ولو كانت نظرتنا بهذا الشكل لكان الخوارج الضُّلاَّل أولى الناس بأن يكونوا من أهل التقى والزهد والصلاح ؛
فقد قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ عنهم :"تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وقراءتكم إلى قراءتهم ) رواه البخاري (6532-6534).
والأمر هنا واضح ؛ بأنَّ النظرة السطحيَّة لا ينبغي أن يؤخذ بها مباشرة وعلى الإطلاق ؛
فقد تستهوينا عبادة رجل، بيد أنَّه في مجال المعاملة مع إخوانه المسلمين قد يظلم ، وقد يكذب ويغش ، ويحلف اليمين الغموس !
لقد اشتُهِرَ عن العبقري الصحابي الجليل عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه
ـ أنَّه حين جاء شاهد يشهد عنده
فقال له عمر : ائتِ بمن يعرِّفك ؛
فجاء برجل ، فقال له : هل تزكِّيه ؟ هل عرفته ؟
قال : نعم ،
فقال عمر : وكيف عرفته ؟ هل جاورته المجاورة التي تعرف بها مدخله ومخرجه ؟
قال : لا ؛
قال عمر : هل عاملته بالدينار والدرهم اللذين تعرف بهما أمانة الرجال؟
قال : لا ؛
فقال : هل سافرت معه السفر الذي يكشف عن أخلاق الرجال ؟
قال : لا ،
فقال عمر بن الخطَّاب : فعلَّك رأيته في المسجد راكعاً ساجداً، فجئت تزكِّيه ؟!
قال : نعم يا أمير المؤمنين ؛
فقال له عمر بن الخطاب : اذهب فأنت لا تعرفه ، ويا رجل ائتني برجل يعرفك فهذا لا يعرفك ![1]
ومن هنا نعلم علم اليقين خطورة الحذر من التزكية الظاهرة والنظرة السطحيَّة العابرة، التي نزكِّي بها فلان وعلاَّن ، من خلال نظرات عامَّة .
وما الأخبار التي تأتينا أو نسمع بها من حالات الخصام الزوجي أو الطلاق من أناس
كانت المرأة أو الرجل يحسب كلُّ أحد منهم الآخر أنَّه أو أنَّها من أهل الخير والبر والصلاح لمظهرهم الحسن ؛
بيد أنَّها حين تعاملت معه ، أو حين تعامل الرجل معها ، انكشفت حقائق ما كان مستوراً ،
وبدت مكنونات قلبيهما تظهر وتبدو إلى أن حصل الشقاق والخلاف.