عرض مشاركة واحدة
قديم 06-05-2009, 10:49 PM   #3
حسن بن صموت
 
الصورة الرمزية حسن بن صموت
افتراضي رد الأستاذ عبدالله الرزقي على ابراهيم نصر الله

وهذا رد الأستاذ عبدالله الرزقي على الرواية

مقدمة:

هذا رد موجز على رواية براري الحمى للروائي إبراهيم نصر الله التي كتبت منذ ربع قرن ولما لم يتيسر العثور عليها طيلة هذه المدة ولما تمّ عرضها في المعرض الدولي للكتاب بجدة عام 1425هـ ولما لم تتم قراءة


ردود أو تعليقات أو نقد على تجاوزات حوتها هذه الرواية رأينا أن يكون ردنا موجزاً على النحو التالي (علماً بأنّ منطقة الرواية هي محافظة القنفذة ومراكزها )

إيضاح : وتقديم

قد يقول قائل أو يتساءل من يتساءل إن مجرد الرد أو التعليق على رواية ( براري الحمى / لراويها – إبراهيم نصر الله ) جاء متأخراً جداً . ولكن قد يغيب على السائل إن طوال الفترة التي صدرت خلالها تلك الرواية والفترة التي تلتها حتى ما قبل عصر ( النت ) بقليل لم يكن من المتيسر العثور على هذه الرواية لقراءتها ، ونحن من ضمن من لم يعثر عليها و قد تكون وصلت هذه الرواية إلى أيادي عدد من مثقفي ونقاد وشعراء – أو أدباء ، ولكن قلّ كثيراً أن يكونوا من أبناء محافظة القنفذة / عامة ومن ( العرضية ) بوجه خاص ، إلا أن هناك من أولاء من ردّ أو علّق أو نقد أو نحو ذلك بصورة أو بأخرى ومن أولئك من صرف نظرهم وهم أعلم منا وأقدر منا وأجل ، ولو أن ما ورد في ثنايا هذه الرواية من مغالطات وأوهام وهلوسات مما يكظم الغيظ معه ويعفى عنه لكان ترك الرد أحسن والصمت أبلغ ولكن .. ولأن التاريخ لن يسمح بصمتٍ رهيب من جهابذة النقد العربي المنصف حينما غابوا أو تواطؤوا وتساهلوا في مرور هذه الرواية بعدم إخضاعها لميزان الإنصاف والنقد ولأن التاريخ سيلوم مستقبلاً من صفق وطأطأ رأسه لهذه الرواية وهو يدرك ما حملت في ثناياها من التجاوزات ، ولأن الأجيال القادمة من أبناء القنفذة / والعرضية لن تعذر من بارك لهذه الرواية بعد أن يكتشفوا أن في طواياها إساءات وتحقير لمسقط الرأس ولشبرٍ أو ذراع أو ميل عزيز من هذا الوطن المعطاء الغالي ، ولأن هذه الرواية بما حملته من التجاوزات عرضت بالمعرض الدولي للكتاب بجدة في 13/12/2004م دونما تأمل فيما حوت ، ولأنه يُخشى أن يمتد الأمر إلى أبعد من ذلك فقد رأينا أن يكون هذا رد موجز لبعض ما حوته ، هذه الرواية.

وعندما يأتي هذا الرد فإنه لا يأتي من منزعٍ ( حقدي ) أوللتقليل من شأن هذه الرواية أو الحط من قدرها فتقييمها الفني ذاك ليس شأناً رئيساً في هذا الرد بقدر ما يأتي لتصحيح وتصويب وردّ بعض مخالفات ( سردية حملتها بين طياتها تلك الرواية / وإن اختلف الكثير معي من خارج محافظة القنفبذة / والعرضية / أو من خارج الوطن العربي ، فإن جهلهم بالمنطقة في الفترة التي كُتبت فيها الرواية ، وعدم معرفتهم بالمنطقة ، قد يسوغ لهم أن يكونوا ( ضد اً) وليس ( مع ) وليس مبرراً للرواية بما حملته من مغالطات وتجاوزات – ليس مبرراً ولا مسوغاً لها وليس مؤشر على نجاحها ( وعالميتها) أن تترجم إلى اللغة الإنجليزية وتذهب للعالمية ، وليس من الضروري أو من مؤشرات النجاح لها تزكية الشاعر الإنجليزي / جيرمي ولا تعليق بعض جهابذة الفكر والأدب الرواة والنقاد – ليس بالضرورة أن يكون ذلك مؤشراً قوياً على مكانة الرواية عند الآخرين ، والموقعين على عالمية هذه الرواية والمطبلين لها ، إنما فعلوا ذلك لأنها اتفقت مع نوايا وفكر وتوجهات الروائي فكان الروائي مرآة لأولئك إذ اتفق معهم ( مكنوناً ) ، فانبروا يمدحونها بما ليس فيها وخلعوا عليها حلة ( العالمية والرقي الروائي النادر ) ولنا على تعليقاتهم فيما سيأتي تعقيبٌ وتحليل وملاحظ سنذكرها في مكانها .

