدورها أن تختلط بالرجال بحدود، و تساهم في الحياه الاجتماعيه.

و (ضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأه فرعون إذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنه و نجّني من فرعون و عمله و نجّني من القوم الظالمين × و مريم ابنه عمران التي أحصنت فرجها فنفحنا فيه من روحنا و صدّقت بكلمات ربّها و كتبه و كانت من القانتين) (16) ، هذه في القرآن العظيم، و في قول الرسول الكريم زياده خديجه بنت خويلد، و فاطمه بنت محمد و هي سيده نساء العالمين من الأولين و الآخرين، فهؤلاء النسوه الطاهرات لسن أسمي مقاماً من الأنبياء، ولكنهن أعلي مقاماً من سائر الرجال، فلم يعتبر النساء مطلقاً أنقص عقلاً من الرجال مطلقاً، بل قال في الاستشهاد بهن: (فأن لم يكونا رجلين فرجل و امرأتان ممن ترضون من الشهداء)، و علّل ذلك فقال: (أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الاخري) ، فلم يجعل شهاده امرأتين شهاده رجل واحد لأنهن أنقص عقلاً من الرجال، بل قال: (أن تضل احداهما فتذكر احداهما الاخري) و الضلال هنا يقابل التذكر، فهو بمعني يخالفه، أي الضلال عن التذكر يعني النسيان، كما نصّ عليه الطوسي في التبيان و الطبرسي في مجمع البيان، و الفخر الرازي و القُرطبي و المراغي (18)، فلم يكن في تناقض كما أوهمه الواهم (19).

بل حصلت المرأه في الاسلام – بإقرار خصومه – علي حقوق لم تكن لها في الجاهليه، فهناك أوشكت المرأه أن تؤول إلي سلعه يكون الرابح الوحيد فيها هو الوليّ من أب أو جد أو أخ أو عم أو ابن عم، بينما هنا في الاسلام اوشكت علي ألّا يكون علي البنت ولايه لغير الأب أو الجد، و علي الزوجه لغير الزوج، ثم بيّن لها حقوقاً لم يجوّز للوليّ أن يتخطاها، و جعل مهرها ملكاً لها، و منع من الاستيلاء عليه من قبل الوالي كما كان الحال في الجاهليه، أما الحال في الأرياف و البوادي فقد استمرت علي العاده الجاهليه العربيه، إذ كان الجاهليون إن لم يكونوا من الوائدين إذا هنّأوا من وُلدت له أنثي قالو له: هنيئاً لك النافجه، أي إنك ستزوّجها و تأخذ مهرها فيفج مالك أي يكثر.

و حصلت الانثي علي نصيب في الميراث، فحصلت ام المتوفي مع أبيه علي السدس علي السواء، و حصلت ام الاولاد علي الثمن، و حصلت الزوجه بلا أولاد علي الرابع، و حصلت البنت مع الابن علي نصف حصته، و ورثت أباها إن لم يكن له وارث آخر، و كانت هذه خطوات متقدمه في زمانها، و بقيت متقدمه حتي القرن التاسع عشر حين بدأت الثوره البرجوازيه بتعديل قوانين الميراث في اوروبا، بل حتي اليوم.

و أعاد الاسلام – بإقرار خصومه – الاعتبار للانثي بتحريمه الوأد، و الحث علي استقبال ولادتهم بنفس استقبالهم الذكر، و دعا إلي معاملتها في المنزل معامله الذكر، بل تقديمها في الإهداء والاتحاف بالفواكه من السوق و المرأه في الاسلام مخلوق سوي لا تتلبس به الأشباح أو الشياطين، نعم قد يُري لديها كيد لتعويض ضعفها أمام الرجال، فوصفت بذلك في القرأن.

