رنَّ المنبه .. سورة الفاتحة بصوت القارئ مشاري العفاسي ..
هبت من نومها فأسرعت لتطفئه حتى لا يستيقظ من في البيت .. ثم بقيت واقفة في منتصف الغرفة .. وفي ظلمة الليل ..
شعرت بعينيها متورمتين .. حاولت أن تتذكر السبب فعادت إلى ذهنها ذكريات صباح البارحة .. وكيف نامت غارقة بدموعها ..
تألم قلبها واستوحشت روحها .. وشعرت برغبة بالبكاء .. فلم يخطر على بالها إلا المكان الذي ستبكي فيه وتخرج ما بقلبها من ثقل ..
توضأت وارتدت ملابس الصلاة .. ثم فرشت سجادتها .. كبرت بنية صلاة ركعتين ..
وفي السجود .. كأنما انفتحت أبواب السماء بماء غزير .. انفتحت عينيها ببكاء منهمر على صحراء وجنتها القاحلة ..
بدأ القلب ينزف آلامه .. والروح تشكي بصمت اللسان .. بدأ موضع السجود يتبلل بالدموع ..
بكت وبكت .. وكل ذكرى تخطر على بالها كسكين يطعن في الفؤاد فيتدفق الدم .. وتتدفق الدموع
لم تكن تريد الكلام .. وعرفت أنها إن تكلمت شاكية لربها فلن تجد الحروف ..
وكان عزاؤها أن الله يعلم ما بقلبها .. وإن صمتت ولم تقل شيئاً .. وإن لم يكن في سجودها سوى غرق المآقي
رفعت من السجود الثاني ووقفت للركعة الثانية .. فقرأت الآيات التي تحب أن تقرأها كلما تقرح قلبها بالجراح
قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّـهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿83﴾
وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴿84﴾
قَالُوا تَاللَّـهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﴿85﴾
قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّـهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿86﴾
يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴿87﴾
[يوسف: 83ـ87]
وهنا بكت .. بكت إطمئنانا وراحة .. ( إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) ..
نعم لن تيأس من روح الله .. ولن تقنط من رحمته ..
ستظل ترفع يديها إليه .. ستظل تبكي بين يديه .. راجية العفو والرحمة .. راجية الهداية ..
إنه بصيص نور يلمع في حنايا الغرفة المظلمة .. إنه الثقة بالله .. إنه الثقة بالله
فيا كل قلب حزين .. يقول رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم :
يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا ، حين يبقى ثلث الليل الآخر ، فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له ( صحيح البخاري )
فهلمَّ .. هلمَّ لترفع يديك إلى مولاك الرحيم .. بسهام الليل التي لا ترد بإذنِ الله
بقلم : ياسمين