الجدير ذكراً هنا أن ردنا هذا يأتي على الرواية في طبعتها الثانية 1992م / نشر دار الشروق للنشر والتوزيع .



تعليق وتحليل على تقديم

د . سلمى الجيوسي للرواية.....

قارئ ذلك التقديم الذي ورد في أول صفحة من الرواية ، يلمس صوراً متعددة للحقد والحسد الدفين ، وأدع الصفحة بما حوته تتكلم بنفسها عن ذلك ، ويكفي ذلك دليلاً . لكن سأقف على متناقضات حواه ذلك التقديم / أوردت ما نصه بقولها ( الشخصية الرئيسية فيها – تقصد الرواية – معلمٌ شاب ذهب ليُدَرِّس في منطقة نائية منعزلة ... الخ ) وهنا نتساءل :

هل جاء إبراهيم ليُدرس كيف نحب الوطن ولو كان جلمود صخر ِ ، ثم كيف صبر أربع سنوات في تلك العزلة ، والذي يأتي ليُدرس في منطقة من مناطق العالم مهما كانت درجة حرارتها ومهما كانت وعورة تضاريسها ومهما كان الأمر ، لا يمكن بأي حال أن يتعالى ولا يمكن أن يزدري الآخرين ويوصفهم بما لا ينبغي ، هذه ليست رسالة التربية والتعليم ، وليست من شمائل العلماء والباحثين .

أين إبراهيم من ( ابن بطوطة )؟ الذي طاف وجاس خلال العالم في رحلاته ، فكم ركب الأهوال الجسام ، وكم مرة وصل فيها وأشرف على عتبة الموت ، لم يصم أحدا ولم يصف الناس بأوصاف مقذعة ، بل حاول في حلي من القنفذة / ( حلى أحد جوامع حلي ) أن ينتظم مع أهله ويكون واحداً منهم ، وخالق الناس بخلقٍ حسن في كل زمان ومكان جمعه بهم في كل قطرٍ من الأقطار ، وما عاب على الناس في كتابه الذي دوّن رحلته به ، ما عاب على الناس : خلقتهم ولا قساوة أرضهم وشدة حرارتها مع أن ابن بطوطة ركّاب أهوال .

ركب أهوال البر والبحر وشعر بالحر والقر في أقطارٍ من العالم تفوق درجة حرارتها حرارة تهامة – القنفذة – والعرضية التي تهيأ لإبراهيم فيها ( دراجة نارية ) لم يمتطيها ابن بطوطة وتيسر لإبراهيم في القنفذة والعرضية ما لم يكن للأوائل ممن ضربوا أكباد الإبل ليُدرسوا ويدْرّسوا .

فما مقدار درجة حرارة العرضية والصحراء التي لم تصهر إبراهيم ، وأوردت في تقديمها كذلك ما نصه : فهو يستعيد تجربة بالغة الإيلام من الاغتراب والوحدة . (( انتهى )) .

إن جُل المعلمين الذين عملوا ودرّسوا وقضوا ردحاً من الزمن ثم سافروا – أقول إن جلهم يؤكدون بعدم شعورهم بالغربة وكان المعلم في فترة الثمانينات والتسعينات الهجرية بالذات مهاباً وله نصيب الأسد من اهتمام المجتمع وتقديمه على أبناء القرية . ولن أتحدث عن كرم الناس له حينئذٍ واحترامه وتقديره حتى أن الطالب كان يفر ويغيّر اتجاهه وطريقه إلى طريق آخر مهابةً وإجلالاً لمعلمه.