و اتفق الاسلام مع ما قبله في الزواج المرتب، أي الزوج المنفرد، لكن المرأه في الاسلام حصلت علي الحق في قبول أو رفض المتقدم للزواج منهما، بينما كانت في الجاهليه تقسر عليه من أي من ولاه أمرها المتعددين ثم تُقهر علي مهرها لهم. و الحق متفق عليه شرعياً فيما يخص الثيب بمجرد ارادتها، و مقيد فيما يخص البكر الصغيره بإذن وليّها الشرعي برعايه مصلحتها الشخصيه. والاسلام جعل الزواج سنه مؤكده، حتي رأي الظاهريه أنه فرض، و أن تاركه مع القدره عليه آثم، و السنه المؤكده أقل من الفرض و اكثر من الاختيار، و جعل الزواج سنه مؤكده علي هذا النحو يوفّر من فرص الزواج للنساء ما لا يتوفّر في حضاره اخري، فهو يخفض حالات العزوبه، و لذلك لم تكثر في العصر الاسلامي، و معها بالتبع قله حالات العنوس، و هذا من تكامل شريعه الاسلام أنها جارت الغريزه الجنسيه من دون أن تولها الأولويه، بل إنما اعتبرت الأولويه للوازع الديني و الاجتماعي، و اراده الانسان المتشرّع المتدين، خلافاً لما أوهمه الواهم (20) .

و امتلك الرجل حق الطلاق في الاسلام، و امتلكت المرأه معه مهرها، كما املكت حق الطلاق بخلع مهرها عليه، و لا يجوز بغير سبب، ولكن بأي سبب يجعل المرأه تطلب الانفصال منه، أما طموحها إلي غيره و تغيّر قلبها عليه فليس سبباً مجوّزاً، فهي الحاله الوحيده التي يُرفض طلبها بالمخالعه، بل تقسر فيها علي البقاء مع الزوج، و فيما عدا ذلك تقبل المخالعه. و لها كذلك اشتراط الوكاله بلا عزل، مع حق توكيل الغير عنه لطلاقها عنه لأسباب خاصه معيّنه، كما عليه الحال اليوم في دوله الاسلام.

و في الجاهليه لا حدّ لزواج الرجال، وحدّده الاسلام باربع مشروطاً بالعدل و إلّا فواحده، علي أن هذا لا يقع بالستغراق، وإنما يتحقق نموذجياً في اوساط الاغنياء و أهل الحكم، دون عامه الرجال الذين غالباً ما تضطرهم قله المال إلي الاكتفاء بواحده أو اثنتين علي الاكثر. و ليس هذا من توسيعه حق الجنس للرجال دون النساء ، ولا لأنه يري حاجه الرجل إلي الجنس اكثر من حاجه المرأه، بل تماشياً مع حكمته من النكاح، و هي التناسل و التكاثر لحاملي كلمه الحق. و لذلك منع الاسلام الاجهاض، و مع ذلك فجواز منع الحمل منصوص عليه في الحديث النبوي الشريف و مذهب اهل البيت «عليه السلام»، و يمكننا أن نعتبر هذا ايضاً من الحقوق المهمه التي شرعها الاسلام للنساء.

هذا بالقياس مع الجاهليه العربيه و غيرها، أما مع المسيحيه اليوم، بل منذ ما بعد المسيح بقليل، هي تكوين بولسي اكثر منه يسوعياً، فليس في الأناجيل الأربعه و أعمال الرسل حديث خاص عن المرأه يعيّن لها موقعها في المجتمع اليسوعي، و إنما كان ذلك في رسائل بولس و أسفاره، فالمسيح لم يترك لنا نصاً حول المرأه يبيّن موقعها و علاقتها بالرجل، و ليس لاقوال بولس سند في الأناجيل، إلّا أنها صارت جزءاً من الايمان المسيحي. لأن بولس هو المؤسس الفعلي للمسيحيه، و المكسب الكبر للمرأه في تعاليمه – و ليس تعاليم المسيح الأصليه – هو وحدانيه الزواج و منع الضرائريه، و هذا خاضع علي الاكثر للرهبانيه المبتدعه في المسيحيه البولسيه، أما الميراث فهو – كسائر الاحكام التشريعيه – محوّل علي الشريعه السابقه في كتابها التوراه.



عـ القناص ـزوز غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس