الموضوع
:
اللغة العربية وألغاز نحوية
عرض مشاركة واحدة
10-04-2009, 11:32 PM
#
1
ابورزان
مستشار موقع بني بحير بلقرن
اللغة العربية وألغاز نحوية
إن أبيات الألغاز النحوية ابتدعت في عصر من العصور ، وأصبحت فنا ، وتجد كثيرا منها يعاجز به العلماء بعضهم بعضا ويتلقفها عنهم المتعلمون ، وكانت مطارحة هذه الأبيات في المجالس ظاهرة أدبية شاعت في المائة الثانية واستمرت إلى المائة الخامسة ، وتدل الظاهرة على توسع العلوم العربية وشواهدها والولوع بتنمية الملكات وشحذ المرانة فيها حتى كان من آثارها أن ذاعت هذه الرياضة
.
ومن أشهر الذين ألفوا في الألغاز النحوية : الحريري إذ ألف كتابا أسماه ألغاز الحريري ، والفارقي في كتابه الإفصاح في شرح أبيات مشكلة الإعراب ، والزمخشري الذي ألف كتابا سماه الأحاجي النحوية ، وابن هشام في كتابه الألغاز النحوية
.
ونعرض فيما يأتي نماذجا من الألغاز النحوية كي يقف القارئ الكريم على سعة لغتنا العربية وعظم ثرائها
.
ومهما يكن من شيء فإن هذه الألغاز تؤكد القواعد النحوية في ذهن المتلقي ، وتجعله يسترجعها من جديد ؛ لأنه يحاول استجلاء الموقعية الإعرابية للكلمة رابطا إياها بالسياق ، وما يشتمل عليه من قرائن حالية ومعنوية ولفظية
.
*
كساني أبي عثمان ثوبانُ للوغى ... وهل ينفع الثوب الرقيق لذي الحربِ
فأنت عندما تتلقى هذا البيت تندهش وتتساءل لمَ قال : " أبي عثمان " وهو فاعل كسا ؟ ، ولماذا رفع " ثوبان " ؟
.
وسرعان ما تزول الدهشة عندما تعرف أن ( الكاف ) للتشبيه ، و(ساني ) اسم فاعل وهو المستقي للماء ، و( ثوبان ) اسم رجل وهو مبتدأ والخبر( للوغى
)
والتقدير ثوبان ُ كساني أبي عثمان في الضعف وقلة الغنى
.
*
قال الوشاةُ أبى وصالَكَ من به ... كنتَ الضنينَ وخانَكَ البرحاء
فعند تلقيك لهذا البيت يتبادر إلى ذهنك سؤال مهم وهو لماذا جرت " البرحاء " بالكسرة وهي تستحق الرفع كونها فاعلا للفعل " خان "؟
.
توجيهه أنه أراد خان كالبرحاء ، فالكاف للتشبيه ، والوجه أن تتصل بالبرحاء ، وإنما جاز وصلها بالفعل ( خان ) لأنه في موضع اللغز
.
*
إن أبي جعفـــرٌَُُ على فرســاً ... لو أنّ عبــدُ الإلــهِ ما ركبـــــا
فأنت حين سماعك لهذا البيت تتعجب من جر كلمة " أبي " إذ الأصل إن أبا ، وتتعجب من رفع كلمة " جعفر" مع أنها مجرورة بالإضافة ، ونصب كلمة " فرسا
"
مع أنه مجرورة بـ "على " ، ورفع كلمة " عبد " مع أنها اسم " أن " ولكن سرعان ما يزول العجب حين تعرف التوجيه الإعرابي وهو أنه يريد ( أبي ) في معنى والدي ، و( جعفرٌُ ) خبر إن و(على فرسا ) خبر ثان ، و(على ) هو الفعل علا وكتب بالألف المقصورة بغرض اللغز و ( فرسا مفعول به ) ، و ( أنَّ
)
فعل ماض من الأنين ، و( عبد ) فاعل مرفوع أي لو اشتكى عبد الإله ما ركبا
.
*
أكلـــت دجاجتـــانِ وبطتـــانِ ... كما ركـــب المهلـــبُ بغلتـــــانِ
فأنت حين سماعك لهذا البيت يستوقفك رفع " دجاجتان وبطتان وبغلتان
" .
وجوابه أن الكلمات ليست مثناه ، بل مؤلفة من
:
(
دجاج تان ، وبط تان ، وبغل تان ) ، والتان أي التاجر
.
*
لقد قال عبدُ اللهِ قولا ً عرفتُه ... أتانا أبي داودَ في مرتعٍ خِصْبِ
.
فأنت حين قراءتك لهذا البيت يستشكل عليك قوله " عبد الله " بالفتح ، وظاهره يقتضي الرفع فاعلا لـ ( قال
) .
وقوله " أتانا أبي داود " بالجر ، وظاهره يقتضي الرفع فاعــــلا لـ " أتانا
".