وكما أسلفنا فإن الهدف من هذا الرد ليس الإقلال من شأنها أو الحط من قدرها .وليس من شأن هذا الرد نقد الرواية من الجانب الفني – وإنما الغاية هي الرد على تجاوزات وسرديات وردت بالرواية أحببنا تصويبها للقارئ بصرف النظر عن أن الرواية حازت على تزكيات وأنها تُرجمت إلى اللغة الإنجليزية وأنها قدمت وأنها .... أنها .... .

فإلى الدخول في الرواية لنقف وقفات عاجلة على البعض مما ورد بها ، فالرواية سردية في غالبها ومن عيوبها أنها لم تلتزم بأركان وأدبيات الرواية فتارة تجدها قصة وتارة نلقاها تقريراً وتارة نلقاها نص جغرافي وتأريخي ومجموعة أسماء وتارة أوهام وهلاوس ونوم ويقظة وأخلاط .

أورد في صفحة ( 6 ) ما يوحي أن أشخاصاً طلبوا منه أن يدفع مئة ريال مساهمة منه في دفع نفقات دفنه ! أقول لنصر الله من هم أولئك ؟ أليسوا من أبناء جلدته ؟ ! وهنا وقفة .. إذا لم يستطع نصر الله من شدة الظلمة أن يعرفهم فهم على أي حال ليسوا من أبناء منطقة تدريسه بل هم من زملائه ! ولو عرفهم فلن يصرح بأسمائهم مع أنه ( صرّح بأسماء ) آخرين من أبناء المنطقة .

ورد في هامش صحيفة رقم ( 11 ) ما نصه :

القنفذة مدينة سعودية على شاطئ البحر الأحمر جنوب جدة وتبعد عنها 600 كلم ، والصواب أن المسافة نحوٌ من 350 كم فقط .

الروحاء

في الصفحات رقم :

17 / 18 / 19 / وردت في الرواية

في معمعة اختفاء زميله محمد – ( سبت شمران ) أكثر من مرة ..... ..... ......

ومن ذلك نصه ( عندما تدخلها يفاجئك القسم الشرقي منها رابضاً في أعالي قمة مدججة بالقلاع القديمة إلى آخر وصفه وقوله تخترق قرص الشمس .. انتهى نصه ) ولعله يشير إلى الروحاء أو رامكو ... والواقع أن قرية الروحاء هي المقصودة في قوله ( في أعلى قمة ) دونما يشير إلى الاسم صراحة .....

فعن الروحاء نقول :

الروحاء – قرية قديمة آثارية تقبع فوق تل جبلي متوسط الارتفاع تطل على ما تحتها من جميع الجهات وهي قرية وقلعة حصينة تشرف على وادي جفن شرقاً الممتد من بلاد آل كثير عليان من تهامة خثعم ليلتقي بوادي النظر قبالة الخط العام أمام قرية مخشوشة وتطل غربا على حرمان وادي وقرية وجنوباً على طول امتداد الطريق الدولي( رامكو) ويقع في حضنها الشمالي مما يشرف على آل مطاع وجزء من امتداد وادي جفن / سوق سبت شمران سابقاً ( وخصائص موقع قرية الروحاء – نقصد خصائصها الطبيعية – وما في مستواها من القرى المرتفعة تقضي بالحصول على قدرٍ من النسيم والرياح والهبوب /

التي لا يستقيم في الغالب الأعم إقامة جيوش البعوض بها من جهة وجود الأرياح بها من جهةٍ أخرى ، الأمر الذي معه أطلق عليها مسمى الروحاء . لهذا فقد بالغ صاحب الرواية بقوله في وصفها بشدة الحرارة وغير ذلك .

وفي صحيفة رقم ( 21 ) في السطر الأول ما لا يستقيم مع المثل والمبادئ وأخلاق المهنة . ( وأدعه ( ..... ) .

وفي صحيفة رقم ( 25 ) قطع الراوي على القارئ حبل يوصل بين طرفي مكان إقامته والمكان الذي يريد الوصول إليه بالهجوم على الإنسان والثقافة الذي يمثل واجهةً شعبية لمحافظة القنفذة – وهو الهود – فيتهجم الراوي على القحم الإنسان فيقول بنصه في الصفحة المشار إليها ( لا تحتاج أن تسأل من أين أتى فهو من نسل الحجارة والغربان والصقور والذئاب ) إلى آخر قوله .

