التميز خلال 24 ساعة
 العضو الأكثر نشاطاً هذا اليوم   الموضوع النشط هذا اليوم   المشرف المميزلهذا اليوم 
قريبا
رضيت برب الورى خالقي ، إنشاد سعيد البحري
بقلم : الرهيب
الرهيب
« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: رضيت برب الورى خالقي ، إنشاد سعيد البحري (آخر رد :الرهيب)       :: فضل صيام ستة أيام من شوال: (آخر رد :الرهيب)       :: المشروع عبارة عن ٣٨ صفة لنبي ﷺ للنساء فقط (آخر رد :الرهيب)       :: ضبط الانوثة (آخر رد :الرهيب)       :: ❖ فضفضة حافظ ..💜☁️ (آخر رد :الرهيب)       :: 📚 رحيق القراءه (آخر رد :الرهيب)       :: آية في القرآن كررها كثيراً لأنها تحتاج إلي تدبر (آخر رد :الرهيب)       :: إذاعه القرآن الكريم من السعودية في جوالك على مدى 24ساعة* (آخر رد :الرهيب)       :: 🍃*خاطرة..* (آخر رد :الرهيب)       :: كن مع الله يكن معك (آخر رد :الرهيب)       :: ‏قصة : الصحابي كلاب بن أمية (آخر رد :الرهيب)       :: ✍ خواطر جميله (آخر رد :الرهيب)      



السيرة النبوية قسم يهتم بسيرة المصطفى علية افضل الصلاة والسلام من مولده حتى مماته

الإهداءات
الرهيب من الرياض : ‏قال الشيخ عبدالكريم الخضير - حفظه الله - الذّنب إذا تِيبَ منه لا يكونُ له أثرٌ، بل قد يكون صاحبه بعده خيرًا منه قبله .     الرهيب من الرياض : ‏جمالُ الحياة بالرضا بما قسمهُ لك الله والتوكل عليه،استمتع بما حولك من نعم وقُل الحمدُلله."من باب الأيام تمضي والصالحات تبقى:سبحان الله، والحمدلله، ولا إله إلا الله،الله أكبر.    

في معارك الرسول الحربية

في معارك الرسول الحربية آ ـ الوقائع التاريخية ما كان يستقر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة حتى بدأت المعارك الحربية بينه وبين قريش ومن الأهامن قبائل

إضافة رد

 
LinkBack أدوات الموضوع

قديم 10-16-2011, 11:19 PM   #1
 
الصورة الرمزية ح ـلــم
افتراضي في معارك الرسول الحربية

في معارك الرسول الحربية


آ ـ الوقائع التاريخية


ما كان يستقر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة حتى بدأت المعارك الحربية بينه وبين قريش ومن الأهامن قبائل العرب ، وقد اصطلح المؤرخون المسلمون على أن يسموا كل معركة بين المسلمين والمشركين وخصوها النبي بنفسه " غزوة" وبلغت عدد سراياة ثمانية وثلاثين سرية ،ونقتصر في هذا العجالة على أشهر غزواته ، وهي احدى عشرة غزوة .






1- غزوة بدر الكبرى ، وكانت في اليوم السابع عشر من رمضان للسنة الثانية من الهجرة ، وسببها أن النبي صلى الله عليه وسلم ندب يريد قتالاً ، ولكن القافلة التي كان يقودها أبو سفيان قد نجت بعد أن كان أرسل إلى قريش يستنفرها لحماية القافلة ، فخرجت قريش في نحو من ألف مقاتل ، منهم ستمائه دارع( لابس للدرع ) ومائة فرس عليها مائة درع سوى دروع المشاة وسبعمائة بعير ، ومعهم القيان يضربن بالدفوف ويغنين بهجاء المسلمين .


أما المسلمون ، فكانت عدتهم ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر رجلا ، أكثرهم من الأنصار ، وكان معهم سبعون جملاً ، فرسان أو ثلاثة أفراس فحسب ، وكان يتعاقب النفر اليسير على الجمل الواحد فترة بعد أخرى ، وقبل أن يخوض المعركة ، أراد أن يستشير أصحابه ، وخاصة الأنصار ، في خوض المعركة ، فأشار عليه المهاجرون بخوضها ، وتكلموا خيراً ، ثم علم الأنصار أنه يريدهم ، فقال له سعد بن معاذ وهو سيد الأنصار جميعاً : يا رسول الله قد آمنا بك ، وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يارسول الله ما أردت ، فنحن معك ، ما تخلف منا رجل واحد ، ما نكره أن تلقي بنا عدونا غداً ، وإنا لصبر عند الحرب ، صدق عند اللقاء ، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله . وقال غيره مثل ذلك فسُر الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك ، وقال : سيروا على بركة الله ، وأبشروا ، فإن الله وعدني إحدى الطائفتين ، إما العير ، وإما النفير ،







ثم سار الرسول صلى الله عليه وسلم حتى وصل أدنى ماء من بدر فنزل به ، فقال الحباب بن المنذر : يا رسول الله هذا منزل أنزلكه الله تعالى : لا تقدمه ، ولا تتأخر عنه ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو الرأي والحرب والمكيدة ، فأشار عليه الخباب بن المنذر أن يسير إلى مكان آخر هو أصلح وأمكن للمسلمين من قطع ماء بدر عن المشركين ، فنهض الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى وصلوا إلى المكان ، الذي أشار به الحباب ، فأقاموا فيه ، ثم أشار سعد بن معاذ أن يبني للرسول صلى الله عليه وسلم عريشاً وراء صفوف المسلمين ، فان أعزهم الله كان ما أحب ، وإلا جلس على ركائبه ولحق بمن في المدينة ، وقال له سعد : فقد تخلف عنا أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حباً منهم ، ولو ظنوا أن تلقى حرباً لما تخلفوا عنك ، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمر أن يبني له العريش ولما التقى الجمعان ، أخذ الرسول يسوي صفوف المسلمين ، ويحرضهم على القتال ، ويرغبهم في الشهادة ، وقال : " والذي نفسي بيده ، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً ، مقبلا غير مدبر ، إلا أدخله الله الجنة " ورجع إلى عريشه ومعه أبو بكر ، ويحرسه سعد بن معاذ متوحشاً بسيفه ، وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعاء ومن دعائه : اللهم أنشد عهدك ووعدك اللهم إن تهلك هذه العصابة ( المؤمنون المحاربون) لا تعبد في الأرض "وأطال في سجوده ، حتى قال له أبو بكر : حسبك ، فان الله سينجز لك وعدك ، ثم حمي القتال ، وانتهت المعركة بانتصار المسلمين ،وقد قتل من المشركين نحو من السبعين ، فيهم أشركهم أبو جهل وبعض زعمائهم ، وأسر منهم السبعين ، ثم أمر بدفن القتلى جمعياً ،وعاد إلى المدينة ، ثم استشار أصحابه في أمر الاسرى ، فأشار عليه عمر بقتلهم ، وأشار عليه أبو بكر بفدائهم ، فقبل الرسول صلى الله عليه وسلم مشورة أبي بكر ،وافتدى المشركون أسراهم بالمال .








وقد نزل في معركة بدر آيات من كتاب الله الكريم ، قال الله تعالى في سورة آل عمران " ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأنتُمْ أذِلَّةٌ ، فَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ، إِذْ تَقُولُ لِلمُؤمِنينَ ألن يَكْفِيَكُمْ أن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُنزَلِين ، بَلى إن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأتُوكُمْ مِن فَورِهِم هَذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوِّمين ،وَمَا جَعَلَهُ الله إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ ، وَمَا النَّصْرُ إلا مِنْ عِندِ الله العَزِيزِ الحَكِيمِ ، لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الذِينَ كَفَرُوا أوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَائِبِين ) [ آل عمران : 123ـ127 ] . كما نزل العتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم على قبوله فداء الاسرى ، فقال الله تعال : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍ أَن يَكُونَ لَهُ أسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرْض ِ، تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا ، وَالله يُريدُ الآخِرَةِ ، وَالله ُعَزِيزٌ حَكِيمٌ ، لَولا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً ، وَاتَّقُوا اللهَ ، إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [ الانفال : 67ـ 68 ٍ] .







2 ـ غزوة أحد :


وكانت يوم السبت لخمس عشرة خلت من شوال في العالم الثالث للهجرة ، وسببها أن قريشاً أرادت أن تثأر ليوم بدر ، فما زالت تستعد حتى تجهزت لغزو الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة ، فخرجت في ثلاثة آلاف مقاتل ، ما عدا الأحابيش فيهم سبعمائة دارع وماتئا فارس ، ومعهم سبع عشر أمراة ، فيهن هند بنت عتبة زوج أبي سفيان ، وقد قتل أبوها يوم بدر ، ثم ساروا حتى وصلوا بطن الوادي ( وهو جبل مرتفع يقع شمال المدينة على بعد ميلين منها) ، مقابل المدينة ، وكان من رأي الرسول وعدد من الصحابة أن لا يخرج المسلمون إليهم ، بل يظلون في المدينة ، فإن هاجمهم المشركون صدوهم عنها ، ولكن بعض شباب المسلمين وبعض المهاجرين والأنصار ، وخاصة من لم يحضر منهم معركة بدر ولم يحصل له شرف القتال فيها ، تحمسوا للخروج إليهم ومنازلتهم في أماكنهم ، فنزل الرسول صلى الله عليه وسلم عند رأيهم ، ودخل بيته ولبس لأمته ( درعة ) ، وألقى الترس في ظهره ، وأخذ قناته بيده ، ثم خرج إلى المسلمين ، وهو متقلد سيفه ، فندم الذي أشاروا عليه بالخروج إذا كانوا سبباً في حملة على خلاف رأيه ، وقالوا للرسول : ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما شئت أو أقعد إن شئت ، فأجابهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : " ما كان ينبغي لنبي إذا لبي لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه " ، ثم خرج والمسلمون معه في نحو ألف بينهم مائة دارع وفرسان .







ولما تجمع المسلمون للخروج ، رأى الرسول جماعة من اليهود يريدون ان يخرجوا مع عبدالله بن أبي بن سلول رأس المنافقين للخروج مع المسلمين ، فقال الرسول : " أوقد أسلموا ؟ قالوا : لا يا رسول الله ، قال :" مروهم فليرجعوا فانا لا نستعين بالمشركين على المشركين " ، وفي منتصف الطريق أنخذل عن المسلمين عبد الله بن أبي سلول ومعه ثلاثمائة من المنافقين ، فبقي عدد المسلمين سبعمائة رجل فحسب ، ثم مضى الرسول وصف الجيش وجعل على كل فرقة منه قائداً ، واختار خمسين من الرماة ، على رأسهم عبد الله بن جبير الأنصاري ليحموا ظهر المسلمين من التفاف المشركين وراءهم ، وقال لهم" أحموا ظهورنا ، لا يأتونا من خلفنا ، وارشقوهم بالنبل ، فإن الخيل لا تقوى على النبل ، إنا لا نزال غالبين ما ثبتم مكانكم ، اللهم إني أشهدك عليهم " وقال لهم في رواية أخرى : " إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم ، وإن رأيتمونا هزمنا القوم أو ظاهرناهم وهم قتلى ، فلا تبرحوا مكانكم حتى أرسل اليكم ".






ثم ابتدأ القتال ، ونصر الله المسلمين على أعدائهم ، فقتلوا منهم عدداً ، ثم ولوا الادبار ، فانغمس المسلمون في أخذ الغنائم التي وجدوها في معسكر المشركين ، ورأى ذلك من وراءهم من الرماة فقالوا : ماذا نفعل وقد نصر الله رسوله ؟ ثم فكروا في ترك أمكنتهم لينالهم نصيب من الغنائم ، فذكرهم رئيسهم عبد الله بن حبير بوصية الرسول ، فأجابوا بأن الحرب أنتهت ، ولا حاجة للبقاء حيث هم ، فأبى عبدالله ومعه عشر آخرون أن يغادروا أماكنهم ، ورأى خالد بن الوليد وكان قائد ميمنة المشركين خلو ظهر المسلمين من الرماة ، فكر عليهم من خلفهم ، فما شعر المسلمون إلا والسيوف تناوشهم من هنا وهناك ، فاضطرب حبلهم ، وأشيع أن الرسول قد قتل ، ففر بعضهم عائدا على المدينة ، واستطاع المشركين أن يصلوا إلى الرسول ، فأصابته حجارتهم حتى وقع وأغمى عليه ، فشجع وجهه وخدشت ركبتاه ، وجرحت شفته السفلى ، وكسرت الخوذة على رأسه ، ودخلت حلقتان من حلقات المغفر في وجهته ، وتكاثر المشركون على الرسول يريدون قتله ، فثبت صلى الله عليه وسلم ،وثبت معه نفر من المؤمنين ، منهم : أبو دجانة ، تترس على الرسول ليحميه من نبال المشكرين ، فكان النبل يقع على ظهره ، ومنهم سعدبن أبي وقاص ، رمى يومئذ نحو ألف سهم ، ومنهم : نسيبة أم عمارة الأنصارية ، تركت سقاء الجرحى ، وأخذت تقاتل بالسيف ، وترمي بالنبل ، دفاعاً عن رسول الله حتى أصابها في عنقها ، فجرحت جرحاً عميقاً ، وكان معها زوجها وابناها ، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم : بارك الله عليكم أهل البيت ، فقالت له نسيبة : ادع الله أن نرافقك في الجنة ، فقال " اللهم أجعلهم رفقائي في الجنة ، فقالت رضي الله عنها بعد ذلك : ما أبالي ما أصابني من أمر الدنيا ، وقد قال صلى الله عليه وسلم في حقها : " ما التفت يمينا وشمالاً يوم أحد ، إلا ورأيتها تقاتل دوني " وقد جرحت يومئذ أثنى عشر جرحاً ، ما بين طعنة برمح وضربة بسيف .






وقد حاول في ساعة الشدة أن يصل أبي بن خلف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليقتله ، وأقسم أن لا يرجع عن ذلك ، فأخذ عليه السلام حربة ممن كانوا معه ، فسددها في نحره ، فكانت سبب هلاكه ، وهو الوحيد الذي قتله صلى الله عليه وسلم في جميع معاركه الحربية ثم استطاع صلى الله عليه وسلم الوقوف والنهوض على أكتاف طلحة بن عبيد الله ، فنظر إلى المشركين ، فرأى جماعة منهم على ظهر الجبل ، فأرسل من ينزلهم قائلا :" لا ينبغي لهم أن يعلونا ، اللهم لا قوة لنا إلا بك " وأنتهت المعركة . وقال أبو سفيان مظهرا تشفيه والمشركين من هزيمتهم يوم بدر : يوم بيوم بدر .


وممن قتل في هذه المعركة حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومثلت به هند زوج أبي سفيان ، واحتزت قلبه ومضغته ، فرأت له مرارة فلفظته ، وقد حزن الرسول صلى الله عليه وسلم لمشهده حزناً عظيماً فقال : لئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثنين رجلا منهم ، ولكن الله نهي عن المثلة بعد ذلك .وقد بلغ عدد قتلى المسلمين في هذه المعركة نحواً من السبعين ، وقتلى المشركين ثلاثة وعشرين .






وقد أنزل الله تعالى في هذه المعركة عدة آيات يضمد بها جراح المؤمنين ، وينبههم إلى سبب الهزيمة التي حلت بهم ، فيقول في سورة آل عمران: " ( وَلا تَهِنُوا وَلا تَخْزَنُوا وَأنتُمْ الأعْلَونَ إن كُنتُم مُّؤمِنِينَ ، إن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَومَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ، وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَينَ النَّاسِ ، وَلِيَعْلَمَ الله الذِينَ أمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ، وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمينَ ، وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ ، أَمْ حَسِبْتَهُمْ أن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرينَ ) [ آل عمران : 139-142 ] ثم يقول بعد آيات : ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إذْ تَحُسُّوَنُهمْ ( تقتلونهم ) بِإِذْنِهِ ، حَتَّى إذَا فَشِلْتُمْ وَتَـَنـازَعْتُمْ فِي الأمْرِِِِ ، وَعَصَيتُمْ مِن بَعْدِ مَا أرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ، مِنكُم مَن يُرِيدُ الدُّنيَا ، وَمِِنكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَة ، ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ، وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ ، وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى المُؤمِنينَ ، إذْ تُصْعِدُونَ ( أي تهربون إلى الجبل صاعدين ) وَلا تَلْوونَ عَلَى أحَدٍ ، وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمًّ ٍ( أي فجازاكم غما على غم ) لِكَيلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَاَبُكْم ، وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) [ آل عمران : 152 ـ 13 ] .








3-غزوة بني النضير :


وهم قوم من اليهود يجاورون المدينة ، وكانوا حلفاء للخروج وبينهم وبين المسلمين عهد سلم وتعاون كما قدمنا ، ولكن طبيعة الشر والغدر المتأصلة في اليهود أبت إلا أن تحملهم على نقض عهدهم ، فبينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه في بني النضير وقد أستند إلى جدار من بيوتهم ، إذا تآمروا على قتله بالقاء صخرة من ظهر البيت ، فعلم صلى الله عليه وسلم بذلك فنهض سريعاً كأنه يهم بحاجة ، فتوجه إلى المدينة ، ولحقه أصحابه ثم أرسل اليهم محمد بن مسلمة أن أخرجوا من بلدي فلا تساكنوني بها ، وقد هممتم بما هممتم به من الغدر ، ثم أمهلهم صلى الله عليه وسلم عشر أيام للخروج ، وتجهز بنو النضير للخروج في هذا الانذار ، ولكن عبد الله بن أبي رأس المنافقين أرسل اليهم ينهاهم عن الخروج ، و يعدهم بإرسال الفين من جماعته يدافعون عنهم، فعدلوا عن النزوح ، وتحصنوا في حصونهم وأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا لا نخرج من ديارنا ، فاصنع ما بدا لك فخرج إليهم صلى اله عليه وسلم في أصحابه يحمل لواءه علي بن أبي طالب ، فلما رآهم اليهود أخذوا يرمونهم بالنبل والحجارة ، ولم يصل اليهم المدد الذي وعدهم به رأس المنافقين ، فحاصرهم عليه الصلاة والسلام ، فصبروا فاضطر إلى قطع نخيلهم ، فقالوا عندئذ : نخرج من بلادك ، واشترط عليهم صلى الله عليه وسلم أن لا يخرجوا معهم السلاح ، ولهم أن يخرجوا معهم من أموالهم ما حملته الأبل ، ودماؤهم مصونة لا يسفك منها قطرة ، فلما أراداوا الخروج أخذوا كل شيء يستطيعونه ، وهدموا بيوتهم لكى لا يستفيد منها المسلمون ، وسارعوا ، فمنهم من نزل خيبر على بعد مائة ميل من المدنية ، ومنهم من نزل في ناحية " جرش " بجنوب الشام ،ولم يسلم منهم إلا أثنان .






وقد نزلت في هذه الغزوة سورة( الحشر ) ومنها قول الله تعالى : (هُوَ الذِي أخْرَجَ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ أهْلِ الكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأوَّلِ الحَشْرِ ، مَا ظَنَنْتُمْ أن يَخْرُجُوا ، وَظَنُّوا أنَّهُمْ مَا نِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ ، فَأتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيثُ لا يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِِهِمُ الرُّعُبَ يُخْرِبُونَ بُيوتَهُمْ بِأيدِيهِمْ وَأيدِى المُؤْمِنِينَ ، فَاعْتَبِرُوا يَا أولِى الأبْصَارِ ، وَلوْلا أنْ كَتَبَ اللهُ عَليهِمُ الجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ، ذَلِكَ بِأنَّهُمْ شَآقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللهَ فَإنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ ) [ الحشر : 2ـ4] .








4-غزوة الأحزاب :


وتسمى غزوة ( الخندق ) ، وقد وقعت في شوال من السنة الخامسة للهجرة ، وسببها أنه لما تم إجلاء بني النضير ، قدم عدد من رؤسائهم إلى مكة يدعون قريشا ويحرضونها على قتال الرسول ، فأجابت قريش لذلك ، ثم ذهب رؤساء اليهود إلى غطفان ، فاستجابت لهم بنو فزارة وبنو مرة ، وأشجع واتجهوا نحو المدينة ، فلما سمع صلى الله عليه وسلم بخروجهم ، استشار أصحابه فأشار عليه سلمان بحفرخندق حول المدينة، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بحفره وعمل فيه بنفسه ، ولما وصلت قريش ومن معها من الأحزاب راعها ما رأت من أمر الخندق ، إذ لا عهد للعرب بمثله ، وكانت عدتهم عشر آلاف ، وعدة المسلمين ثلاثة آلاف ، وكان حيي بن أخطب أحد اليهود الذين هيجوا قريشاً والأحزاب ضد المسلمين ، قد ذهب الى كعب بن أسيد سيد بني قريظة يطلب إليه نقض عهد السلم بينه وبين المسلمين ، وفكر النبي في مصالحه بني قريظة على ثلث ثمار المدينة ، ولكن الأنصار رفضوا اعتزازاً بدينهم من أن يعطوا الدنية لهؤلاء الخائنين للعهود والمواثيق ، وبدأ القتال بافتتاح بعض فرسان المشركين للخندق من أحدى نواحيه الضيقة ، فناوشهم المسلمون وقاتلوهم ، ثم جاء نعيم بن مسعود بن عامل إلى الرسول ، فأخبره أنه قد أسلم ، وأن قومه لا يعلمون بإسلامه ، وأنه صدق لنبي قريظة يأتمنونه ويقون به ، وقال للرسول : مرني بما شئت ، فقال له الرسول : " إنما أنت فينا رجل واحد ، فخذل عنا إن استطعت ، فإن الحرب خدعة : فاستعمل نعيم دهاءه حتى فرق بين قريش وحلفائها ، وبين بني قريظة ، وأوقع في نفوس كل من الفريقين الشك في الآخر ، وأرسل الله على الأحزاب ريحاً شديدة في ليلة شاتية شديدة ، فجعلت تكفئ قدورهم وتمزق خيامهم . فامتلأت نفوس الأحزاب بالرعب ورحلوا في تلك الليلة ، فلما أصبح الصباح نظر المسلمون فلم يروا أحداً.








وفي هذه الغزوة أنزل الله تعالى في كتابه الكريم : ( يَا أيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَليكُمْ إذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَارْسَلْنَا عَليهِمْ رِيحاً وَجُنُودَاً لمْ تَرَوهَا وَكانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلونَ بَصِيرَاً ، إذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوقِكُمْ وَمِنْ أسْفَلَ مِنْكُمْ وَإذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلغَتِ القُلوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ، هُنَالِكَ ابْتُلِىَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيداً ) [ الاحزاب : 9ـ11] ، ثم يصف موقف المنافقين وتخذيلهم وانسحابهم من المعركة ، ثم يقول في وصف المؤمنين : ( وَلمَّا رَءَا المُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ ، وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولهُ ، وَمَا زَادَهُمْ إِلا إيمَاناً وَتَسْلِيماً ، مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلِيهِ ، فَمِنْهُم مَّنْ قَضَى نَحْبَهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلوا تَبْدِيلاً ، ليَجْزيَ اللهُ الصَّادِقينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أو يَتُوبَ عَليهِمْ إنَّ اللهَ كَانَ غَفُورَاً رَحِيماً ، وَ رَدَّ اللهُ الذِينَ كَفَرُوا بِغَيظِهِمْ لَمْ يَنَالوا خَيراً وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَويَّاً عَزِيزاً ) . [ الأحزاب : 22 ـ 25] .








5- غزوة بني قريظة :


وقد وقعت في السنة الخامسة بعد أن رأى ما أنطوت عليه نفوس يهود بني قريظة من اللؤم والغدر والتحزب مع قريش وحلفائها ، وبعد أن أعلنت له إبان أشتداد معركة الأحزاب أنها فضت عهدها معه ، وكانت وهي تساكن الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة تهم بشر عظيم قد يقضي على المسلمين جميعاً لولا انتهاء معركة الأحزاب بمثل ما انتهت إليه ، رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤدب هؤلاء الخائنين الغادرين، ويظهر منهم المدينة مقر جهاده ودعوته حتى لا تواتيهم الظروف مرة أخرى ، فينقضوا على جيران المسلمين ، ويبيدوهم كما هي طبيعة الغدر اليهودي اللئيم .




وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع يوم الخندق ووضع السلاح واغتسل ، أتاه جبريل وقد عصب رأسه الغبار فقال : وضعت السلاح ، فوالله ما وضعته ، قال : فأين ؟ قال : ها هنا ، وأوماً إلى بني قريظة ، قالت : فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. أمر الرسول صلى الله عليه وسلم من ينادي في الناس بأن لا يصلين أحد العصر إلا في بنى قريظة ، ثم خرج فيهم وقد حمل رايته علي رضي الله عنه ، وقد اجتمع من المسلمين ثلاثة آلاف ، ومن الخيل ست وثلاثون فلما دنا علي من حصن بني قريظة ، سمع منهم مقالة قبيحة في حقه صلى الله عليه وسلم وحق أزواجه ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وطلب اليه أن لا يدنو من أولئك الأخباث ، فأجابه عليه السلام بأنهم إذا ، رأوه لم يقولوا من ذلك شيئاً لما يعلم من أخلاقهم في النفاق والملق ، فلما رأوه تطفوا به كما تنبأ صلى الله عليه وسلم ، ثم أخذ المسلمون في حصارهم خمساً وعشرين ليلة ، فلما ضاق بهم الأمر ، نزلوا على حكم الرسول صلى الله عليه وسلم ، فحكم فيهم سعد بن معاذ سيد الأوس ، وكان بنو قريظة حلفاء الأوس ، فحكم سعد بأن تقتل مقاتلهم ، وأن تسبى ذراريهم ، وأن تقسم أموالهم ، فنفذ الرسول حكمه ،وبذلك قضى على مؤامرات اليهود ودسائسهم وتآمرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم و دعوته قضاءً مبرماً في المدنية وما حولها .




وفي هذه الغزوة نزلت آيات من القرآن الكريم تبين غدر اليهود ، ونقضهم للعهود ، وتخذيلهم لصفوف المسلمين في غزوة الأحزاب : ( وَإذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لََكُمْ فَارْجِعُوا ، وَيَسْتَئْذنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ ، يَقُولُونَ إنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَورَةٍ ، إنْ يُرِيدُونَ إلا فِراَرَاً ، وَلوْ دَخَلتَ عَليْهِمْ مِنْ أقْطَارِهَا ، ثُمَّ سُئِلُوا ، لآتَوهَا ، وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إلا يَسِيراً ، وَلقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ ( إشارة إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم معهم يوم أستقر بالمدينة ) لا يُوَلُّونَ الأدْبَارَ ، وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُولاً ، قُلْ لن يَنفَعُكُمْ الفِرَارَ إنْ فَرَرْتُم مِنَ المَوْتِ أوِ القَتْلِ ، وَإذًَا لا تُمَتَّعُونَ إلا قَلِيلاً ) [ الأحزاب : 13 ـ 16 ] الى قوله : ( وَأنْزَلَ الذِينَ ظَاهَرُوهُمْ ( أهل الأحزاب ) مِنْ أهْلِ الكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ ( حصونهم ) وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ ، فَرِيقاً تَقْتُلونَ ،وَتَأسُرُونَ فَرِيقاً ، وَأوْرَثَكُمْ أرْضَهُمْ وَدِيَارِهِمْ وَأمْوَالَهَمْ ، وَأرْضَاً لَمْ تَطَئُوهَا ، وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيراً ) [ الأحزاب : 26ـ 27] .








6ـ غزوة الحديبية :


وقعت في ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة ،وكان من أمرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي في منامة أنه دخل البيت هو وصحابته آمنين محلقين رؤوسهم ومقصرين لا يخافون شيئاً ، فأمر الناس أن يجهزوا للخروج إلى مكة معتمرين ، لا يريد حرباً لقريش ولا قتالاً ، فخرج معه المهاجرون والأنصار يحدوهم الشوق إلى رؤية بيت الله الحرام بعد أن حرموا من ذلك ست سنوات ، وخرج معهم من شاء من الأعراب ، وساق أمامه صلى الله عليه وسلم وهو ما يساق إلى البيت الحرام من الإبل والنعم تعظيماً للبيت وتكريماً ، وأحرم بالعمرة في مكان يسمى بذي الحليفة ، ليعلم الناس وقريش خاصة أنه لا يريد قتالا ، وكان عدد من خرج معه نحواً من ألف وخمسمائة ، ولم يخرجوا معهم بسلاح إلا سلاح المسافر في تلك العهود : السيوف في أغمادها ، وسار حتى إذا وصل إلى " عسفان " جاء من يقول له : هذه قريش قد سمعت بمسيرك ، فخرجوا وقد لبسوا جلود النمور يحلفون بالله لا تدخلها عليهم أبداً ، فقال صلى الله عليه وسلم : ياويح قريش ، لقد أكلتهم الحرب ! ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب ، فإن هم أصابوني ، كان ذلك الذي أرادوا ، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الاسلام وافرين ، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة ، فما تظن قريش ؟ فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله حتى يظهره الله ، أو تنفرد هذه السالفة " .




فلما وصل إلى الحديبية ـ وهي مكان قريب من مكة بينها وبين طريق جدة الآن ، ـ جاءه بعض رجال من خزاعة يسألون عن سبب قدومه ، فأخبرهم أنه لم يأت إلا ليزور البيت ويعتمر ، فرجعا وقالوا لهم : إنكم تعجلون على محمد ، لم يأت لقتال ، إنما جاء زائراً ، لهذا البيت ، فقالوا : لا والله لا يدخلها علينا عنوة أبداً ، ولا يتحدث العرب عنا بذلك . ثم بعثوا عروة بن مسعود الثقفي ليتحدث إلى الرسول بهذا الشأن ، وبعد حديث وأخذ ورد بين عروة وبعض الصحابة ، عاد إلى قريش وحدثهم عما رأى من حب الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهيبتهم له ، ورغبتهم في الصلح معه ، فأبوا ذلك ، ثم بعث الرسول صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان إلى أهل مكة ليؤكد لهم الغرض من مجيء الرسول وصحابته ، وأبطأ عثمان ، فأشيع بين المسلمين أنه قد قتل ، فقال الرسول عندئذ : لا نبرح حتى نناجز القوم ( نقاتلهم )ودعا المسلمين إلى البيعة على الجهاد .والشهادة في سبيل الله ، فبايعوه تحت شجرة هناك من أشجار الطلح على عدم الفرار ، وأنه إما الصلح معه على أن يرجع في هذا العام ويعود من قبل فيقيم ثلاثاً معه سلاح الراكب : الرماح والسيوف في أغمادها ، وأرسلت قريش لذلك سهيل بن عمرو ليتم هذا الصلح ، وأخيراً تم الصلح ، على ما رغبت قريش ، وعلى وضع الحرب بين الفريقين عشر سنين ، وأن من أتى من عند محمد إلى مكة لم يردوه ، وأن من أتى محمداً من مكة ردوه اليهم ،







فعز ذلك على المسلمين ، وأخذ بعضهم يجادل النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء من شروطها ، ومن اشدهم في ذلك عمر ، حتى قال رسول الله : " إني عبد الله ، ولن يضيعني ثم أمر الرسول أصحابه بالتحلل من العمرة فلم يفعلوا ذلك من موجة من الألم ، لما حيل بينهم وبين دخول مكة . ولما شق عليهم من شروط الصلح فبادر عليه السلام بنفسه ، فتحلل من العمرة ، فتبعه المسلمون جميعاً ، وقد ظهرت فيما فيها بعد فوائد هذه الشروط التي صعبت على المسلمين ورضي بها الرسول ، لبعد نظره ، ورجحان عقله ،وإمداد الوحي له بالسداد في الراي والعمل .






هذا وقد سمى الله هذه الغزوة فتحاً مبيناً ، حيث قال : ( إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ، لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَاتَأخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَليْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيمَاً ، وَيَنصُرَكَ اللهُ نَصْرَاً عَزِيزاً ) . [ الفتح : 1ـ3] ثم تحدث عن مبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( إنَّ الذِينَ يُبَايُعُونَكَ إنَّمَا يُبَايُعونَ اللهَ ، يَدُ اللهِ فَوقَ أيْدِيهِمْ ، فَمَن نَكَثَ فَإنَّمَا يَنكُثُ عَلى نَفْسِهِ ، وَمَنْ أوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أجْرَاً عَظِيماً ) [ الفتح :10] ورضي عن أصحاب بيعة الرضوان تحت الشجرة فقال : ( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنينَ إذْ يُبَايُعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ، فَعَلِمَ مَا فِي قُلوبِهِمْ فَأنْزَلَ السَّكِينَةَ عَليْهِمْ ، وَأثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ) [ الفتح : 18] وتحدث عن رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم التي كانت سبباً في غزوة الحديبية ، فقال " ( لََقَدْ صَدَقَ اللهَ وَرَسُولُهُ الرُّءُيَا بِالحَقِّ لتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ إنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ ، فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا ، فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً ) [ الفتح : 27] ولعل هذه إشارة إلى فتح مكة الذي كان ثمرة من ثمرات صلح الحديبية ، كما سنذكره في الدروس والعظات ان شاء الله ، ثم أتبع ذلك بتأكيد غلبة هذا الدين وأنصاره ، فقال : ( هُوَ الذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّه ، وَكَفَى بِاللهِ شَهِيداً ) [ الفتح : 28] وصدق الله العظيم .






7-غزوة خيبر :


وكانت في أوخر المحرم للسنة السابعة من الهجرة .


و " خيبر" واحة كبيرة يسكنها اليهود على مسافة مائة ميل من شمال المدينة جهة الشام


وسببها : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أمن جانب قريش بالصلح الذي تم في الحديبية ، قرر تصفية مشكلة التجمعات اليهودية فيما حول المدينة بعد أن صفى اليهود من المدينة نفسها ، وقد كان اليهود في خيبر حصون منيعة ،وكان فيها نحو من عشر آلاف مقاتل ، وعندهم مقادير كبيرة من السلاح والعتاد ، وكانوا أهل مكر وخبث وخداع ، فلا بد من تصفية مشكلتهم قبل أن يصبحوا مصدر اضطراب وقلق للمسلمين في عاصمتهم " المدينة" ولذلك أجمع الرسول صلى الله عليه وسلم على الخروج اليهم في أواخر المحرم ، فخرج اليهم في ألف وستمائه مقاتل ، منهم مائتا فارس ، واستنفر من حوله ممن شهد الحديبية ، وسار حتى إذا أشرف ، على خيبر قال لأصحابه : قفوا ، ثم عاد فقال : " اللهم رب السموت وما أظللن ، ورب الأرضين وما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن ،ورب الرياح وما ذرين ، إنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها ، أقدموا الله " .






ولما وصلوا إليها نزل النبي صلى الله عليه وسلم قريباً من أحد حصون خيبر يسمى " حسن النطاق " وقد جمعوا فيه مقاتلتهم ، فأشار حباب بن المنذر بالتحول ، لأنه يعرف أهل النطاق معرفة جيدة ، ليس قوم أبعد مدى ولا أعدل رمية منهم، وهم مرتفعون على مواقع المسلمين ، فالنبل منهم سريع الانحدار على صفوف المسلمين ، ثم إنهم قد يباغتون المسلمين في الليل متسترين بأشجار النخيل الكثيرة ، فتحول الرسول مع المسلمين إلى موضع آخر وابتدأت المعارك ، يفتح المسلمون منها حصناً بعد حصن ، إلا الحصنين الآخرين ، فقد رغب أهلهما في الصلح على حقن دماء المقاتلة ، وترك الذرية ، ولا خروج من أرض خيبر بذراريهم ، وأن لا يصحب أحد منهم إلا ثوباً واحداً ، فصالحهم على ذلك ، وعلى أن ذمه الله ورسوله بريئة منهم إن كتموه شيئاً ، ثم غادرهما ، فوجد المسلمون فيها أسلحة كثيرة ، وصفحات متعددة من التوراة ، فجاء اليهود بعدذلك يطلبونها ، فأمر بردها اليهم ، وقد بلغ عدد قتلى اليهود في هذه المعركة ثلاثة وتسعين ، واستشهد من المسلمين خمسة عشر .








8-غزوة مؤتة :


كانت في جمادي الأول للسنة الثامنة من الهجرة ، و" مؤته " قرية على مشارف الشام ، تسمى الآن " بالكرك " جنوب شرق البحر الميت، وكان سببها أن الرسول كان قد أرسل الحارث بن عمير بكتاب إلى أمير مصرى من جهة هرقل ،وهو الحارث بن ابي شمر الغساني يدعوه فيه إلى الإسلام ـ وكان ذلك من جملة كتبه التي بعث بها عليه السلام إلى ملوك العالم وأمراء العرب بعد صلح الحديبية ـ فلما نزل مؤته أحد الأمراء العرب الغساسنة التابعين لقيصرالروم ، فقال له : أين تريد ؟ لعلك من رسل محمد ؟ قال : نعم ، فأوثقه وضرب عنقه ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاشتد عليه الألم إذ لم يقتل له رسول غيره ، وجهز لهم جيشاً من المسلمين عدته ثلاث آلاف . وأمر عليهم زيد بن حارثة ، وأوصاهم ، إن أصيب زيد ليؤمروا جعفر بن أبي طالب ، فان أصيب ، فليؤمروا عليه عبد الله بن رواحة ، وطلب من زيد أن يأتي بقاتل الحارث بن عمير ، وأن يدعو من هناك إلى الإسلام ، فان أجابوا ، وإلا فليستعينوا بالله ، وليقاتلوهم ، وأوصاهم بقوله : " أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيراً ، اغزوا باسم الله ، وفي سبيل الله ، من كفر بالله ، لا تغدروا ،ولا تغلوا ( الغلول السرقة ) ولا تقلتوا وليداً ، ولا أمرأة ، ولا كبيراً فانياً ، ولا منعزلاً بصومعة ،ولا تقربوا نخلاً ، ولا تقطعوا شجراً ، ولا تهدموا بناءاً "







ثم سار الجيش على بركة الله ، وقد شيعهم الرسول بنفسه ، ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا معان ، فبلغهم أن هرقل قد جمع جمعاً عظيماً ، ونزل في مآب من أرض البلقاء ( هي كورة من أعمال دمشق قصبتها عمان ) وكان جيش الروم مؤلفاً منهم ومن العرب المنتصرة ، فتشاور المسلمون فيما بينهم ، ورأوا أن يطلبوا من الرسول مدداً ، أو يأمرهم بأمر آخر فيمضون له ، فقال عبد الله بن رواحة : والله إن الذي تكرهون هو ما خرجتم له ، تطلبون الشهادة ، ونحن ما نقاتل الناس بعدد ولا كثرة ولا قوة ، وإنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فإنما هي إحدى الحسنيين ، فإما الظفر ، وإما الشهادة ، فوافقه الناس على خوف المعركة ، وابتداء القتال ، فقاتل زيد حتى قتل ، ثم أستلم اللواء بعده جعفر بن ابي طالب ، فقاتل على فرسه ، ثم أضطر للنزول عنها فقاتل مترجلاً ، فقطعت يمينه ، فأخذ اللواء بيساره ، فقطعت يساره ، فاحتضن اللواء حتى قتل ، ووجد فيه بضع وسبعون جرحاً ما بين ضربه بسيف وطعنة برمح ، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة ، فقاتل حتى قتل ، ثم أتفق المسلمون على إمره خالد بن الوليد للجيش ـ وكانت هذه أول معركةيحضرها في الإسلام ـ فما زال يستعمل دهاءه الحربي حتى انقذ الجيش الإسلامي من الفناء ، ثم عاد به إلى المدينة . كانت هذه أول معركة يخوضها المسلمون خارج جزيرة العرب ضد الروم ، وسميت بالغزوة وإن لم يحضرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكثرة المحاربين فيها . حيث بلغوا ثلاثة آلاف مقاتل .



td luhv; hgvs,g hgpvfdm




ح ـلــم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-16-2011, 11:20 PM   #2
 
الصورة الرمزية ح ـلــم
افتراضي رد: في معارك الرسول الحربية

9- غزوة الفتح :


وهي فتح مكة ، وكانت في رمضان للسنة الثامنة من الهجرة ، وسببها أن صلح الحديبية أباح لكل قبيلة عربية أن تدخل في عقد رسول الله إن شاءت ، أو تدخل في عقد قريش ، فارتضت بنو بكر أن تدخل في عقد قريش ، وارتضت خزاعة أن تدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي تلك السنة ( الثامنة ) اعتدت بنو بكر على خزاعة ، فقتلت منها نحو عشرين رجلاً ،وأمدت قريش بني بكر بالمال والسلاح فلما بلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم غضب غضباً شديداً ، وتجهز لقتال قريش إلا أنه لم يرد أن يخبر الناس عن وجهته لئلا تستعد قريش ، فتستباح حرمه البلد الحرام ، وتمتلئ أرجاؤه بأشلاء القتلى ، ولكن حاطب بن أبي بلتعة البدري أرسل كتاباً سرياً إلى مكة يخبرهم فيه بتوجيه الرسول اليهم ، فاطلع الله رسوله على أمر الكتاب ، فأرسل إلى المرأة التي تحمله بعض أصحابه ليفتشوها ، فعثروا على الكتاب فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم حاطباً ، فقال له : ما حملك على هذا ؟ فقال : يارسول الله ، أما والله ، إني لمؤمن بالله ورسوله ، ما غيرت ، ولا بدلت ، ولكني كنت أمرءاً ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة . وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل ، فصانعتهم عليهم ، فقال عمر : يا رسول الله دعني أضرب عنقه ، فان الرجل قد نافق ، فقال له رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: " إنه شهد بدراً ، وما يدريك لعل الله قد اطلع على أصحاب بدر فقال : أعملوا ما شئتم فقد غفر لكم "


ثم سار الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة لعشر مضين من رمضان ، وفي الطريق أفطر ، وأفطر الناس معه لما لقوا من الجهد والمشقة في سفرهم ، وكان عددهم حين خروجهم من المدينة عشر آلاف ، ثم أنضم إليهم في الطريق عدد من قبائل العرب وفي " مر الظهران " عثر حرس رسول الله على أبي سفيان واثنين معه ، فاسروهم وجاؤوا بهم إلى رسول الله فأسلم أبو سفيان ، وقال العباس ـ الذي لقبه الرسول في الطريق مسلماً مهاجراً إلى المدينة ـ : إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فاجعل له شيئاً يفتخر به ، فقال : " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " ، ثم وصل الجيش مكة ، فاعلن منادي الرسول : من دخل داره وأغلق بابه فهو آمن ،ومن دخل المسجد ، فهو آمن ،ومن دخل دار أبي سفيان ، فهو آمن ، واستثنى من ذلك خمسة عشر رجلاً عظمت جريرتهم في حق الاسلام ورسوله ، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وهو راكب راحلته،منحن على الرحل ، حتى لتكاد جبهته تمس قتب الراحلة شكراً لله على هذا الفتح الأكبر ، ثم طاف الرسول بالبيت ، وأزال ما حولها من أصنام بلغت ثلاثمائة وستين ثم دخل الكعبة وصلى ركعتين فيها ، ثم وقف على بابها وقريش تنظر ما هو فاعل بها ، فقال فيها قاله ساعتئذ : يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيراً ، أخ كريم . وابن أخ كريم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اليوم أقول لكم ما قال أخي يوسف من قبل " لا تَثْرِيبَ عَلَيكُمْ اليَومْ يَغْفِرُاللهُ لَكُمْ ، وَهُوَ أرْحَمُ الرَّاحِمِين ) . [ يوسف : 92 ] . " أذهبوا فأنتم الطلقاء " .


ثم اجتمع الناس حول الصفا ليبايعوا رسول الله على الإسلام ، فجلس الرسول على الصفا، وأخذ بيعتهم على السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا ، بايع الرجال أولاً ، ثم النساء ، ولم يصافح واحدة منهن ، وكان فيمن بايعهن هند زوجة أبي سفيان التي أهدر الرسول دمها فيمن أهدر يوم الفتح ، فلما علمها ، عفا عنها بيعتها وفي يوم الفتح أمر رسول الله بلالاً أن يؤذن لصلاة الظهر على ظهر الكعبة ، فاستعظم ذلك الحاضرون من قريش لم يسلموا بعد ،ولكن رسول الله أراد ذلك عمداً لسر عظيم وحكمة بالغة .


10 ـ غزوة حنين :


وكانت في العاشر من شوال للسنة الثامنة من الهجرة بعد فتح مكة

وسببها أن الله لما فتح مكة لرسوله ظن زعماء هوازن وثقيف أن رسول الله سيتوجه إليهم بعد الانتهاء من أمر مكة ، فعزموا بالقتال ، فأمروا عليهم مالك بن عوف وهو يومئذ ابن ثلاثين ، فأمرهم أن يسوقوا معهم إلى المعركة أموالهم ونساءهم وأبناءهم ليكون ذلك أدعى إلى ثباتهم في القتال ، وقد بلغت عدتهم في هذه المعكرة المرتقبة ما بين عشرين ألفاً إلى ثلاثين ،وقد عزم رسول الله عزمه على الخروج لقتالهم . فخرج كل من كان بمكة ، الذين قدموا معه في المعركة، ومن انضم اليهم بعد ذلك ممن اسلم حديثاً وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا كان في حنين خرجت عليهم هوازن وحلفاؤها في غبش الصبح ، فحمل ، فانكمشوا وأنهزموا ، فاشغل المسلمون بجمع فاستقبلهم المشركون بالسهام فانفرط عقدهم ، وفر أهل مكة الجدد ، وبقي رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتاً على بغلته " أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب " ، وكان قد اشيع بين الناس ان النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل ، فألقى كثير منهم سلاحه يائساً ، ولكن نفراً من المهاجرين والأنصار ثبتوا حوله ، وأخذ العباس ، وكان جهوري الصوت ـ ينادي في المسلمين : إن رسول الله لا يزال حياً ، فعاد اليه من كان مدبراً ، وتكاثر المؤمنون حتى استطاعوا أن ينتصروا مره أخرى ، وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون، وبلغت غنائم العدو ومبلغاً كبيراً ، وقد فرق الرسول صلى الله عليه وسلم الغنائم على حديثي الاسلام من أهل مكة تأليفاً لقلوبهم ، ولم يعط منها الأنصار شيئاً اعتماداً على إيمانهم وصدق إسلامهم .


وقد نزل من القرآن في هذه المعركة : ( لَقَدْ نََصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَينٍ إِذْ أعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتْكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً ، وَضَاقَتِ عَلَيْكُمْ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ، ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرين ، ثُمَّ أنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلى المُؤْمِنِين ، وَأنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذّبَ الذِينَ كَفَرُوا ، وَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِين ) [ التوبة : 25 ] . وكانت هذه الغزوة آخر معركة ذات شأن بين الاسلام والمشركين . لم يلبث العرب بعدها أن كسروا الأصنام ، ودخلوا في دين الاسلام .


11-غزوة تبوك :


وتسمى غزوة العسرة ، وكانت في رجب سنة تسع من الهجرة .


و ( تبوك ) موضع بين وادي القرى من أرض الحجاز وبين الشام ، وسببها أن الروم قد جمعت جموعاً كثيرة بالشام ضمت قبائل لخم ، وجذام ، وعاملة ، وغسان ، وهي من نصارى العرب وكان قصد هرقل من ذلك ، الهجوم على المدينة والقضاء على الدولة الناشئة في جزيرة العرب التي أخذت أخبارها وأخبار انتصاراتها تنير جزع هرقل وخوفة ، فندب رسول الله الناس للخروج ، وكان الوقت عسر شديد وحر شديد ، فانتدب المؤمنون الصادقون على طيب نفسي ، وتخلف ثلاثة منهم وهم من صادقي الإيمان ، وندب الرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم الاغنياء لتجهيز جيش العسرة فجاؤوا بأموال كثيرة ، جاء أبو بكر بماله كله ، وكان أربعين ألف درهم ، وجاء عمر بنصف ماله ، وتصدق عثمان يومئذ بمال كثيرة ، وجهز ثلث الجيش ، حتى دعا له الرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " ماضر عثمان ما عمل بعد اليوم " . وجاءه عدد من فقراء الصحابة لا يجدون ما يركبون عليه ، فقال لهم الرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا أجد ما أحملكم عليه " ، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون ، وتخلف من المنافقين بضعة وثمانون رجلا ، واعتذر اليه عدد من الأعراب بأعذار غير صحيحة فقبلها منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .


سار رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ومعه ثلاثون ألف مقاتل ،ومن الخيل عشرة آلاف ، وكان هذا أعظم ما رأته العرب حتى ذاك ، ثم واصل سيره حتى بلغ تبوك فأقام فيها نحواً من عشرين ليلة ، ولم يلق فيها كيداً ، ولم يدخل حرباً .


وكانت هذه آخر غزواته رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي هذه الغزوة نزل قول الله تبارك وتعالى : ( لَقَد تَّابَ اللهُ عَلى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرينَ وَالأنْصَارِ الذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ العُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلوبَ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ، ثُمَّ تَابَ عَليْهِمْ إنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ، وَعَلى الثَّلاثَةِ الذِينَ خُلِّفُوا ، حَتَّى إذَا ضَاقَتْ عَليْهمْ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَليْهُمْ أنْفُسَهُمْ ، وَظَنُّوا أنْ لا مَلْجَاً مِنَ اللهِ إلا إليْهِ ثُمَّ تَابَ عَليْهِمْ لِيَتُوبُوا ، إنَّ اللهَ هُوَ التَّوابُ الرَّحِيمُ )[ التوبة :118 ، 119 ] . كما أنزل آيات كثيرة تتحدث عن موقف المنافقين والمعتذرين من الأعراب في هذه الغزوة ، وفيها عتاب من الله لرسوله على قبول معذرتهم ، وهي آيات كثيرة تجدها في سورة التوبة .





ب ـ الدروس والعظات


نتكلم أولاً عن مشروعية القتال في الإسلام وأسبابه وقواعده العامة .


بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته بالحسنى والموعظة ، يتلو على قومه ما يتنزل عليه من كتاب الله ويحدثهم من قبله وعقله ما يفتح عيونهم على ما هم عليه من وثنية وخرافة وضلالة وجهل ، ولكن قومه قابلوه بالصد والسخرية أولاً ، ثم بالافتراء والأذى ثانياً ، ثم بالتآمر على قتلة أخيراً ، إلى أن هيأ الله لدعوته مكاناً تستقر فيه آمنة مطمئنة ، ولكنه واجه في مكانه الجديد قوتين على المدينة التي آمن أصحابها بدعوته أيضاً ، فغدت له قوة تتمزق لها مرائر قريش ، وقوة اليهود التي حرص النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يقيم علاقة سلام ولكن طبيعة اليهود حاقدة ماكرة متأمرة في كاد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقر بالمدينة ، وتتم له زعامة المهاجرين والأنصار ، حتى شرق زعماء اليهود بالجسد والغيظ من هذه الزعامة التي نافستهم وسيطرة على المدينة سيطرة تامة .


كان الرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة مقامه بالمدينة تتنزل عليه آيات القرآن الكريم بالصبر على ما يقولون .( وَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرا جَمِيلاً ) [ المزمل :10] ، وكان المشركون كلما تنزلت آيات الصبر على أذاهم أزدادوا في الأذى والكيد والعداوان ، ولم يكن المسلمون يومئذ قادرين على صد الاذى لقلتهم واستضعافهم ، فلما استقر النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة ، وأصبحت للمسلمين شوكة ومنعة ، واجهتهم قوة قريش وعداوتها ، وضغينة اليهود وخبثهم باحتمال العدوان عليهم في كل حين ، والاسلام دين وأقعي لا يغمض عينه عن الواقع ويتبع الأوهام والمثل العليا إزاء قوم لا يؤمنون بهذه المثل ، ولا يحترمونها ، فكان لا بد له من أن يحتمي بالقوة ، ويستعد لرد العدوان ، ويقضي على قوة الباطل وشوكته ، لينفسح المجال أمام دعوته فللخير أعلاماً يهتدي بها ، ومنارات تضيء الطريق لمبتغي الهداية والخير والرشاد .


لهذا كله وما يشبهه شرع الله القتال للمؤمنين في السنة الثانية من الهجرة حين نزل الآيات التالية : ( أُذِنَ لِلذِينَ يُقَاتِلُونَ بِأنَّهُمْ ظَلمُوا ، وَإنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِير ، الذِينَ أخْرُجِوا مِنْ ِديَارِهِمْ بِغَيرِ حَقٍّ إلا أنْ يَقُولوا رَبَّنَا الله ُ، وَلولا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبِعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً ، وَلَيُنْصَرَنَّ اللهَ مَنْ يَنْصُرُهُ ، إنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ، الذِينَ إنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ ِأقَامُو الصَلاةَ وآتَوُا الزَّكَاةَ ، وَأمَرُوا بِالمَعْرُوفِ ، وَنَهَوْا عَن ِالمُنْكَرِ، وَلله عَاقِبَةُ الأمُورِ ) [ الحج : 39 ـ 41 ] .


هذه هي أولى الآيات التي نزلت في شأن القتال والإذن فيه وجدير بنا أن نقف عندها قليلاً لنتعرف منها حكمه الاذن بالقتال وفائدته وأهدافه: ذكر في صدر الآية أنها أذن للمؤمنين بالقتال ، ويلاحظ أنه عبر عن المؤمنين بلفظ (اِلذِينَ يُقَاتِلُونَ) ومن القواعد اللغوية المعروفة أن تعليق الحكم بمشتق يفيد عليه ما منه الاشقاق ، فـ (َ يُقَاتِلُونَ ) مشتق من المقاتلة ، أي : إن هؤلاء المؤمنين الذين أذن لهم بالقتال فهذا صريح في أن العلة في الإذن لهم بالقتال وقوع الاضطهاد عليهم من قبل ، فهو بمثابة رد العدوان عنهم ، ومعاملة المثل بالمثل ، كما في قوله تعالى : ( فَمَنِ ِاعْتَدَى عَليْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَليْكُمْ ) [ البقرة : 194 ] وقوله : ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ) [ الشورى : 40 ] .


2- وفي الآية نفسها تصريح بأن هذا القتال الذي كانوا يقاتلون به إنما كان ظلماً وعدواناً لامسوغ له ، وذلك في قوله في الآية : (بِأنَّهُمْ ظَلمُوا) فالمؤمنون في مكة لم يكونوا ظالمين ولا متعسفين، إنما كانوا يدافعون عن عقيدة ، ويدعون قومهم إلى التحرر من الأوهام والخرافات ، ومساوئ الاخلاق .


3- وفي الآية الثانية تصريح بالحقائق التاريخية التي وقع فيها الأضطهاد ، وذلك أن هؤلاء المؤمنين الذين أذن لهم بالقتال كانوا قد أخرجوا من ديارهم ، وليس هنالك ظلم أشد من إخراج الإنسان من وطنه ، وتشريده عن أرضه .


4- وفي الآية نفسها بيان للسبب الذي من أجله أخرج هؤلاء المؤمنون من ديارهم ، وهو أنهم خالفوا قومهم في اعتناق الوثنية وعبادة الآلهة الباطلة ، وعبدوا الله الواحد فالقوم كانوا مضطهدين من أجل العقيدة ، لا تريد قريش أن تكون لهم حريتهم فيها .


5- وما دام المؤمنون كانوا لا يملكون حرية الاعتقاد ، فالقتال الذي شرع ، إنما هو لتأمين هذه الحرية التي هي أغلى ما يعتز به الانسان من قيم في هذه الحياة .


6- ثم بين الله أن هذا القتال الذي شرع للمؤمنين ليست فائدته في تأمين الحرية الدينية لهم وحدهم ، بل يستفيد منها أتباع الديانات السماوية الأخرى ، وهي اليهودية والنصرانية ، فإن المسلمين كانوا يؤمئذ يقاتلون وثنيين لا دين لهم ، فإذا قويت شوكتهم استطاعوا أن يحموا أماكن العبادة لليهود والنصارى مع حمايتهم للمساجد، كي لا يستلي الوثنيون والملحدون فيحاربوا الديانات الإلهية ، ويغلقوا أماكن العبادة لها ، وذلك واضح في قوله تعالى في تلك الآية : ( وَلولا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبِعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً) .


والصوامع: هي أماكن الخلوة للرهبان ، وتسمى الاديرة . والبيع : هي كنائس النصارى ، والصلوات : هي كنائس اليهود . وبذلك يتبين بوضوح أن القتال في الاسلام ليس لمحو الديانات السماوية وهدم معابدها ، بل لحماية هذه الديانات من استعلاء الملحدين والوثنين عليها ، وتمكنهم من تدميرها وإغلافها .


7- وفي الآية الثالثة تصريح بالنتائج التي تترتب على انتصار المؤمنين في هذا القتال المشروع ، فهي ليست استعمار الشعوب ، ولا أكل خيراتها ، ولا انتهاء ثرواتها ، ولا إذلال كراماتها ، وإنما هي نتائج في مصلحة الانسانية ولفوائد المجتمعات ، فهي :


أ- لنشر السمو الروحي في العالم عن طريق العبادة (ِأقَامُو الصَلاةَ).


ب – ولنشر العدالة الاجتماعية بين الشعوب عن طريق الزكاة (وآتَوُا الزَّكَاةَ) .


ج – ولتحقيق التعاون على خير المجتمع وكرامته ورقية ( وَأمَرُوا بِالمَعْرُوفِ )


د- وللتعاون على مكافحة الشر والجريمة والفساد ( وَنَهَوْا عَن ِالمُنْكَرِ) .


تلك هي النتائج التي تترتب على انتصار المؤمنين في قتالهم مع أعدائهم ، من إقامة دولة إسلامية تعمل على سمو الروح ، و تكافل المجتمع ، ورقي الإنسان عن طريق الخير ، ومنع انحداره عن طريق الشر فأيه غاية إنسانية أنبل من هذه الغاية التي شرع من أجلها القتال في الإسلام ، واي قتال عرفته الأمم في القديم والحديث يساوي هذه الغاية في عموم الفائدة للناس جميعاً وبناء المجتمعات على ما يؤدي إلى رقيها وتطورها تطورا إنسانياً بناء ، لا رجوع فيه إلى عهد الجاهلية الأولى ، من الإباحية والأنحلال ، والالحاد ، الحروب ، وسفك الدماء كما هو شأن التطور الذي يتم في ظل هذه الحضارة الغربية المادية .


وإذا عرفنا أهداف الاسلام وغاياته من إباحة القتال ، عرفنا معنى أن في سبيل الله ،فالجهاد في سبيل الله هو جهاد لتحقيق الخير والسلام والسمو والعدل في المجتمعات ، وسبيل الله طريقه ، والطريق إلى الله لا يكون إلا عن طريق الخير والحب والتعاون على البر والتقوى ، لا على الاثم و العدوان



ح ـلــم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-16-2011, 11:21 PM   #3
 
الصورة الرمزية ح ـلــم
افتراضي رد: في معارك الرسول الحربية

تابع فيما بقي من معارك الرسول الحربية رقم 3



1- كانت أولى المعارك بدرأً ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج لاعتراض قافلة قريش في عودتها من الشام إلى مكة ، ولكن القافلة نجت ، وكان المشركون قد صمموا على القتال ، فكان من أمر المعركة ما ذكرناه . واعتراض قافلة قريش لا يدل على الرغبة في أخذ الأموال وقطع الطريق ، كما يدعي الأفاكون من المستشرقين ، بل كان من بواعثه الاقتصاص من قريش لأخذ أموالها لقاء ما أخذت من أموال المؤمنين المهاجرين . فقد أجبرتهم أو أكثرهم على ترك دورهم وأراضيهم وأموالهم ، ومن علمت بهجرته بعد غيابه عن مكة باعت له دوره واستولت على أمواله ، فشريعة المعاملة بالمثل المتعارف بها اليوم من القوانين الدولية تبيح مثل هذا العمل ، كما هو الشأن بيننا وبين إسرائيل ومن المهم أن نلاحظ أنه سبقت غزوة بدر سبع محاولات لأعتراض عير قريش ، وكان الذي يخرجون فيها من المهاجرين فحسب ، ولم يرسل فيها أنصارياً واحداً ،ذلك لأن هؤلاء المهاجرين إن اعترضوا قافلة قريش ، واستولوا عليها ، فإنما يفعلون ذلك عن حق مشروع في جميع القوانين الإلهية ، والشرائع الوضعية ونشير إلى هذه المحاولات السبع ، وهي :


1- بعث حمزة على رأس سبعة أشهر من الهجرة و سرية عبيدة بن الحارث على رأس ثمانية أشهر منها ، و سرية سعد بن أبي وقاص على رأس تسعة أشهر منها ، و " غزوة ودان " على رأس اثني عشر شهراً منها ، و " غزوة بواط " على رأس ثلاثة عشر منها ، و " غزوة بدر الأولى " في الشهر الثالث عشر أيضاً ، و " غزوة العشيرة " على رأس ستة عشر من الهجرة ، كل هذه السرايا والغزوات كانت مؤلفة من المهاجرين فحسب ، ليس فيهم أنصاري واحد ، هذا يؤكد ما قلناه.


2- إن النصر في المعارك لا يكون بكثرة العدد ، ووفرة السلاح ، وإنما يكون بقوة الروح المعنوية لدى الجيش ، وقد كان الجيش الاسلامي في هذه المعارك يمثل العقيدة النقية والإيمان المتقد ، والفرح بالاستشهاد ، والرغبة في ثواب الله وجنته ، كما يمثل الفرحة من الانعتاق من الضلال ، والفرقة ، والفساد ، بينما كان جيش المشركين يمثل فساد العقيدة ، وتفسخ الاخلاق ، وتفكك الروابط الاجتماعية ، والانغماس في الملذات ، والعصبية العمياء للتقاليد البالية ، والآباء الماضين ، والآلهة المزيفة .


انظر إلى ما كان يفعله الجيشان قبل بدء القتال ، فقد حرص المشركون قبل بدء معركة بدر على أن يقيموا ثلاثه أيام يشربون فيها الخمور ، وتغني لهم القيان ، وتضرب لهم الدفوف ، وتشعل عندهم النيران لتسمع العرب بما فعلوا فتهابهم ، وكانوا يظنون ذلك سبيلاً إلى النصر ، بينما كان المسلمون قبل بدء المعركة يتجهون إلى الله بقلوبهم ، يسألونه النصر ، ويرجونه الشهاة ، ويشمون روائح الجنة ، ويخر الرسول ساجداً مبتهلا يسأل الله أن ينصر عبادة المؤمنين ، وكانت النتيجة أن انتصر الاتقياء الخاشعون وانهزم اللاهون العابثون .


والذي يقارن بين أرقام المسلمين المحاربين ، وبين أرقام المشركين المحاربين في كل معركة ، يجد أن المشركين اكثر من المسلمين اضعافاً مضاعفة ، ومع ذلك فقد كان النصر للمسلمين ، حتى في معركتي أحد وحنين حيث انتصر فيها المسلمون ، ولولا ما وقع من أخطاء المسلمين في هاتين المعركتين ومخالفتهم لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما لقي المسلمون هزيمة قط .


3- إن شدة عزائم الجيش واندفاعه في خوض المعركة ، وفرحة بلقاء عدوه مما يزيد القائد إقداماً في تنفيذ خطته ، وثقته بالنجاح والنصر ، كما حدث في معركة بدر


4 ـ إن على القائد ألا يكره جيشه على القتال ، وخوض المعارك إذا كانوا غير راغبين ومتحمسين حتى يتأكد من رضاهم وتحمسهم ،كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم من استشارة أصحابه يوم بدر قبل خوض المعركة .


5- إن احتياط الجنود لحياة قائدها أمر تحتمه الرغبة في نجاح المعركة الدعوة ، وعلى القائد أن يقبل ذلك ، لان في حياته حياة الدعوة ، وفي فواتها خسارة المعركة .


وقد رأينا في معركة بدر كيف رضي صلى الله عليه وسلم ببناء العريش له ، ورأينا في بقية المعارك : " أحد " و " حنين " و كيف كان المؤمنون الصادقون والمؤمنات الصادقات يلتفون جمياً حول رسولهم ، ويحمونه من سهام الأعداء ، بتعريض أنفسهم لها ، ولم يعرف عنه صلى الله عليه وسلم أنه أنكر ذلك مع شجاعته وتأييد الله له ، بل أثنى على هؤلاء الملتفين حوله ، كما رأينا في ثنائه على نسيبة أم عمارة ، ودعائه لها بأن تكون هي زوجها وأولادها رفقاءه في الجنة.


6- إن الله تبارك وتعالى يحيط عباده المؤمنين الصادقين في معاركهم بجيش من عنده ، كما أنزل الملائكة يوم بدر ن وأرسل الريح يوم الاحزاب . وما دام هؤلاء المؤمنون يحاربون في سبيله ، فكيف يتخلى عنهم وهو الذي قال : ( وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ ) [ الروم : 47 ] وقال : ( إنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الذِينَ آمَنُوا ) [ الحج : 38 ] .


7ـ إن من طبيعة الداعية الصادق أن يحرص على هداية أعدائه ، وأن يفسح لهم المجال لعل الله يلقي في قلوبهم الهداية ،ومن هنا نفهم سر ميل الرسول إلى فداء الأسرى يوم بدر ، فقد كان يرجو أن يهديهم الله ، وان تكون لهم ذرية من بعدهم تعبد الله وتدعو إليه ، وإذا كان القرآن الكريم قد عاتب الرسول على ذلك ، فلأن هناك مصلحة أخرى للإسلام يومئذ وهو إرهاب أعداء الله والقضاء على رؤوس الفتنة والضلالة ،ولو قتل الأسرى يوم بدر لضعفت مقاومة قريش للقضاء على زعمائها ومؤججي نار الفتنة ضد المؤمنين .


ويلوح لي سر آخر في قبول الرسول أمر الفداء ، وهو أن العباس عم الرسول كان من بين الأسرى ، وللعباس مواقف في نصرة الرسول قبل إعلان إسلامه ، فقد شهد معه بيعة العقبة الثانية سراً ، وكان يخبر الرسول عن كل تحركات قريش ، مما يؤكد عندي أنه كان مسلماً يكتم إسلامه ، فكيف يقتله الرسول وهذا شأنه معه ؟ ولو استثناه الرسول من بين الأسرى لخالف شريعته في تحريم قتل المسلم إن كان العباس مسلماً . وإن كان مشركاً . فشريعته لا تفرق بين قريب وبعيد في الوقوف موقف الحزم والعداء من كل من يحارب الله ورسوله ، ولا غتنمها المشركون والمنافقون فرصة للتشهير به ، وليس ذلك من مصلحة الدعوة في شيء .


8- إن مخالفة أمر القائد الحازم البصير يؤدي إلى خسارة المعركة ،كما حصل في وقعة أحد، فلو أن رماة النيل الذين أقامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف جيشه ثبتوا في مكانهم كما أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم لما استطاع المشركون أن يلتفوا من حولهم ويقلبوا هزيمتهم أول المعركة إلى نصر في آخرها . وكذلك يفعل العصيان في ضياع ونصر الاعداء ، وقد أنذر الله المؤمنين بالعذاب إن خالفوا أمر رسولهم ، فقال : ( فَلْيَحَذَر ِالذِينَ يُخَالِفُونَ عَنَ أمْرِهِ أنْ تَصِيِبهُمْ فِتْنَة أو يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ ) [ النور : 63 ] .


9- والطمع المادي في المغانم وغيرها يؤدي إلى الفشل فالهزيمة ، كما حصل في معركة أحد حين ترك الرماة مواقفهم طمعاً في إحراز الغنائم ، وكما حصل في معركة حنين حين أنتصر المسلمون في أولها . فطمع بعضهم في الغنائم ، وتركوا تتبع العدو ، مما أدى إلى عودة العدو وهجومه على المسلمين ،فانهزموا ، ولولا ثبات الرسول والمؤمنين الصادقين حوله ، لما تحولت الهزيمة بعد ذلك إلى نصر مبين ، وكذلك الدعوات يفسدها ويفسد أثرها في النفوس طمع الداعين إليها في مغانم الدنيا ، واستكثارهم من مالها وعقارها وأراضيها . إن ذلك يحمل الناس على الشك في صدق الداعية فيما يدعو اليه ، وإلى اتهامه بأنه لا يقصد من دعوته وجه الله عز وجل ، إنما يقصد جمع حطام الدنيا باسم الدين والإصلاح ،ومثل هذا الاعتقاد في أذهان الناس صد عن دين الله ، وإساءة إلى كل من يدعو إلى الإصلاح عن صدق وإخلاص .


10- وفي ثبات نسيبة أم عمارة ، ووقوفها وزوجها وأولادها حول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انكشف المسلمون يوم أحد . دليل من الأدلة المتعددة على إسهام المرأة المسلمة بقسط كبير من الكفاح في سبيل دعوة الإسلام ، وهو دليل على حاجتنا اليوم أن تحمل المرأة المسلمة عبء الدعوة إلى الله من جديد ، لتدعو إلى الله في أوساط الفتيات والزوجات والأمهات ، ولتنشيء في أطفالها حب الله ورسوله ، والاستمساك بالإسلام وتعليمه ، والعمل لخير المجتمع وصلاحة .


وما دام ميدان الدعوة شاغراً من الفتاة المسلمة الداعية ، أو غير ممتلئ بالعدد الكافي منهن ، فستظل الدعوة مقصرة في خطاها ، وستظل حركة الإصلاح عرجاء حتى يسمع نصف الأمة وهن النساء ،دعوة الخير ، ويستقيظ في ضمائرهن وقلوبهن حب الخير والاقدام على الدين ،و الاستمساك بعروته والوثقى . .


11- وفي إصابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجراح يوم أحد عزاء للدعاة فيما ينالهم في سبيل الله من أذى في أجسامهم ، وأضطهاد لحرياتهم بالسجن والاعتقال ، أو قضاء على حياتهم بالاعدام والاغتيال ، وقد قال الله تعال في كتابه الكريم ( آلم . أَحَسِبَ النَّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَليَعْلمَنَّ اللهُ الذِينَ صَدَقُوا وَليَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ ) [ العنكبوت2،3 ]


12- وفيما فعله المشركون يوم أحد من التمثيل بقتلى المسلمين ، وبخاصة حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم ، دليل واضح على خلو أعداء الاسلام من كل إنسانية وضمير فالتمثيل بالقتلى لا يؤلم القتيل نفسه ، إذ الشاة المذبوحة لا تتألم من السلخ ، ولكنه دليل على الحقد الأسود الذي يملاً نفوسهم ، فيتجلى في تلك الأعمال الوحشية التي يتألم منها كل ذي وجدان حي ، وضمير إنساني .


كذلك رأينا المشركين يفعلون بقتلي المسلمين يوم أحد ، وكذلك رأينا اليهود يفعلون بقتلانا في معارك فلسطين ، وكلا الفريقين يصدرون عن ورد واحد نابع من حنايا نفوسهم التي لا تؤمن بالله واليوم الآخر ، ذلك هو الحقد على المستقيمين في هذه الحياة من المؤمنين إيماناً صحيحاً صادقاً بالله ورسله واليوم الآخر .


وفي قبول الرسول صلى الله عليه وسلم إشارة الحباب بن المنذر بالتحول من منزله الذي اختاره للمعركة يوم بدر ، وكذلك في قبول استشارته مثلا واضحا ، لهؤلاء الذين يزعمون لأنفسهم من الفضل في عقولهم وبعد النظر في تفكيرهم ما يحملهم على احتقار إدارة الشعب ، والتعالي عن استشارة عقلائه وحكمائه ومفكريه ، إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علم الله منه اكمل الصفات ما أهله لحمل أعباء آخر رسالاته واكمالها يقبل رأي أصحابه الخبيرين في الشؤون العسكرية ، وفي طبيعة الأراضي التي تتطلبها طبيعة المعركة دون أن يقول لهم: إني رسول الله ،وحسب أن آمر بكذا ، وأنهي عن كذا ، إذا قيل منهم ،وآراءهم فيما لم ينزل عليه وحي ، فكيف بالمتسلطين الذين رأينا كثيراً منهم لا يتفرق على الناس بعقل ولا علم ولا تجربه ، بل بتسلطه على وسائل الحكم بعد أن تواتيه الظروف في ذلك ؟ كيف بهؤلاء الذين هم أدنى ثقافة وعلماً وتجربه من كثير ممن يحكمونهم ، ألا يجب عليهم أن يستشيروا ذوي الآراء ، ويقبلوا بنصيحة الناصحين وحكمه المجربين .


إن حوادث التاريخ القريب والبعيد دلتنا على أن غرور الديكتاتوريين قضى عليهم وعلى أمتهم ، وهوى بالأمة منحدر سحيق يصعب الصعود منه إلا بعد عشرات السنين أو مئاتها ، ففيما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم من قبول مشورة الحباب في بدر وخيبر قدوة لكل حاكم مخلص ، ولكل قائد حكيم ، ولكل داعية صادق .


وإن من أبرز شعارات الحكم في الاسلام هو الشورى ( وَأمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ) [ الشورى : 36 ] وأبرز صفات الحاكم المسلم الخالد في التاريخ هو الذي يستشير ولا يستبد ، ويتداول الرأي مع ذوي الاختصاص في كل موضوع يهمه أمره ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ ) [ آل عمران : 159 ] . ( فَاسْئَلُوا أُهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلمُونَ ) [ النحل : 43 والأنبياء :7] .


14- وفي تقدمه الصفوف في كل معركة وخوضه غمارها معهم إلا فيما يشير به أصحابه ، دليل على أن مكان القيادة لا يحتله إلا الشجاع المتثبت ، وأن الجبناء خائري القوى لا يصلحون لرئاسة الشعب ، ولا لقيادة الجيوش ،ولا لزعامة حركة الإصلاح ودعوات الخير ، فشجاعة القائد والداعية بفعله وعلمه يفيد في جنوده وأنصاره في إثارة حماسهم وان دفعاهم ما لا يفيد ألف خطاب حماسي يلقونه على الجاهير . ومن عادة الجنود والأنصار أن يستمدوا قوتهم من قوة قائدهم ورائدهم ، فذا جبن في مواقف اللقاء ، وضعف في مواطن الشدة ، أضر بالقضية التي يحمل لواءها ضراً بالغاً .


15- على الجنود وأنصار الدعوة ألا يخالفوا القائد الحازم البصير في أمر يعزم عليه ،فمثل هذا القائد وهو يحمل المسؤولية الكبرى ، جدير بالثقة بعد أن يبادلوه الرأي ، ويطلعوه على ما يرون ، فإن عزم بعد ذلك على أمر ، كان عليهم أن يطيعوه ، كما حصل بالرسول يوم صلح الحديبية ، فقد اختار الرسول صلى الله عليه وسلم شروط الصلح ، وتبين أنها كانت في مصلحة الدعوة ، وأن الصلح كان نصراً سياسياً له ، وأن عدد المؤمنين بعد هذا الصلح ازداد في سنتين أضعاف من أسلم قبله ، هذا مع أن الصحابة شق عليهم بعض هذه الشروط ، حتى خرج بعضهم عن حدود الأدب اللائق به مع رسول الله وقائده وقد حصل مثل ذلك بأبي بكر يوم بدأت حوادث الردة ، فقد كان رأي الصحابة جميعاً ألا يخرجوا لقتال المرتدين ، وكان رأي أبي بكر الخروج ،ولما عزم أمره على ذلك أطاعوه فنشطا للقتال ، وتبين أن الذي عزم عليه أبو بكر من قتال المرتدين هو الذي ثبت الإسلام في جزيرة العرب ، ومكن المؤمنين أن ينساحوا في أقطار الأرض فاتحين هادين مرشدين .


16- ومما طلبه الرسول صلى الله عليه وسلم من نعيم بن مسعود ، أن يخذل بين الأحزاب ما استطاع في " غزوة الأحزاب " دليل على أن الخديعة في حرب الأعداء مشروعة إذا كانت تؤدي إلى النصر ، وأن كل طريق يؤدي إلى النصر وإلى الإقلال من سفك الدماء مقبول في نظر الاسلام ، ما عدا الغدر و الخيانة ، وهذا من حكمته السياسية والعسكرية صلى الله عليه وسلم ،وهو لا ينافي مبادئ الاخلاق الاسلامية ، فإن المصلحة في الاقلال من عدد ضحايا الحروب مصلحة إنسانية


والمصلحة في أنهزام الشر والكفر والفتنة مصلحة إنسانية وأخلاقية ، فاللجوء إلى الخدعة في المعارك يلتقي مع الأخلاق الانسانية التي ترى في الحروب شراً كبيراً ، فإذا اقتضت الضرورة قيامها ، كان من الواجب إنهاؤها عن أي طريق كان ، لأن الضرورة تقدر بقدرها ، والله لم يشرع القتال إلا لحماية دين أو أمة أو أرض ، فالخدعة مع الأعداء بما يؤدي إلى هزيمتهم ، تعجيل بانتصار الحق الذي يحاربه أولئك المبطلون . ولذلك أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم في " غزوة الأحزاب " قوله لعروة ابن مسعود :" الحرب خدعة " وهذا مبدأ مسلم به في جميع الشرائع والقوانين .



ح ـلــم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-16-2011, 11:22 PM   #4
 
الصورة الرمزية ح ـلــم
افتراضي رد: في معارك الرسول الحربية

17 – وفي قبوله صلى الله عليه وسلم إشارة بحفر الخندق ، وهو أمر لم تكن تعرفه العرب من قبل ، دليل على أن الاسلام لا يضيق ذرعاً بالاستفادة مما عند الأمم الأخرى من تجارب تفيد الأمة وتنفع المجتمع فلا شك أن حفر الخندق أفاد إفادة كبرى في دفع خطر الأحزاب عن المدينة ،وقبول رسول الله هذه المشورة ، دليل على مرونته صلى الله عليه وسلم ، واستعداده لقبول ما يكون عند الأمم الأخرى من أمور حسنة ، وقد فعل الرسول مثل ذلك أكثر من مرة ، فلما أراد إنفاذ كتبه إلى الملوك والأمراء والرؤساء قيل له : أن من عادة الملوك ألا يقبلوا كتاباً إلا إذا كان مختوماً باسم مرسله ، فأمر على الفور بنقش خاتم له كتب عليه : محمد رسول الله ، وصار يختم به كتبه ، ولما جاءته الوفود من أنحاء العرب بعد فتح مكة تعلن إسلامها ، قيل له : يا رسول الله إن من عادة الملوك والرؤساء أن يستقبلوا الوفود بثياب جميلة فخمة ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تشترى له حلة ، قيل : إن ثمنها بلغ أربعمائة درهم ، وقيل : أربعمائة بعير ، وغدا يستقبل بها الوفود ، وهذا هو صنيع الرسول الذي أرسل بآخر الأديان وأبقاها إلى أبد الدهر ، فان مما تحتمه مصلحة أتباعهه في كل زمان وفي كل بيئة أن يأخذوا بأحسن ما عند الأمم الأخرى ، مما يفيدهم ، ولا يتعارض مع أحكام شريعتهم وقواعدها العامة ، والامتناع عن ذلك جمود لا تقبله طبيعة الاسلام الذي يقول في دستوره الخالد : ( فَبَشِّرْ عِبَادِ ، الذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ )[ الزمر : 18.17 ] ولا طبيعة رسوله رأينا أمثلة عما أخذ من الامم الاخرى ، وهو القائل : " الحكمة ضالة المؤمن يتلمسها أني وجدها " ويوم غفل المسلمون في العصر الأخير ، وخاصة بعد عصر النهضة الاوروبية عن المبدأ العظيم في الاسلام ، وقاموا كل إصلاح مأخوذ عن غيرهم مما هم في أشد الحاجة . اليه ، أصيبوا بالانهيار ، وتأخروا من حيث تقدم غيرهم ( وَللهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ ) [ الحج : 41] .






18 ـ ومن صايا رسول الله صلى الله عليه وسلم للجيش الإسلامي في " غزوة مؤتة " طابع الرحمة الإنسانية في قتال الإسلام ، فهو لا يقتل من لا يقاتل ، ولا يخزي ما يجده في طريقه إلا لضرورة ماسة ، وقد التزم أصحابه من بعده والمسلمون في مختلف العصور ، بعد ذلك هذه الوصايا ، فكانت حروبهم أرحم حروب عرفها التاريخ ،وكانوا وهم محاربون أشد رحمة من غيرهم وهم مسالمون ، والتاريخ قد سجل للمسلمين صفحات بيضاء في هذا الشأن ، كما سجل لغيرهم صفحات سوداء ، ولا يزال يسجلها حتى اليوم ،ومن منا لا يعرف الوحشية التي فتح بها الصليبيون بيت المقدس ، والإنسانية الرحيمة التي عامل بها صلاح الدين الفرنجة حين استردها ، ومن منا لا يذكر وحشية الأمراء والجنود الصليبيين حين استولوا على بعض العواصم الإسلامية ، كطرابلس ، والمعرة وغيرها ، مع رحمة الأمراء والجنود المسلمين حين استردوا تلك البلاد من أيدي محتليها الغاصبين ، ونحن اليوم نعيش في عصر النفاق الأوروبي في أدعاء الحضارة والرحمة الإنسانية وحب الخير للشعوب ، وهم يخربون البلاد ، ويسفكون دماء العزل من الشيوخ والنساء والأطفال ، ولقد عشنا ـ بكل أسف ـ عصر قيام إسرائيل على أرض فلسطين السليبة ، وعلمت الدنيا فظائع اليهود الهمجية الوحشية في دير ياسين ، وقبية ، وحيفا ، ويافا ، وعكا ، وصفد وغيرها من المدن والقرى ، ومع ذلك فهم يدعون الانسانية ، ويعملون عكسها ،ونحن نعمل للإنسانية ، ولا نتشدق بها ، ذلك أننا شعب نحمل في نفوسنا حقاً أجمل المبادئ الأخلاقية في السلم والحرب وننفذها براحة ضمير واطمئنان ، بينما هم مجردون من هذه المبادئ داخل نفوسهم ، فلا يجدون غير المناداة بها نفاقاً وتخديراً ، نحن شعب نؤمن بالله القوي الرحيم ، فلا تكون قوتنا إلا رحمة ، وهم شعب يرون من النفاق أن ينكروا علينا وصف الله بالقوة والبطش ، زاعمين أنهم ينعتونه بالحب والرحمة ، فما كان لعلاقتهم من الشعوب وحروبهم مع المسلمين ومع أعدائهم من أبناء ملتهم أثر لهذا الحب ولهذه الرحمة ، نحن شعب ما كانت حروبنا إلا لخير الإنسانية ، فكنا أبر الناس بها ، وهم قوم ما كانت حروبهم إلا للغزو والسلب والتسلط والاستعمار ،فكانوا أعدى الناس لها .






ومع ذلك فنحن اليوم في حروبنا معهم إنما ندافع عن أرض وحق وكرامة ،فلن يجدينا التغني بمبادئنا مع قوم لا يفهمون مبادئ الرحمة والشرف والإنسانية ، بل يجب علينا أن نستمر في كفاحنا لهم ، متمسكين في معاركنا معهم بمبادئ رسولنا وشريعتنا حتى يحكم الله بيننا وبينهم ، وهو أحكم الحاكمين .






19 ـ إن الجيش إذا كان غير متساوي في الحماس والإيمان والإخلاص ، بل كان فيه المتخاذلون والمرتزقة والمتهاونون ، لا يمكنه أن يضمن النصر على اعدائه ، كما حصل في " غزوة حنين "، وكذلك شأن الدعوات لا يمكنها أن تعتمد على كثرة المصفقين لها ، بل على عدد المؤمنين بها المضحين في سبيلها .






20 ـ ودرس آخر نستفيده من سيرة الرسول في حروبه ومعاركه ، هو موقفه من اليهود ، وموقف اليهود منه ومن دعوته ، فلقد حرص الرسول أول مقامه بالمدينة أن يقيم بينه وبينهم علاقة سلم ، وأن يؤمنهم على دينهم وأموالهم ،وكتب لهم بذلك كتاباً ، ولكنهم قوم غدر ، فما لبثوا غير قليل حتى تآمروا على قتله ، مما كان سبباً في " غزوة بني النضير" ثم نقضوا عهده في أشد المواقف حرجاً " يوم الأحزاب " مما كان سبباً في "غزوة بني قريظة " ، ثم تجمعوا من كل جانب يهيئون السلاح ويبيتون الدسائس ، ويتجمعون ليقضوا في غدر وخسة على المدينة والمؤمنين فيها ، مما كان سبباً في " غزوة خيبر " .






هؤلاء قوم لا تنفع معهم الحسنى ، ولا يصدق لهم وعد ، ولا يستقيم لهم عهد فهل كان على النبي من حرج فيما فعله بهم ؟ وهل كان عليه أن يتحمل دسائسهم وخياناتهم ونقضهم للعهود فيعيش هو وأصحابه دائماً في جو من القلق والحذر وانتظار الفتنة والمؤامرات ؟ لقد ضمن النبي صلى الله عليه وسلم بحزمه معهم حدود دولته الجديدة ، وانتشار دعوته في الجزيرة العربية كلها ، ثم من بعد ذلك إلى أرجاء العالم ولا يلوم النبي على حزمه معهم إلا يهودي أو متعصب أو استعماري وها هي سيرة اليهود في التاريخ بعد ذلك ، ألم تكن كلها مؤامرات ودسائس وإفساداً وخيانة ؟ ثم ها هي سيرتهم في عصرنا الحديث هل هي غير ذلك ؟ ولقد كان فينا قبل حرب فلسطين وقيام اسرائيل فيها من يخدع بمعسول كلامهم فيدعو إلى التعاون معهم ، وكان فينا من يساق إلى دعوة التعاون معهم من قبل أصدقائهم من الدول الكبرى ، وكانت نتيجة ذلك التخاذل في معالجة قضية فلسطين ، أما بعد ذلك فلا يوجد من يغتر بهم ، وليس لنا سبيل التخلص من شرهم إلا حزم كحزم الرسول صلى الله عليه وسلم في معاملتهم لنطمئن على بلادنا ولنتفرغ لدورنا الجديد المقبل في حمل رسالة الاسلام والسلام إلى شعوب الأرض قاطبة . تلك أمانة نؤديها بصدق وإيمان إلى الجيل الجديد عساه يستطيع أن يفعل ما لم يستطيع فعله جيلنا المتخاذل .








21- وفي غزوة مؤتة كان أول لقاء بين المسلمين والروم ، ولولا أن العرب الغساسنة قتلوا رسول رسول الله إلى أمير بصرى ، لكان من الممكن أن لا يقع الصدام ، ولكن قتل رسوله إلى أمير بصرى يعتبر عملاً عدائياً في جميع الشرائع ، ويدل على عدم حسن الجوار ، وعلى تثبيت الشر من هؤلاء عمال الروم وصنائعهم ، ولذلك رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إرسال جيش مؤتة ليكون فيه إنذار لهم ولسادتهم الروم بقوة الدولة الجديدة واستعدادها للدفاع عن نفسها حتى لا يفكروا بالعدوان عليها ، ولما وصل المسلمون إلى مؤتة وجدوا جموعاً من الروم ومن العرب الخاضعة لحكمهم قدرها المؤرخون بمائتي ألف ، وكان أخو هرقل قد قاد هذا الجيش وعسكر في " مآب " قرب عمان اليوم ، مما يؤكد ما توقعه الرسول منهم في التصميم إلى مناجزة الدولة الجديدة والقضاء عليها توجساً من قيام دولة عربية مستقلة داخل الجزيرة العربية تكون نذيراً بانتهاء استعمارهم لبلادهم واستعبادهم لعربها القاطنين على حدودها مما يلي الحجاز ، وهكذا بدأت المعارك بين المسلمين والروم .






22- وفي غزوة تبوك أو العسرة آيات بينات على ما يفعله الإيمان الصادق في نفوس المؤمنين من إثارة عزائمهم للقتال واندفاع أيديهم في بذل المال ومن استعذابهم الحر والعناء والتعب الشديد في سبيل الله ومرضاته ، ولذلك لما تخلف ثلاثة من المؤمنين الصادقين في إيمانهم عن هذه الغزوة من غير عذر ، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمقاطعتهم ، فامتنع أزواجهم وآباؤهم عن مكالمتهم فضلاً عن جمهور المسلمين ، مما أضطر بعضهم إلى ربط نفسه بعمد المسجد ، وآخر إلى احتباس نفسه في البيت ، حتى تاب الله عليهم بعد أن أخذ المسلمون درساً بليغاً فيمن يتخلف عن أداء الواجب لغير عذر ، إلا أن يؤثر الراحة على التعب ، والظل الظليل على حر الشمس وشدتها .






23- أما فتح مكة ، ففيها من الدروس والعظات ماتضيق عن شرحه هذه الصفحات القائلة ، ففيها نجد طبيعة الرسول صلى الله عليه وسلم الداعية الذي لا يجد الحقد على مقاوميه ، فقد من عليهم بعد كفاح استمر بينه وبينهم إحدى وعشرين سنة لم يتركوا فيها طريقاً للقضاء عليه وعلى أتباعه وعلى دعوته إلا سلكوها ، فلما تم له النصر عليهم ، وفتح عاصمة وثنيتهم ، لم يزد على أن استغفر لهم ، وأطلق لهم حريتهم ، وما يفعل مثل هذا ولا فعله في التاريخ أحد، ولكن يفعله رسول كريم لم يرد بدعوته ملكاً ولا سيطرة ، وإنما أراد له الله أن يكون هادياً وفاتحاً للقلوب والعقول ، ولهذا دخل مكة خاشعاً شاكراً الله ، لا يزهو كما يفعل عظماء الفاتحين .






24- وفيما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة حكمة أخرى ، فقد علم الله أن العرب سيكونون حملة رسالته إلى العالم . فأبقى على حياة أهل مكة وهم زعماء العرب ليدخلوا في دين الله ، ولينطلقوا بعد ذلك إلى حملة رسالة الهدى والنور إلى الشعوب ، ويبذلون من أرواحهم وراحتهم ونفوسهم ما أنقذ تلك الشعوب من عمايتها ، وأخراجها من الظلمات إلى النور .






25- وآخر ما نذكره من دروسها ودروس معاركة الحربية ، هي العبرة البالغة بما وصلت اليه دعوة الله من نصر في أمد لا يتصوره العقل ، وهذا من أكبر الأدلة على أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى أن الاسلام دعوة الله التي تكفل بنصرها ونصر دعاتهم والمؤمنين بها والحاملين للوائها ، وما كان لله أن يتخلى عن دعوته وهي حق ورحمة ونور ، والله هو الحق وهو الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء ، والله نور السموت والأرض ، فمن يستطيع أن يطفئ نور الله ! . وكيف يرضى للباطل أن ينتصر النصر الأخير على الحق ، وللهمجية والقسوة والفساد أن تكون لها الغلبة النهائية على الرحمة والصلاح . ولقد أصاب رسول الله والمسلمين جراح في معركتي أحد وحنين ، ولا بد في الدعوة من ابتلاء وجراح وضحايا ( وَليَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنْصُرُهُ ، إنَّ اللهَ لقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) [ الحج : 40 ]




ح ـلــم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-16-2011, 11:33 PM   #5
 
الصورة الرمزية abuzeed
افتراضي رد: في معارك الرسول الحربية

صل الله عليه وسلم
كل حياته عبر ودروس




التعديل الأخير تم بواسطة الشبح الراقي ; 10-17-2011 الساعة 09:21 PM.
abuzeed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-17-2011, 12:37 AM   #6
 
الصورة الرمزية أبو عبدالمحسن
 

أبو عبدالمحسن هو اسم معروف للجميعأبو عبدالمحسن هو اسم معروف للجميعأبو عبدالمحسن هو اسم معروف للجميعأبو عبدالمحسن هو اسم معروف للجميعأبو عبدالمحسن هو اسم معروف للجميعأبو عبدالمحسن هو اسم معروف للجميع
افتراضي رد: في معارك الرسول الحربية

صلّ الله عليه وسلم
جزاك الله الجنه



أبو عبدالمحسن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-17-2011, 12:49 AM   #7
 
الصورة الرمزية بحر جده
 

بحر جده سوف تصبح مشهورا في وقت قريب بما فيه الكفاية
افتراضي رد: في معارك الرسول الحربية

اللهم صل وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد ابن عبدالله أفضل الصلاة وأتم التسليم
بارك الله فيك
وجزاك الله الجنه على ماخطته يداك




التعديل الأخير تم بواسطة الشبح الراقي ; 10-20-2011 الساعة 10:54 PM. سبب آخر: خطأ املائي
بحر جده غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-17-2011, 08:28 PM   #8
 
الصورة الرمزية ح ـلــم
افتراضي رد: في معارك الرسول الحربية

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة abuzeed مشاهدة المشاركة
صلى الله عليه وسلم
كل حياته عبر ودروس
مرورٌكريم..



ح ـلــم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس

إضافة رد





الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معارك وغزوات في شهر الانتصارات مناار الخيمة الرمضانية 1444هـ 1 06-22-2016 02:07 PM
مصرع قائد الطائرة الحربية التي سقطت بالخُبَر فهد الغامدي المواضيع العامة 2 12-05-2012 10:21 AM
قصص معارك جنودنا الأبطال على لسان احدهم سيبيرف المواضيع العامة 10 01-31-2010 10:09 PM
امجاد بلقرن - معارك من دم ::::: بوابة بني بحير بلقرن حجاز بلقرن بني بحير بلقرن تاريخ وحضارة 2 04-24-2009 04:21 PM
صور تحطم البارجه الحربية abuzeed المواضيع العامة 3 10-06-2008 02:53 PM

Rss  Rss 2.0  Html  Xml  Sitemap  دليل المنتديات


الساعة الآن 07:18 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
ارشفة ودعم SALEM ALSHMRANI
F.T.G.Y 3.0 BY: D-sAb.NeT © 2011
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات بني بحير بلقرن

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75