جراح الذنوب والخطايا
 

في سورة المُلك اعتراف
لكنه ليس في مقام كريم كجُل اعترافات القرآن..
اعتراف سورة المُلك متأخر جدا
"وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ‌ * فَاعْتَرَ‌فُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ‌ "
تأمل الكلمة..
"فَاعْتَرَ‌فُوا"
أن يعترف المرء بذنبه فهو أمر لا محالة سيحدث
المشكلة أن يحدث ذلك بعد أن يكون الأوان قد فات
هم في النهاية قد اعترفوا
لكن بما سينفعهم اعتراف في قعر السعير؟

ينظر الواحد منهم حوله فيجد رفاقه المتأخرين مثله كل يعذب بما يناسب معصيته
ثم يحين بعدها وقت الاستغاثات
استغاثات تنضح منها اعترافات أيضا لكنها كالعادة اعترافات متأخرة

"قَالُوا رَ‌بَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَ‌فْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُ‌وجٍ مِّن سَبِيلٍ"

مرة أخرى تأتي الكلمة
"فَاعْتَرَ‌فْنَا"
ءالآن؟!
ما قيمة الاعتراف الآن وقد تأخرتم وفات الأوان
فلتستمر الاستغاثات دون جدوى
- " رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ "
- " رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ
- " قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ
- " ربَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ "

وسيصرخون بعد حين " هل إلى مرد من سبيل "
و سيجأرون حين يجدون أنفسهم حبيسي ما تم ترهيبهم منه طويلا : " رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ
أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ"

ثم سيخفت صوتهم و يضرعون مع من يضرع قائلا : " رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ *رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ "
لكن كل هذا ستطيشه كلمة واحدة
كلا !
أتدرى لماذا ؟
لأن ما يقولونه تأخر
تأخر حتى صار مجرد كلمة بلا قيمة
ما يقولونه مجرد صياح عند الاضطرار ، و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه و إنهم لكاذبون

نعم كاذبون ولو صدقوا لقالوها مبكرا
لقالوها حال صحتهم وقوتهم وبأسهم
ولاعترفوا بينما لا يزالون فيها
لكنها عادتهم
أقوال لا أفعال و شعارات بغير أعمال

و ليصفعهم الرد الماحق. "إنكم ماكثون "
لا فائدة
لا رجوع ، لا عودة ، و لا تخفيف
فقط دونهم السداد

سداد ثمن تأخرهم عن الإجابة

سداد ثمن سخريتهم و تعاليهم
وتأخرهم...
تأخرهم عن الاعتراف

لماذا إذا نتأخر؟
لماذا لا نسارع لهذه الشعيرة العظيمة والعبادة الجليلة
عبادة الاعتراف
في ديننا اليسر الأمر سهل
لا يحتاج الاعتراف في ملتنا إلى حواجز يجلس من خلفها كاهن يستمع اعترافك ولا يحتاج الأمر إلى فضائح علنية أو برامج إذاعية ليلية

مجرد خلوة
جلسة أنس بربك
اعتراف للخالق ابتداء قبل اعتراف رد حق لمخلوق

المخلوق قد يستغل ضعفك وقد يتاجر بألمك ويتكسب باعترافاتك وربما يفضحك ويسخر من ذنبك

لكن الخالق يسمع كلامك ويرى مكانك ويعلم حالك
يعلم من نفسك ما لا تعلمه أنت عنها ويحب سماع نجواك واعترافات ويرأف بأنينك المذنب ويرحم دمعاتك النادمة ويشفي جراحك النازفة

جراح الذنوب والخطايا

د.محمد علي يوسف