فأما الهود فهو موّال يؤدَّى بلا أية آلة موسيقية في عددٍ من أصقاع محافظة القنفذة الجنوبية والشرقية من القوز – وحلي – وربيعة وأطراف بارق ومحايل ، ويبدو أنه يعود إلى كنانة القبيلة المعروفة ، وهو أصيل يمتد إلى عهودٍ موغلة في القِدم .

قصة البئر....

في صحيفة رقم ( 30 ) كان على الروائي أن يطمس تلك الصفحة لأنها تمثل ( عاراً عليه فعله ) فبدلاً من نظرات ازدراء الناس وحتى الفجيعة لم تحرك فيه ساكناً بل وقف متفرجاً ومنتقداً للهجة ابن المنطقة ليودعها روايته على مركب الازدراء والاستهزاء بدلاً من أن يشمر أخينا عن ساعديه ويشارك ولو برأي فيما حلّ على الناس – نجد في المقابل أنه وجد للفضول مساحة في زحمة الطراد ولم يجد للنخوة والتفاعل مع الآخر مساحة قيد أنملة ونعبر على كثير من الإرهاصات والهلوسات والخيالات الفنتازية والتفاصيل التي ضمنها الرواية بما لا يستحق الوقوف عندها .... لنقف على تجاوزات آخرى .

وفي صفحة ( 38 ) يصور لك أن الزواحف والأفاعي هي قصر على البيئة التي درّس فيها وكأنما لا يوجد شبر من الأرض إلا به أفاعي تزحف ، فكيف سلِم من هجمتها طوال أربع سنوات .

ومما يضحك ويبكي في آن أن الروائي أوجد له ولغيره من اللاواقع ومن مخيلته بيئة مخلوقة اختفت فيها الأنوثة والرجولة .

وفي صفحة ( 40 ) تارة يكون في مملكة اللاوجود وأخرى يكون موجود وعندما يكون موجودا وفق رؤاه يرى ما حوله وفق نصه : أموات ينخرهم السّل ويواصلون حياتهم فيها قتله وفيها ثريبان ولكن لا يهم أريد أن أرى الأرض فهي جميلة .

ولو كُتب هذا النص بتجريد المكان والزمان لمن في جزيرة واق واق فإن إنسياً مهما بلغ من الفطنة لن يفك شفرة ذلك النص ليس لأن الغموض فيه ميزة ولكن لأنه خلطٌ وأوهامٌ وهلاوس غير مفهومة .

ولم يصبّ الروائي جم امتعاضه وغضبه وعدم رضاه على منطقة تدريسه بل امتد إلى منطقة ( عسير ) ففي صفحة ( 51 ) ورد ما نصه بقوله ( جبال عسير / لا بحر فيها ولكن يُقال بأنها تملك القليل من المياه والقليل من الرطوبة والقليل من الطيبة والقليل من الأرض ) . وهذا ما لا يتوافق جملةً وتفصيلاً مع الواقع وحقيقة الأرض والعباد هناك ، وهكذا هي مخالفات الرواية من أول صفحة بها حتى الجلدة .

وهناك إسفافٌ وجور بائن حملته الرواية في ثناياها ... ولكن رأينا صرف النظر عنها لنصل إلى صفحة رقم ( 110 ) و ( 111 ) ، وكأن الروائي ناقم على الجميع وعلى الجهات الأربع للمكان واستهجن فرحة الناس بقدوم طريق نقل الناس والمكان إلى مصاف التقدم والازدهار فإلى نصه وذلك بقوله :

( عندما لاحت الآلية الأولى للشركة الإيطالية التي تعمل على شق الطريق من جدة حتى محايل جنوب القنفذة / انطلق أهالي سبت شمران وثريبان / ونقمة والسواد / راكضين كلٌّ يمسك طرف ثوبه بأسنانه التي لا يبارحها المسواك ، نساءً وأطفالاً / شيوخاً بخصور ضامرة وينخرهم السل ، وهذا لا يتفق ولم يتفق مع واقع الحال جملة وتفصيلا ، صحيح أن الناس فرحوا بمقدم هذه الطريق ولكن ليس على طريقة النص الذي أورده الروائي مع كل أسف .

