وطن العروبة والإسلام – لسعادة الدكتور / غيثان بن جريس الشهري

[حسن بن صموت]

وطن العروبة والإسلام – لسعادة الدكتور / غيثان بن جريس الشهري

كلمة المؤرخ الدكتور/ غيثان بن علي بن جريس بمناسبة اليوم الوطني 83 للمملكة العربية السعودية وقد خص بهذه الكلمة منتديات بني بحير





الحديث في هذا اليوم الغالي على قلوبنا ، وهو اليوم الوطني الذي اجتمعت فيه قلوب الناس على ملة واحدة وقيادة واحدة وبلاد موحدة . وقبل الإشارة إلى بعض المنجزات التي شهدتها هذه البلاد المباركة (المملكة العربية السعودية) بعد ملحمة التوحيد ، لا بد من الإشارة إلى بعض المحطات التاريخية التي عرفتها الجزيرة العربية منذ عصور قديمة، ونشير إلى بعضها في النقاط التالية :

أولاً : جزيرة العرب موطن الجنس العربي واللغة العربية، بل استوطنتها كبار القبائل العربية التي ورد ذكرها في كثير من مصادر التاريخ القديمة. كما عرفت هذه البلاد الكثير من العقائد السماوية والوضعية، وعاش فيها وتجول في أرجائها الكثير من الأنبياء والرسل (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

ثانياً : اختار الله عز وجل هذه البلاد العربية مكاناً للكعبة المشرفة، والدارس لتاريخ الأديان والكعبة يعرف كيف أُختيرت مكة المكرمة لتكون مقراً للكعبة المشرفة، وكيف تم بناء هذا البيت الحرام ، وما جرى له من هدم وبناء على مر تاريخ البشرية.

ثالثاً : توجت قدسية جزيرة العرب باختيار آخر الأنبياء منها، وهو نبينا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب الهاشمي عليه أفضل الصلاة والسلام ، فهو عربي كناني قرشي، والدارس لتاريخ قبيلة كنانة التي منها قريش، عشيرة الرسول (صلى الله عليه سلم) يدرك أنه عليه الصلاة والسلام من خيار العرب ومن خيار قبائلها، ومن خيار بيوتها، والدارس للقرآن الكريم والسنة النبوية وكتب السير ومصادر التاريخ الإسلامي يدرك فضل الله عز وجل على هذه البلاد العربية، فمنها ولد وتربى وابتعث خاتم الرسل ..

وفيها الكعبة المشرفة التي هي قبلة المسلمين قاطبة ، وفيها مات ودفن خاتم الرسل محمد بن عبد الله (عليه أفضل الصلاة والسلام) ، ومن ثم فالمسجد الحرام الذي يحتضن الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، والمسجد النبوي الذي يحتضن قبر الرسول (صلى الله عليه سلم) في المدينة المنورة أفضل وأطهر بقعتين على وجه الأرض .. وجميع هذه المزايا التي ذكرناها رفعت من شأن هذه البلاد وأهلها ، بل لا يوجد على وجه الأرض ما يضاهيها وبخاصة في عراقتها وقدسيتها .

رابعاً : المتتبع لتاريخ هذه البلاد منذ فجر الإسلام إلى عصرنا الحديث ، يجد أن أول عاصمة اسلامية كانت فيها ، وأن أنوار العقيدة الإسلامية انطلقت منها، وأن أبناءها الأوائل من الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين هم الذين حملوا لواء الإسلام إلى أصقاع المعمورة. والباحث عن مراحل انتشار الإسلام في الكرة الأرضية يجد أن أرض وسكان الجزيرة العربية كانوا وما زالوا المؤسسين الرئيسيين في نشر عقيدة التوحيد في كل مكان .

