طرح العلاّمة ابن القيم تساؤلا:
أيهما أفضل؟ الترتيل والتدبر مع قلة القراءة أم سرعة القراءة مع كثرتها،
وذلك في كتابه 'زاد المعاد في هدي خير العباد'
ثمّ سرد أقوال السلف في هذه المسألة ثمّ قال:
"والصواب في المسألة أن يُقال:
إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجلُّ وأرفعُ قدراً،
وثوابَ كثرة القراءة أكثرُ عدداً، فالأول: كمن تصدَّق بجوهرة عظيمة،
أو أعتق عبداً قيمتُه نفيسة جداً، والثاني: كمن تصدَّق بعدد كثير من الدراهم،
أو أعتق عدداً من العبيد قيمتُهم رخيصة، وفي (صحيح البخاري)
عن قتادة قال: سألت أنساً عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال: (كان يمدُّ مدًّا).
وقال شعبة: حدثنا أبو جمرة، قال: قلت لابن عباس
: إني رجل سريعُ القِراءة، وربما قرأتُ القرآن في ليلة مرة أو مرتين،
فقال ابنُ عباس: لأن أقرأ سورةَ واحدة أعجبُ إِلَيَّ من أن أفعل ذَلِكَ الذي تفعل،
فإن كنت فاعلاً ولا بد، فاقرأ قِراءَةً تُسْمعُ أُذُنَيْك، وَيعيها قلبُك.
وقال إبراهيم: قرأ علقمةُ على ابن مسعود، وكان حسنَ الصوت، فقال:
رتِّل فِداك أبي وأمي، فإنه زينُ القرآن.
وقال ابن مسعود: لاَ تَهُذُّوا القُرْآنَ هَذَّ الشِّعْرِ، وَلاَ تَنْثُرُوه نَثْرَ الدَّقَل،
وَقِفُوا عِنْدَ عَجَائبِهِ، وَحَرِّكُوا بِهِ القُلُوبَ، وَلاَ يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ.
وقال عبد اللّه أيضاً: إذا سمعتَ اللّه يقول: {يا أيّها الذين آمنوا}
فأصغِ لها سمعك، فإنه خيرٌ تُؤمر به،
أو شرٌّ تُصرف عنه. وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى:
دخلت عليَّ امرأة وأنا أقرأُ (سورةَ هُود) فقالت:
يا عبد الرحمن: هكذا تقرأ سورة هود؟!
واللّه إني فيها منذ ستةِ أشهر وما فرغتُ مِن قراءتها."
كتاب 'زاد المعاد في هدي خير العباد' صفحة 327 طبعة مؤسسة الرسالة