والراوي يوهم الناس بالفقر ، ولم يسلم حتى خرطوم السودان : حيث أورد في صفحة ( 111 ) قوله ( أما أحمد عثمان المدرس السوداني القادم من فقر الخرطوم فقد قال : لن أنتظر الشارع .

********

ويخرج الروائي وفق حمياته وهلاوسه عن الواقع فيما وصف به مجاعة مختلقة ومزعومة في صفحة ( 117 ) وأن الناس بالقنفذة يطبخون العظام آلاف المرات لآلاف السنوات ، وهكذا يستمر ازدراء وتحقير الناس في منطقة تدريس الروائي .

والروائي قد كتب الرواية في أربع سنوات ، وحملت في ثناياها الكثير الكثير مما راينا تركه وعدم التعليق عليه ولقد نُصح الروائي بحرق هذه الرواية ، وهو معترف بذلك ، ولكنه عدل عن ذلك ، وهذا من الأدلة الدامغة على أن بالرواية ما لا يتوافق مع الذوق والأدب العام . لم نسهب في الرد على كل واردة وشاردة ، وما نحبّذ أن نوصي به في هذه العجالة :

إن على صاحب الرواية إعادة النظر وإمعانه في عدد من القضايا والأمور التي لا علاقة لها بالصحة وجانبها الصواب ، والرواية وإن أجيزت من أكبر مؤسسة ثقافية في العالم ، ولو تُرجمت بالسبع لغات إلا أنها تحتوي على لفيفٍ مما يشو بها .

وأما الأرض والبلاد والعباد فإنه لا يعوّل على أوضاعها في بداية التنمية ومن الطبيعي أن أي منطقة مزدهرة في العالم من أقصاه إلى أقصاه إنما كان لها بداية لا تعيبها مهما كانت متواضعة وشيئاً فشيئاً تنمو وتزدهر . والمناطق التي وردت في الرواية كانت في وضع ووقت الرواية في بداية التنمية ولا يعيبها أنها مرت بتلك الفترة مثلها مثل أي منطقة كان لها بداياتها المتواضعة . واليوم وقد لبست البلاد حُلّة من الازدهار والتطور والتقدم ، فإنه – ولله الحمد – ترفل المنطقة في ثوبٍ من التنمية المزدهرة والطريق الذي استهجن الروائي فرحة الأهالي به أود أن أقول للروائي أن ذلك الطريق كان وراء النقلة الجذرية بالمنطقة إلى الأمام .

وعموماً فإننا لم نعمد إلى الرد على كل ما ورد من تجاوزات ، وحسبنا أننا رددنا على جُلّها ، وأبناء المنطقة فيهم من لو انتقد أو علّق أو ردّ فإن رده أو تعليقه سيكون أبلغ مما أنا صغته ، لغةً وإبانةً وإيضاحاً .

ولكنهم آثروا الصمت الذي لم يجب أن يكون ، وأنا لست إلا خادماً لهم وما قدّمته هو قليل وقليل جداً من العلم الجم لديهم ، ولقد تمكن أحد مثقفيهم من العثور على مصوّرة من الرواية كتب عليها عبارة تنم عن عدم الرضا والسخط ، فعلى غلافها سجّل :

[ هذه الرواية مكتوبة بمداد الحقد ]

تكفي هذه العبارة لوحدها للتعبير عن امتعاض أبناء منطقة القنفذة والعرضية وعدم رضاهم لما سطّره يراع إبراهيم في تلك الرواية مما لا يُرضي .

والرواية في واقع الأمر استحقت حكم الحرق الذي أُوْصِي به للروائي من قِبل أحد النقاد .

وإن أصر الروائي على إبقائها وطبّل لها من طبل فإنها محروقة معنوياً من اهتمام وفكر القارئ بلا شك .