خامساً : الفاحص لتاريخ الجزيرة العربية منذ القرن الثاني للهجرة إلى عصرنا الحالي يلحظ أنه تعاقبت عليها قوى وحكومات إدارية وسياسية مختلفة، ولا تخلو تلك الفترات التاريخية من النهوض والانحدار ، إلا أنهم جميعاً كانوا يدينون بدين الإسلام، ومن ثم لو قارن سكان هذه البلاد في عصري الجاهلية والإسلام لوجدنا أن الدين الإسلامي كان الفاصل بين ذينك العصرين، ففي عهد ما قبل الإسلام كان هناك حكومات وقبائل وقوى سياسية إلاَّ أن عبادة الأصنام كانت هي المهيمنة على شئون حياتهم الاجتماعية والحضارية. أما في العهود الإسلامية فالإسلام هو شريعة الناس، لكن فقدان الأمن والفوضى كانت إلى حد ما ضاربة أطنابها في جميع أرجاء الجزيرة العربية.

سادساً : وفي أوائل العصر الحديث، وبخاصة في القرن (12هـ/18م) ظهرت الدعوة السلفية التي أسس كيانها كل من الشيخ/محمد بن عبدالوهاب والأمير محمد بن سعود ، ومن ثم تكونت الدولة السعودية الأولى التي مدت نفوذها على جميع أرجاء الجزيرة العربية، ثم جاءت فيما بعد الدولتين السعوديتين الثانية والثالثة، وصارتا على نهج الدعوة السعودية الأولى في ترسيخ مبادىء الدعوة السلفية.

سابعاً : يومنا الوطني الذي نحتفل به هذا اليوم هو نتاج هذه الحكومات السعودية الثلاث وإذا قارنا بين هذه الدول الثلاث لوجدنا أن الدولة السعودية الثالثة التي أسس كيانها الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل (يرحمه الله) كانت أفضل تلك الحكومات ، لأنه استطاع أن يوحِّد معظم أرجاء الجزيرة العربية تحت راية واحدة هي راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله )، وأيضاً استحدث لها اسم عام هو (المملكة العربية السعودية) . وهناك مئات الكتب والبحوث والرسائل العلمية التي فصلت الحديث عن الخطوات والمراحل التي سلكها الإمام عبد العزيز حتى صارت دولته دولة حديثة عصرية في قوانينها ونظمها وشرائعها المبنية على كتاب الله عز وجل وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم).

ثامناً : كوني أحد أبناء هذه البلاد ، ومتخصص في التاريخ منذ أربعين عاماً، واطلعت على آلاف الوثائق والمخطوطات والكتب التاريخية والحضارية فقد تأكد لدينا سياسة ابن سعود المبدعة وهي تمسكه بشرع الله في كل حركاته وسياساته مع الداخل والخارج والمتأمل في جميع اتفاقياته ووثائقه ورسائله التي بعثها أثناء تأسيس وبناء دولته تجده دائماً يؤكد فيها بشكل واضح على اتباع كل ما يتوافق مع القرآن والسنة، وخلاف ذلك فهو لا يرغبه ولا يوافق عليه، وهذا من وجهة نظري سر عظمة الرجل، وسر فوزه، ونجاحه في توحيد بلاد مترامية الأطراف.

تاسعاً : هذه النبذة المختصرة عن جزيرة العرب، التي تشغل أرض المملكة العربية السعودية النصيب الأوفر منها، والتي أرض الحرمين الشريفين (مكة المكرمة والمدينة المنورة) قلبها النابض، كانت مهمة لاستعراضها بشكل موجز .

وبعد توحيد وتسمية المملكة العربية السعودية بهذا الاسم أصبح هناك وطن موحد تحت راية واحدة، وصار هناك يوم وطني رسمي للدولة يحتفل فيه الراعي والرعية بما مَنَّ الله على هذه البلاد من الأمن والرخاء والوحدة واللحمة التآزر ، وهناك بعض النقاط التي نوردها في هذه الورقة، وهي في الأساس عبارة عن نصائح بل واجبات علينا جميعاً، وهي على النحو التالي :

1- الاعتزاز والعمل بجد وإخلاص في كل ما يرفع سمعة هذه البلاد السعودية، مع العلم أن المملكة العربية السعودية لها مكانة محلية وإقليمية وعالمية، مرموقة، وعلينا جميعاً بذل الجهد في كل ما يحافظ على صورتها الايجابية المشرقة.

2- التأمل في الأمن والطمأنينة التي يعيشها سكان هذه البلاد، ومن يستقرى تاريخ الخوف والرعب في جزيرة العرب قبل توحيد هذه البلاد ، أو ما تعيشه بعض الدول العربية اليوم من خوف ورعب وسفك للدماء يدرك أهمية الأمن والواجب على الجميع التآزر والعمل على كل ما يصب في خدمة دين وحضارة هذه الديار السعودية .

ولو درسنا تاريخ السفر والمسافرين أو الحجاج منذ القرن الثاني للهجرة إلى عام (1350هـ) فسوف نجد كماً هائلاً من التفصيلات عن الفوضى وفقدان الأمن والسلب والنهب وسفك الدماء ، خلال تلك القرون الإسلامية، وذلك يعكس ما يعيشه إنسان هذا اليوم من الأمن والراحة.

3- الدارس لتاريخ التنمية في المملكة العربية السعودية منذ سبعينيات القرن الهجري الماضي إلى وقتنا الحاضر يجد التطور في شتى المجالات والناظر في الوثائق والمصادر خلال العقود الثمانية الماضية المتأخرة ، أو من يجلس ويسمع من كبار السن ما يروونه عن الجوع والفاقة التي عاشوها، وما عرفوا وعاشوا آنذاك يدرك الفرق الكبير في ما تعيشه هذه البلاد اليوم من فضائل وخيرات .
والواجب علينا معاشر المواطنين أن ندرك ذلك وأن نعمل في كل ما يخدم هذه التنمية ويحافظ عليها.

4- الواجب على المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات ومراكز علمية أن تبذل قصارى جهودها في توعية الفرد في الحرص على مكتسبات الوطن، بل تؤكد على الجميع أن يكونوا عناصر إيجابية في بناء أنفسهم ومجتمعاتهم. كما أن الجامعات على وجه الخصوص عليها مسئولية في إعداد البحوث والدراسات التي تساعد الشباب وغيرهم على سلوك الأعمال الايجابية والبعد عن السلبيات التي تؤثر على النهوض بكل صالح ومفيد للبلاد وأهلها.

5- مما شاهدته في أعوام وطنية سابقة ، أن الناس يفرحون بالإجازات التي تمنحها الدولة لموظفيها وهذا شيء جميل أن يكون هنا تعاون وتعاطف وتواصل وتناغم بين الراعي والرعية، لكن المشكلة التي لا زلنا نعاني منها جميعاً هو أهمية اليوم الوطني في خدمة الوطن ، وترسيخ المواطة عند الفرد ..
وهذا الأمر يحتاج إلى جهود كبيرة من جميع مؤسسات الدولة التنظيمية والتعليمية والإعلامية والسياسية والحضارية، والواجب تأسيس مراكز بحوث علمية تدرس هذا الجانب وتوجد الحلول الجيدة التي ترفع من شأن اليوم الوطني في نفوس الناس، والتي تعود بالفائدة والخير العميم على الدولة والفرد معاً.

6-لاحظنا في سنوات اليوم الوطني الماضية الكثير من التصرفات اللامسئولة وبخاصة من جيل الشباب، ومن الصعب حصرها في هذه الورقة لكن الأجهزة الإدارية والأمنية تدرك وتعرف ما أقصد، والواجب علينا جميعاً، وبدون استثناء أن نعمل على محاربة مثل هذه السلوكيات غير الحضارية والتي يغلب عليها سلوك الفوضى، وتحويل أهداف اليوم الوطني من صورة إيجابية إلى صور سلبية، ومؤذية للدولة والمجتمع .

هذه خلاصة ما أردت طرحه هذه الليلة والله أسأل أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وصلى الله سلم على رسوله الأمين .

أ.د. غيثا بن علي بن جريس

15/11/1434هـ



([1][1] ) ورقة قدمت في اليوم الوطني (83 )، والتي أقامتها جامعة الملك خالد في قاعة النادي الأدبي بأبها يوم الثلاثاء (18/11/1434هـ الموافق 24/9/2013م ) .

المصدر: منتديات بني بحير بلقرن

---

,'k hguv,fm ,hgYsghl – gsuh]m hg];j,v L ydehk fk [vds hgaivd dvow

[abuzeed]

بارك الله فيك أخي حسن بن صموت ووفقك الى كل خير