أما قوله ( عبدَ ) أراد تثنيــة عبدان ، ثم حذف النـــون للإضلفة ، والألف منعا للالتقاء الساكنين ، فهو مرفوع في التقدير ، منصوب في اللفظ ، وقوله
(
أتانا ) مثنى أتان وليس فعلا ، فعلى هذا يكون أبي داود مخفوض بإضافته إليه
.
أق
و
ل: لِِ خالداً يا عمر
و
، لّما**عَلَتْ نابي السي
و
فُ المرهفاتُ
و
اللام المكس
و
رة (لِ) ليست حرف جر، بل هي فعل أمر من الفعل
(
و
َلِي – يلي) مبني علي حذف حرف العلة، مثله مثل كل أفعال الأمر التي تجئ على حرف
و
احد مثل “قِ” من ال
و
قاية،
و
مثل “فِ” من ال
و
فاء،
و
ما شابههما
.
و
“
خالداً” مفع
و
ل به أي: الحق يا عمر
و
خالداً
.
و
الملغز
و
ن القدامى يعتمد
و
ن على المغالطة الص
و
تية فينطق
و
ن البيت نطقا سليماً،
و
لكنهم من باب الإلغاز
و
التعمية يكتب
و
نه كما ينطق
و
نه فتظهر كتابته هكذا
:
أق
و
ل لخالداً ياعمر
و
، لما**علتنا بالسي
و
فُ المرهفاتُ
و
الباء المسك
و
رة الملحقة بكلمة “السي
و
ف” ليست حرف جر، بل هي جزء من كلمة “نابي” [أي: مفرد أنيابي
]
و
معنى البيت “لما اشتدت الحرب حتى علت سي
و
ف الأعداء
و
جهي
و
كادت تبلغ نابي قلت لعمر
و
:
ت
و
لّ خالدا
و
الحق به
”
و
قد ظهرت الغرابة في
و
ج
و
د كلمتين إحداهما منص
و
بة بعد حرف الجر،
و
الأخرى مرف
و
عة بعد حرف الجر
لقد طاف عبدَ الله بالبيتَ سبعةً
**و
حج من الناسُ الكرامُ الأفاضلُ
فالمفارقة هنا تظهر من مجئ كلمة (عبد الله) منص
و
بة بالفتحة مع أنها فاعل حكمه الرفع بالضمة ،
و
من مجئ كلمة (البيت) منص
و
بة بالفتحة مع
و
ق
و
عها بعد حرف الجر (الباء
)
،
و
كذلك مجئ كلمة (الناس) مرف
و
عة مع
و
ق
و
عها بعد حرف الجر (من
)
،
و
حل هذا اللغز أن في الم
و
اطن الثلاثة مداً ص
و
تياً قصيراً
و
أصل البيت ه
و
:
لقد طاف عبدا الله بي البيتَ سبعةً
**و
حجَّ منى الناسُ الكرامُ الأفضلُ
أي أن للشاعر صديقين من عباد الله طافا به البيت سبعة أش
و
اط
و
قت أن كان الناس الكرام الأفاضل يحج
و
ن إلى “منى
”.
فكلمة (عبدا) مثنى أضيف إلى لفظ الجلالة فالتقي ساكنان فصار المدّ قصيراً فراراً من التقاء الساكنين ل
و
امتد الص
و
ت بالمد الناشئ عن ألف الاثنين
.
و
كذلك كلمة (بي) التقى المد الناشئ عن ياء المتكلم [المبنية في محل جر بالباء] بألف ال
و
صل أ
و
ل كلمة (البيت) فامتنع المد الط
و
يل،
و
ه
و
الحال أيضا في الألف المقص
و
رة التي تنتهي بها كلمة (منى) حين التقت بألف ال
و
صل في أ
و
ل كلمة (الناس) فصار المد قصيراً
.
و
هذا البيت في حال إلقائه يثير انتباه من يستمع إليه
و
قد يستغرق
و
قتا ط
و
يلا في تفسير ما يسمع
.
مم يتكون اللغز؟ :
يتكون اللغز عادة من عدد من العناصر تتآلف فيما بينها بهدف تحقيق المفارقة التي تحير فهم السامع أو القارئ، وتستثير اهتمامه، ومن خلال استعراض الكتب القديمة التي جمعت ألواناً من الألغاز، وحلولها، يمكن استنباط المكونات الأساسية للغز وهي:
اولا- المكوَّن البلاغي:
وذلك حين يعتمد اللغز على فن من فنون البلاغة مثل الكناية أو الاستعارة أو الاشتراك اللفظي، أو الجناس، أو التورية، ومن هذا اللون ما رواه العسكري من أن الرشيد سأل أهل مجلسه عن قول الشاعر:
قتلوا ابن عفان الخليفة مُحْرِمَاً
ودعا فلم أر مثله مخذولاً فقال: أي إحرام هذا؟ فقال الكسائي: أحرم بالحج، فقال الأصمعي: والله ما أحرم ولا قصد الشاعر هذا، ولو قلت أحرم: أي دخل في الشهر الحرام كما يقال أشهر:
أي دخل في الشهر لكان أشبه [أي أقرب إلى الصواب]. فقال الكسائي: فما أراد الشاعر بالإحرام؟ قال الأصمعي: كل من لم يفعل شيئاً يستحق به العقوبة فهو مُحرم. كما قال عدي بن زيد:
قتلوا كسرى بليلٍ محرماً
فتولى لم يمتَّع بكَفَنْ
فهذا اللغز إذاً يعتمد على مكون بلاغي أساسه الاشتراك اللفظي لأن لفظ (محرم) له ثلاث معانٍ كما رأينا: من لم يذنب ذنباً يعاقب عليه، ومن دخل في أحد الأشهر الحرم، ومن أحرم بالحج.
ثانيا- المكوَّن اللغوي:
وإذا كان المكون البلاغي يعتمد على فنون البلاغة، وهي متعددة، من جناس وتورية واستعارة، ولها جمالها الأخاذ، وبريقها الساحر، وبناؤها المستفز للعقول، فإن هناك لوناً آخر من الألغاز يعتمد على مكون لغوي قوامه ما في اللغة ذاتها من ثراء يتمثل في ظواهر متعددة كالاستقاق والنحت والإضمار والحذف وغير ذلك . فمن ذلك ما رواه الحريري في مقاماته ونص اللغز:
- أين تدخل السين فتعزل العامل من غير أن تجامل؟ وجوابه أنها السين التي تدخل على الفعل المضارع المسبوق بأن الناصبة فتعزل (أن) عن عملها لا تنصب الفعل بل تتحول إلى (أنّ) مخففة كما في قوله تعالى: { علم أن سيكون منكم مرضى } [المزمل: 20] أي أنه علم أنه سيكون منكم مرضى، فصارت (أن) هناك مخففة من الثقيلة وعزلتها السين عن عملها الأصلي وهو النصب.
ثالثا- المكوَّن الكتابي:
وهذا المكوِّن يعتمد على ما يسمى (التصحيف) أي تغيير شكل الكلمة كتابياً، بطرق مختلفة كوصل مالا يوصل، أو فصل ما لا يفصل، أو إهمال وضع النقاط في موضعها، أو وضعها في غير مواضعها. وقد سبق أن مثلنا لهذا اللون من الألغاز بقول الشاعر:
أقول لخالداً يا عمرو لما
علتنا بالسيوف المرهفات
ومن هذا اللون الذي يعتمد على الخداع الكتابي أو التصحيف قول الشاعر:
وغلام رأيته صار كلباً
ثم بعد ذاك صار غزالا
وجوابه أن المقصود هنا (صاد) من الصيد، وليس (صار) بمعنى تحول.
ومنه لغز في (الفيل) وكلمة (فيل) تتكون من ثلاثة أحرف وإن كان للفيل أربعة أرجل. هذه الكلمة (فيل) إذا صحفت
– بضم الصاد وتشديد الحاء المكسورة أي تغير نقطها ونطقها- صارت فاؤها قافا فتصبح (قيل = من الفعل قال) فتكون من ثلاثة أحرف ، وثلثاها كلمة (لي) وقد صاغ الشاعر هذا اللغز فقال:
ما اسم شئ تركيبه من ثلاثٍ
وهو في أربع تعالى الإله
“قبل” تصحيفه ، ولكن إذا ما
عكسوه يصير “لي” ثلثاه
رابعا- المكوَّن الصوتي:
وعلى العكس من المكوِّن الكتابي، فهناك المكوِّن الصوتي الذي يعتمد الإلغاز فيه على الخداع الصوتي عن طريق استخدام المد الطويل والقصير والإخفاء والإدغام، والتنوين وغير ذلك من مظاهر الأداء الصوتي.. وقد مثلنا له في البداية بقول الشاعر الذي يعتمد على الخداع الصوتي عن طريق المد القصير:
لقد طاف عبدَالله بالبيتَ سبعةً
وحج من الناسُ الكرام الأفاضل
ومن هذا اللون الصوتي الذي يعتمد على الإدغام مثل قول الشاعر:
عافت الماء في الشتاء فقلنا
برِّديه تصادفيه سخيناً !!
فكيف تعاف الماء في الشتاء لبرودته ثم يطلب منها أن تبرده لكي تجد ساخناً؟.. والخداع الصوتي هنا جاء من إدغام كلمتين هما (بل) و(رديه) – بكسر الراء والدال –: أي (اشربي منه) فصارتا: بل رديه، وعند النطق بهما مدغمتين تصبحان كالكلمة الواحدة: برِّديه. والمعني: لا تخافي الماء ولا تعافيه. بل اقتربي واشربي فستجدينه ساخناً.
لكم التحية
التوقيع
ابورزان
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى ابورزان
البحث عن كل مشاركات ابورزان