استدعتني ذاكرتي إلى موقف سابق قبل ما يقرب من سنة وشهرين حيث كنت امشي الهوينى على اطراف قريتي الصغيرة واتطلع لعملية غروب الشمس واحمرارها شيئاً فشيئاً وكنت وقتذاك متسمر أمام هذا الدنو الخلاق بعد يوم شاق من التفسح الطويل عبر وادي قنونا. وبينما أنا على هذا الحال، إذا بي استفيق على صيحات اطفال يلهون ويلعبون وقد تحزموا بسيوف مصطنعة وتراشقوا برصاص بنادق مزيفة، فركضوا امامي وهناك من ينادي قتلتك قتلتك؟ لابد أن تموت الآن؟ فكان يأمره "فلتمت الآن..طاخ طاخ" فأستجاب المقتول المزعوم لاوامر قاتله فاستلقى على الارض في تصوير مؤسف لضياع الدور الاجتماعي والتوعوي في مجتمعنا. تذكرت حينها قول الرسول صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده؛ لا يذهب الزمان حتى لا يدري القاتل فيما قتل ولا المقتول فيما قتل" فنظرت إليهم فثارت تساؤلات كثيرة: هل يا ترى نعد هذين الطفلين لذلك الزمان يوم لايدري القاتل فيما قتل ولا المقتول فيما قتل؟ وهل يا ترى نسير على الطريق القويم وعلى الصراط التربوي السوي بتغذية اولادنا وحقنهم العداوة والشراسة في فترة مبكرة؟ لماذا لا نساهم بالقليل بغرس مباديء المعاونة والمساعدة والسلام والمسالمة تجاه الناس بدلاً من تعزيز جانب القتل والتشريد. هل بمقدرو هذه الواقعة أن تحيل هذه الضحكات الصبيانية التي تقطر صفاءً وبراءةً إلى ضحكات شريرة تفتك بكل من يعترض طريقها؟؟؟
انطلقت ومضيت زاهداً في التفكير في اجابات لهذه التساؤلات، وبينما انا كذلك اذا بي امام قصة سالفة حدثت لي وقت الطفولة. فحينما كنت صغيراً لا ادري ما لي ولا علي، كنت اتجول بسوق الربوع ببلدة الفائجة راصداً كل لعبة جديدة يجلبها التاجر حسن، فكان اقصى اهتمامي لعبة مؤذية تجعل مني مقاتلاً بارعاً في المستقبل؟ فوقعت عيناي على مسدس مائي صغير كان أسمى اهدافي واهداف رفاقي، اشتريته واشتراه الاصدقاء وانطلقنا كالعادة نجسد الشخصيات الشريرة والحسنة، فكنت أنذاك املأه بماء من برادة بجوار قهوة حميد حتى ازيد لذعة القتال بماء بارد. وبينما نحن نلهو في فرح وسرور وبينما أنا منهمك في تعبئة المسدس من البرادة لأرشق بقطراته صاحبي الساخر امامي، لم اشعر بنفسي إلا وقد دفعت على الارض بشدة وإذا بي ملقى على الحجارة واذا بالمسدس مرمي بعيداً عن يدي، فإذا بها صفعة مدوية من مالك القهوة جاءت على حين غرة، فانفجر الجميع ضاحكين على هذا الموقف وهرب رفاقي شريرهم وحسنهم فنهضت بسرعة لاحقاً بهم فحملت ذلك المسدس عديم الجدوى ونفضت طاقيتي المعفرة على عجل واتجهت إلى رفاقي الهاربين وكم كنت اتألم وسط ضحكاتهم المتعالية حزيناً لا أستطيع الكلام حنقاً من تصرف ذلك الرجل. ولقد تغيرت قناعاتي اليوم حيال هذا التصرف، فرغم ما تحفه من سليبيات ومواقف سيئة، فلا زلت احمد له ذلك الموقف وابرره فهذا ما ينبغي فعله مع كل طفل نهج ما نهجت على غير بينة.
ذكرت هاتين القصتين لأرهص لموضوعي الذي اود من خلاله تقديم النصح لشريحة المسؤولين على الاطفال سواء الاباء او الامهات او الاخوان او الأخوات. فلقد بلغ من السيل أن بالغ البعض في شراء هذه الهدايا (القاتلة بزعمهم) ومنحها طفل صغير لا يعي جسامة عواقبها. فالتساؤل الأول: لماذا نمضي في شراء ادوات تحيي روح الصراع والتنافس على الدنيا إما بقتل أو تعذيب. كم أنا اخجل وانا ارى اطفال بني جلدتي وهداياهم لا تميل عن كونها مسدس مائي ورشاش ذو طلقات صغيرة حمراء أو سيف حاد أو جنبية حقيقية صغيرة. نعم، كانت تباع ولربما لا تزال تباع جنابى صغيرة للأطفال واسلحة بصنوف مختلفة، بل رأيت شاب بأم عيني لا يتجاوز عمره الاربعة عشر عام يتأبط مسدس حقيقي في عرضة الاستاذ حجر بن جحدلية في الريان، سألته ما إذا كان مشحون بالرصاص وما السبب وراء هذا العطاء، فقال بأنه غاص بالرصاص وما ذلك إلا لعظم ثقة والديه بشخصه الكريم؟. التساؤل الثاني: هل يا ترى ضمن ذلك الاب المسكين أن يتماسك ذلك السفيه نفسه فور خروجه عن طوره وأن لا يطلق رصاصاته على احد مخالفيه؟ أم ظن أنها من التدريب على عادات القوم واعرافهم؟ قد يكون التوقع الثاني اكثر صحة من سابقه، فالمضحك المبكي أن بعضنا يظن أن هذا النوع من الهدايا يزيد من اهتمام الطفل بما يسمى "بعلوم الرجال والقبايل" ويزيد فيه تمسكه بالقوانين التي سنتها القبيلة، وأرى أن هذا عين الخطأ ونبع المصيبة، فليس لنا أن نفرض على الاطفال الالتزام بما نحن عليه من عادات كما ليس لهم أن يمارسوا ما يمارسه الكبار وقت الصغر، "قل كلٌ يعمل على شاكلته" الكبير بعقليته والصغير ببراءته، فلماذا يقدم الناس أهمية عاداتهم على اهمية اطفالهم؟ الاسلام وهو الاسلام لم يهتم بصغير السن بقدر ما نهتم نحن بعاداتنا، فلم يلزم الصغير بأي عبادة رغم ما لها من حسنات قياساً بالعادات، فلم يأمره بالامتثال للأمر إلا بعد السابعة ما فوق، ويا ليتنا نلقنهم ما هو نافع، كل ما هنالك ادوات ذات طابع عدائي. التساؤل الثالث: هل يا ترى يهتم الغرب بأبنائهم بقدر ما نهتم بابنائنا؟
في البلاد الغربية وبالتحديد في الولايات المتحدة، يقف الناس يداً بيد ضد كل هذه الهدايا الشرقية المصدرة من الصين وغيرها ويحاربوها لعلمهم بمدى دورها في تصعيد همم الاطفال الدنيئة، بل لا يراهنون اطلاقاً على عرض مقاطع الدماء والصور المفزعة المرعبة أمام الطفل حتى لا يتعود عليها وتأنس لها نفسه الامارة بالسوء، فلا يمكن للطفل ان يرى الدم إلا بطريقة فجائية وإن حدث غطوا بأيديهم على عينيه ليبقى سليم النظرة والفطرة. بينما نحن جميعاً تربينا على هذه المشاهد دون وعي تربوي يراقب تحركاتنا ونظراتنا، ولعل ابسط الأمثلة الضحايا التي تهرق دمائها بعيد الاضحى المبارك، هل هناك من أب وقف وابعد ابنه عن هذا المشهد لدى تقربه إلى الله، بصراحة حينما كنا صغاراً كنا نقف امام الضحية نبارك الدماء فرحين مستبشرين بهذه المشاهد ولم نعهد من يقف امامنا ويردعنا عما نحن عليه كما هو حاصل لدى الغرب، فلقد حضرت شخصياً لاحدى البرفسورات قدمت لها طالبة صينية قصة قصيرة كاقتراح لطلبة الاول ابتدائي وكان في ثنايا القصة دماء بنسبة قليلة جداً جداً، فشجبت المعلمة القصة كاملة ورفضتها وقالت بعدم مناسبتها لحال الأطفال. واوصت الطالبة ما إذا ارادت درجات عالية أن تقتطع هذا التصوير حتى لا يؤثر على شخصيات الاطفال النفسية، هذا وهي كتابة لا يشاهدها الطفل ولكن يقرأها فكيف موقفهم من المعاينة، بينما استمع لكلامها تبدى لي حالنا وقت الصغر حينما كنا نسعد حتى الثمالة سنوياً امام الضحية أو شهرياً مع قفزات الديك مبتور الرأس، نتابعه وننظر إليه والدماء تتقاطر في كل مكان.