والآن إلى معارضة لما ورد في الصفحة الأولى من الرواية :

جنوبا جنوبا حيث البحر الأحمر حيث جزائر القماري وجبل الصبا يا جنوبا حيث جزيرة القنفذة التي ذكرها صاحب سمط النجوم العوا لي في أنباء الأوائل والتوالي جنوبا جنوبا حيث سوق حباشه الذي تشرف بإطلالة محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة في اتجاره مع خديجة بنت خويلد جنوبا جنوبا حيث طريق تجارة قريش – وهذيل – عبر رحلة الشتاء إلى اليمن جنوبا – جنوبا حيث ثميدة بيت الجمبخان – مخزن الرصاص

والكحل الاثمدي جنوبا جنوبا حيث جبال الجلب وخزنة العير حيث هناك بيت الأسمنت ليشهد أكبر مصنع في الشرق الأوسط الآن

جنوباً – جنوباً حيث وادي يبه بيت الفضة وحديقة النخل والتمر وجداول الغيول تنساب ممزوجة بالتبر واللجين

جنوباً – جنوباً حيث وادي قنونا هناك حط آخر ملوك بني جرهم مضاض الجرهمي آخر والي على مكة من جرهم حط في قنونا بإبله ذاك ما ساقه الأزرقي في أخبار مكة وفي قنونا دوى فيها بهمسات النخيل شعر كثير في رثاء صديقه خندق الأزدي ذاك ما ساقه الجغرافي الحموي في معجم البلدان

جنوباً – جنوباً بين قنونا ويبه وأقصى جنوب الأحسبة هناك وصل وفد سليمان بن داوود يبحث عن أجود أنواع الذهب وهناك وهناك جنوباً مالا تتسع المساحة لاستيعابه أرث كبير مر عليه بعض ( مدرسي الضرورة ) من خارج البراري مرور الكرام لم يكونوا قرأ تاريخ أم أنهم كانوا كذلك وتغافلوا عمداً فجاؤا ليقرأوا فقط مالا يتعدى عصرهم ومكانهم وما يتفق مع حاجاتهم ويحقق مآرابهم وغاياتهم فما استنطقوا نقشا على الحجارة أو رسوماً تعود لعصور العرب البائدة لم يقفوا عليها ولو وقوف عابر وتركوا كل ذلك وانشغلوا حتى عن رسالتهم التربوية التي من أجلها جاءوا للبراري انشغلوا بوصم البشر والمدر والشجر والكدر والمناخ والتضاريس

إذا كان الصيف في برارينا قاسيا لفترة من الفترات فإن شتاءنا دافئاً حانياً يلف تحت جناحيه من هبط إلى البراري من السراة فينتزعه من فكي البرد الصقيع فيبدوا في براري تهامة فصيحاً منطلق اللسان مستقر الجنان لا تصطك في فكيه الأسنان

جنوبا – جنوباً حيث عسل السدر النادر القليل في الشمال الكثير في الجنوب ، أما الربيع فهو كالحلم الوديع الهادئ في برارينا وقد أغمضت العيون عن جماله في الجداول وخضرة الأشجار وهطول الأمطار وتفتح الأزهار .. أما الخريف في البراري فهو سيمفونية ناطقة في تساقط أوراق السدور وذهبية شمس الأصيل عن الغروب .

إن الوطن مسقط الرأس عزيز وحبيب على أهله من أي قطر من أقطار العالم حتى ون كان كجلمود صخر حطه السيل من عل ، لقد قدم قادم وهو عن الواقع والوجه المشرق للبراري نائم وذهب يزدري البشر والحجر أن رأت عينه حسناً أغمضها وأن رأت هفوت ، إلى أين ذهب أبناء البراري ؟ ذهبوا إلى جميع أقطار العالم وما الذي تركوه من أثر ؟ تركوا في تلك الأقطار ذكراً طيباً وأثراً أطيب يفوح برائحة أغصان البرك والكادي والفل والورد الطائفي لم يتعرضوا للبشر ولا للحجر ولا للمدر وهم أدباء فضلاء وهم على علم في أدب وصحبة ماجد وهم مجيدون لصناعة الأدب بجميع ألوانه وأطيافه شعراً ونثراً وقصة وخطابة ورواية وهم في مقدورهم أن يملأ الكون الفسيح بملايين الروايات ولكن روايات لا تعيب على الناس معاشهم ولا تنتقص من بيئاتهم ولا من تضاريسهم .



عبد الله بن حسن الرزقي


القنفذة - العرضية الجنوبية ص ب 42

المملكة العربية السعودية



حسن بن صموت غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس