الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ليكون للعالمين نذيرا .. والصلاة والسلام على خير البرية وهادي البشرية .. رسولنا محمد عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..
وبعد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حديثي لكم اليوم أيها الأعزاء حديث ذو شجون .. وقضيتي التي أريد أن أبحث فيها هي قضية الجميع لأنها تهم بالدرجة الأولى شريحة كبيرة من قبيلتنا .
ألا وهي شريحة الشباب ، عماد الأمة وترسانتها .. وعندما نقول الشباب ، نوجه الحديث لكل من كان عمره تحت الأربعين .. مع أن ما فوق الأربعين يدخلون في الحديث بالضرورة ، ولكن على عادة العرب إذ تخاطب العام ولا تخرج الخاص ..
ولعل العنوان واضح وصريح .. فهو يوحي لكم أن حديثي سيدور حول الاستراحات بين الإيجاب والسلب والوسطية والإفراط .. فلا نستطيع أن نرفض الذهاب لتلك الاستراحات ، خاصة النزيهة منها وليس بإمكاننا أن نترك الحبل على الغارب ، دون ذكر الضوابط والآداب لمثل هذه القضية
أنواع الاستراحات
الاستراحات نوعان : استراحات عامة وهي تتفرع كذلك إلى فرعين .. فرع ليس فيه إلا الشيشة والقنوات السيئة وأحياناً من يروج للمخدرات أو يتعاطاها وهذا النوع لن أتحدث عنه .. لأنه كتاب مقروء من عنوانه .
وقد أفتى علماؤنا الأفاضل بحرمة الجلوس فيها وقضاء الأوقات الغالية من أعمارنا تحت مظلة رذيلتها ..
وأما الفرع الثاني من الاستراحات العامة فهو مقاهي وجلسات عامة تخلو من الشيش والقنوات السيئة وأهل الفساد والانحلال الأخلاقي
والنوع الثاني من أنواع الاستراحات هي تلك الاستراحات الخاصة التي اتخذها أشخاص معينون يجلسون فيها مع أصحابهم وأقاربهم من الرجال .. بشكل دائم ومستمر ..
وسوف أركز حديثي على الاستراحات العامة النزيهةوالاستراحات الخاصة النزيهة
لا نرفض ولكننا نطالب بالاعتدال
عندما حدثتني نفسي أن أخوض عباب هذا البحر .. حاولت أن التمس العذر لمن جعل للاستراحات ( النزيهة طبعاً ) نزراً يسيراً من وقته .. لا إفراط فيه ولا تفريط ، فهم يعلمون متى يذهبون ومتى يعودون ويدركون المسؤوليات الملقاة على عواتقهم تجاه الأهل والأبناء والآباء والأمهات ..
فمن كانت له عادة الذهاب إلى استراحة معينة مرة أو مرتين في الأسبوع .. ولمدة يسيرة لا تؤثر على بقية المسؤوليات ، فلا شك أن هذا من باب الترويح عن النفس وكلنا يعلم أن النفس كلالة ملالة . تحتاج إلى التغير والتنويع .. ولا غرو أن ذلك لا بأس به بل أن الإنسان اجتماعي بطبعه يرفض العزلة والانطوائية ..
أسباب الذهاب للاستراحات :
ما أدري حقيقة ماذا أكتب في هذه الفقرة .. أكثر من أن الكثير يذهب للاستراحات ترويحاً عن نفسه والبحث عن منفسٍ يذهب عنها كدر التعب والعناء . بوجود الأصحاب والأخلاء طبعاً .. وإن كانت هناك فرقة تهوى الركون في تلك الاستراحات هروباً من المشاكل الأسرية التي تغص بها بعض الأسر .. ولعلها قليلة .. وهناك فئة أخرى لا تستريح لصخب الأطفال ومشاكلهم وكثرة طلباتهم . فيذهب لتلك الاستراحات " هروباًَ " كصاحبة الذي هرب من المشاكل الأسرية .
والبعض الآخر " ولا يزعل مني المتزوجون " قد ابتلي بزوجة سارحة مارحة .. زيارة في الصباح وأخرى في المساء .. ولا مانع لديها من زيارة " خطافية " بعد العشاء .. فما يجد الزوج المسكين إلا أن يذهب يقضي وقته بتلك الاستراحات .. ولكم أن تتخيلوا المصائب التي في تلك المنازل نتيجة ترك تربية الأطفال . لحنشل الخدم والشغالات اللاتي نسمع عن مصائبهن ليل نهار ..
وآخر تلك الأسباب تخص فئة لا كثرها الله أغواها الشيطان فهي تبحث عن ما يشبع رغبتها وشهوتها ولا يخفى عليكم ما أقصد .. ولا أريد أن أفصل أكثر في هذا الجانب .. لأن التوسع في وصف المنكر دعاية له ...
كم تمكث في الاستراحة؟
هذا السؤال مهم جداً لكل من يرتاد الاستراحات .. فإذا كنت تصلي المغرب ثم تتجه للاستراحة .. ولا تعود إلا على الثانية عشر مساءاً .. وكان هذا ديدنك .. فأقول أنت مخطئ .. لأنك بهذا تهمش جانب كبير من المسؤولية الملقاة على عاتقك .. وهل يعقل أن غالب أيامك تتعشى خارج البيت .. لا لا أيها الحبيب .. أعد العملية الحسابية مرة أخرى وحاول أن تقنن ساعات ذهابك .. فتختصرها إلى أدنى حد . هذا هو الذي يبرئ ذمتك أمام الله تعالى يوم تسأل عن أهلك وأولادك .. ولا تنسى أيها الحبيب أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال " خيركم ، خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي "
إني لأظن أن كثيراً من الأسر .. تزداد مشاكلها بسبب هذا الخروج المستمر للزوج وقد تكون العاقبة .. تفكك الأسرة ، والضحية في هذا الحالة بلا شك هم الأولاد .
دراسات
قبل سنوات .. طرحت جريدة الجزيرة استبانة وزع منها 500 نسخة على رجال ونساء .. فتبين أن أكثر النساء يشكين هروب الأزواج إلى الاستراحات . وأن الفتيات يرفضن الزواج من شباب الاستراحات المدمنين على الذهاب إليها .
الحـلول لمن يرغب الحلول
الحلول كثيرة ، ولا أظن أن هذه الظاهرة تمثل مشكلة كبيرة لا يمكن حلها .. متى ما استشعر الرجل عظم المسؤولية الملقاة على عاتقة تجاه الزوجة والأبناء ..
فنقول وبالله التوفيق .. وكما ذكرنا في بداية المقال .. أن التقنين مطلوب .. لا ضرر ولا ضرار .. حدد لك يومين أو ثلاثة على الأكثر للاستراحات ( النزيهة طبعاً ) على أن لا يتجاوز جلوسك فيها أكثر من ساعتين ونصف أو ثلاث ساعات على الأكثر
ثم حاول أن تجد البدائل المناسبة في المنزل .. كأن يكون هناك لقاء عام مع الأسرة والأولاد تناقشون فيه قضايا المنزل .. وتخططون فيه للمستقبل .
وجميل جداً لو كان هناك درس دوري للأسرة .. في كتاب مفيد .. كرياض الصالحين أو تفسير القرآن الكريم .. أو السيرة النبوية .. وهذا الأخير أجمل ما يمكن أن يبحث ويناقش مع الأسرة والأولاد .. خاصة إذا كان أحد الأولاد يقرأ والأب يعلق ويتابع .. والمكتبات مليئة بكتب السيرة النبوية المعروضة بأسلوب شيق يناسب الأطفال الصغار
ومن الحلول المناسبة أن يكون هناك جدول زيارات للأهل والأقارب برفقة العائلة الكريمة .. أو تكون هناك طلعات أسبوعية للعائلة .. لكسر رتابة البيت وروتين المنزل .. وللأسف أن بعض الآباء خاصة في الديرة .. يتحرج كثيراً من الذهاب بعائلته في نزهة برية أو بحرية .. ولو ذهب مرة ، فلن يعيدها .. ظناً منه أن هذا ضعف منه .فهو يتأثر بنقد المجتمع من حوله ..
وقد وجدت هذا جلياً واضحاً عند بعض الآباء عند مناقشتهم في مثل هذا .. ويحتج البعض . بجزعه وتسخطه من إزعاج الأطفال وكثرة مطالبهم .. فيا أخي العزيز إذا كنت لن تصبر على ذريتك .. فمن يصبر عليهم .. وما ذنب الأم المسكينة التي تكابد أذى أولادك كل ليلة وأنت قابع في الاستراحة . لا تلقي لها بالاً
نسأل الله تعالى أن يهدينا إلى الرشد وأن يردنا للحق رداً جميلاً
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .