شاعر عاش وحيدًا منفردًا بأحزانه لا يعرف له أهل أو أصل أو نسب مقطوع الجذور . مرفوضًا من القبائل الأخرى مذمومًا ، يعاني الحرمان فاتخذ الشعر سلاحًا يغتصب أعراض الناس ويدفع به عدوان الآخرين عليه ويمضي خنجرًا في عنق هذا الواقع الذي رماه في المنفى والتشرد منذ طفولته .
الحطيئة اسمه : أبو مليكة جرول بن أوس بن مالك العبسي , وقد لقب بالحطيئة لقربه من الأرض وقد شارك في حرب الردة ، وشعره قوي العبارة بديع البناء غزير المعاني عاش في أعماقه إحساس بالظلم والاضطهاد وانه مطارد فوق وجه الصحراء ، الأبواب تغلق في وجهه والحراب تشرع أمامه فلا يد حنونة تمتد إليه بالخير والحب والسلام ، فتحول إلى ذئب يعوي في الصحراء يفترس كل ما يراه أمامه سواء بالشعر أو بالسيف فارتبط موقفه بالرذيلة والشر وفساد الخلق حتى أن الأصمعي وصفه قائلاً: "جشعاً كثير الشر .. قليل الخير .. بخيلاً دميمـًا قصيرًا رث الهيئة".
كان الحطيئة يتفنن في الوقيعة والهجاء حتى خافه الناس واضطر كل فرد إلى بذل ما في طاقته لتجنب هجائه حتى أن الخليفة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قرر أن يشتري منه أعراض الناس جميعاً بثلاثة آلاف درهم .
ولكن الغريب أن للحطيئة قصيدة تعد من روائع الشعر في الكرم العربي :
وطاوي ثلاثٍ عَاصبِ البطنِ مُرْملٍ
000000000000000بتيهاءَ لم يعْرَفْ بها ساكنٌ رَسْمَا
أخي جَفوةٍ فيه مِن الإِنس وَحشةٌ
00000000000000يرى البؤسَ فيها مِن شَراسَتِهِ نُعْمَى
وَأَفْرَدَ في شِعْبٍ عَجوزًا إزَاءَها
000000000000000ثلاثةُ أَشْبَـــــــــــاحٍ تَخَالُهمُ بَهْــما
رأى شَبَحًا وَسْطَ الظَّلامَ فَراعَهُ
000000000000000000فَلَمَّا بَدَا ضَيْفًا تَسَوَّرَ وَاهْتَمَّا
فقـــال ابنُهُ لَمَّا رآهُ بحـَـيـــــرَةٍ
0000000000000000أيا أَبَتِ اذْبَحْني وَيَسِّرْ لَهُ طُعْمَا
ولا تَعْتَذِرْ بالعُدْمِ عَلَّ الذي طَرَا
0000000000000000 يَظُنُّ لنا مــالاً فَيُوسِعَـــــنَا ذَمَّا
فَرَوَّى قليلاً ثمَّ أَحْجَــــــمَ بُرْهَةً
00000000000000000 وَإِنْ هو لم يَذبَح فَتاه فَقَدْ هَمَّا
فَبَيْنَا هُمَا عَنَّتْ على البُعْدِ عَانَةٌ
0000000000000 قد انْتَظَمَتْ مِن خَلْفِ مِسْحَلها نَظْمَا
عِطَاشًا تُرِيدَ الماءَ فانْسَابَ نَحْوَها
00000000000000000على أنَّهُ مِنها على دَمِها أَظْمَا
فَأَمْهَلَهَا حتَّى تَرَوَّتْ عِـطَـــــــاشُها
00000000000000000 فَأَرْسَلَ فيها مِن كِنَانَتِهِ سَهْما
فَخَرَّتْ نَحُوصٌ ذاتُ جَحْش سَمِينَةٌ
00000000000000 قد اكْتَنَزَتْ لَحْمًا وقد طبَّقَتْ شَحْمَا
فيا بِشْرَهُ إذْ جَرَّها نحو قَوْمِــــــه
0000000000000000ويا بِشْرَهمْ لَمَّا رأوْا كَلْمَها يَدْمَى
فباتُوا كِرامًا قد قَضَوْا حَقَّ ضَيْفَهمْ
00000000000000 فلم يَغرَمُوا غُرْمًا وقد غَنِموا غُنْمَا
وباتَ أبوهــمْ مِن بَشَـــــــــاشَتِهِ أبًا
000000000000000لِضَيْفِهمُ والأُمُّ مِن بِشْرِهـــــــا أُمَّا