وبما انني ذكرت حالهم وقارنته بحالنا بدا من اللازم التذكير بما يصنعون حتى نتبع بعض طرائقهم المفيدة في هذا الشأن، فأولى اهتماماتهم الحملات التوعية في مجتمعهم والتي غالبا ما تغيب في مجتمعنا، فعلى سبيل المثال العاب البلاستيشن والكمبيوتر تحمل اشارات في اسفلها اشارات تشير إلى المستوى العمري المناسب للعب تلك اللعبة، فإن كانت تتخلل صور فظيعة او مخلة يكتب عليها حرف يشير إلى أنها للبالغين فقط، ويا لعار ومصيبة وعقاب من يبيعها على الاطفال الصغار، فهي مصنفة كلعبة غير قانونية للصغار ويعاقب منتهك القانون بغرامات رادعة وسجن لسنوات طوال. والله يا اخوة لا يقارنون بنا من منظور التربية - اقولها وبصراحه - فهم يشجعون ابناءهم على المحبة والسلام ونحن نحرضهم على الكره والحقد وهم يحثونهم على الفطرة السليمة، ونحن نشجعهم على الفطرة الشرسة القاسية، وهم يعاقبون من ينتهك القانون في حق الاطفال ونحن نتغاضى عن كل مخالف وإن كنتم في شك من هذا فلتقوموا بجولة خاطفة على محلات ألعاب البلاستيشن ولتسألوا عن لعبة باسم "قراند ثفت اوتوا فايس ستي" grand theft auto, vice cityوأسألوا هل تباع هذه اللعبة للأطفال؟ فإن أجيب عليكم بنعم، فدونكم اللعبة، افتحوها وانظروا ما بداخلها ولتتماسكوا اعصابكم، ذكرت هذا كمثال للألعاب الضارة على عقلية الطفل ولست هنا بصدد ذكر مثال اخر يتعلق بالاضرار الجسدية التي قد تخلفها الالعاب على رأسها الصواريخ والطراطيع المهداة وقت الاعياد.
أخيراً وليس آخراً، الحل الوحيد في نظري يمكن تنفيذه بالتقليل من اهداء اطفالنا ادوات خطيرة حتى ولو كانت مزيفة حتى لا نخلق منهم صور متوحشة في المستقبل، وإن كنا لا محالة مبتاعين هدايا فلتكن كتب تلوين وصبورات صغيرة ومكعبات فلقد رأيت اطفال امريكيين يحملون كتيبات جذابة اثارت فضولي لأرى ما بداخلها، فخنقني الفضول ذات يوم فوجدت كتاب طفل احد اصدقائي الامريكيين فنظرت بداخله فوجدت صور مفرّغة رائعة في التنظيم تحتاج إلى تلوين فقط، وقد قام ذلك الصغير بملء الفراغات بالألوان المناسبة. وفي هذه الكتب المصورة فوائد جمة: فهي بمثابة تدريب لعقل الطفل على مراعات الحدود وعدم تجاوزها وقت التلوين (ولعلها تفيد اولادنا في مراعات حدود الله) وتساهم كذلك في مضاعفة وتحسين اداءه في التركيز،(ولعلها تفيد اولادنا في مضاعفة تركيزهم وقت الحفظ)، كما انها تزيد الصورة نضارة ورعة باللالوان (ولعلها تفيد في رسم صورة جميلة حسنة في الصدور). ولست هنا لاشجب استخدام مسدس مائي لا يضر ولا ينفع ولكنني هنا لما سيخلفه هذا المسدس من شخصية في المستقبل قد تثور وقد تقمع مع الايام، كما لا أستثني الغرب من كلامي فكما نحن على خطأ فهم على خطأ كذلك، فلولاهم لما ظهرت هذه الالعاب ولما ظهرت هذا الادوات، ولكنني هنا لأبين ما يفعلونه اليوم تجاه اطفالهم حماية لهم من كل مفسدة ومحاربة لكل منتوج صيني او ياباني قد يؤثر على شخصية اطفالهم،
والحقيقة تقال: قليل ما نرى اهتمامهم بهذا الالعاب قياساً باهتمامات اطفالنا نحن.
اترككم مع مقتطفات بسيطة تجسد اهتمامات اطفالهم
والله من وراء القصد