لحمد لله ذي الفضل و الإحسان و الصلاة و السلام على سيد ولد عدنان و على آله وصحبه عدد ما سمع فوق الأرض من آذان و فر من سماعه شيطان و على من سلك سبيلهم من ذوي العلم و العرفان
و بعد
اعلموا إخوتي بارك الله فيكم، و جعل طريق الحق مسعاكم،أن كتمان السر سبب كبير في تمام الأمور و نجاحها، و أقوم لصلاح الأشياء و تحصينها من الزوال، فالبخل بالأسرار محمود و تحصينه من الإفشاء مطلوب، و كم من سر أضاع صاحبه بغيته، و كان مانعا لنيل مطلبه، و لو كتمه كان من عواقب الإبلاغ آمنا، و لقضاء حوائجه طامحا، فمن أفشى سره ضاق صدره و لم يتسع، و قل صبره و لم يجمل، فلربما أخبرت عاقلا فزل بفضيحتك، أو سفيها فخان لقبح سريرته و أنكرك ، و قد قال بعض الحكماء : انفرد بسرك ، و لا تودعه حازما فيزل ، و لا جاهلا فيخون .
و مع هذا كله، فقلوب الأحرار قبور للأسرار، فلا يستغنى عن خل وفي، و ناصح أمين، و الأهم من إفشاء السر هو اختيار إيداعه في معدن نقي، فإن كان و لابد من إبلاغه طلبا للنصح و استشارة للفهم، فالحرص كل الحرص على اختيار الأمناء الأتقياء، و ليس كل من حفظ مالا حفظ سرا، فلربما أعطيت سرا فقتلك، وحفظت مالا لن ينفعك، فالسر أولى من المال، فالمال يذهب و يعود و السر إذا ذهب لن يعود، و إن سلم صاحبه من إذاعته، فلن يسلم من تطاول الألسن و إشارات الأصبع
قال بعض الحكماء : من أفشى سره كثر عليه المتأمّرون
و هذه مصيبة و بلية كبيرة و قد يصير المرء عندها كالعبيد و يتملكه إحساس بالذل و الرق و خضوع العبد و الله المستعان
قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان ؛ فإن كل ذي نعمة محسود ) صحيح الجامع للعلامة الألباني رحمه الله ( الصفحة أو الرقم : 943 ) .
وقال علي رضي الله عنه : ( سرك أسيرك ، فإن تكلمت به صرت أسيره )
قال الشافعي رحمه الله :
إِذا المَـرءُ أَفشـى سِـرَّهُ بِلِسانِـهِ *** وَلامَ عَليـهِ غَيـرَهُ فَهُـوَ أَحمَـقُ
إِذا ضاقَ صَدرُ المَرءِ عَن سِرِّ نَفسِهِ *** فَصَدرُ الَّذي يُستَودَعُ السِرَّ أَضيَـقُ
هذا و الحمد لله رب العالمين و سترنا بستره و هو العزيز الحكيم .