التربية قبل التعليم يا رجال التعليم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين
وبعد :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
إنه من المناسب جداً ( من وجهة نظري الخاصة طبعاً ) بمناسبة استئناف الدراسة أن أطرح هذا الموضوع لعله يكون عوناً من الله تعالى لتصحيح الغاية العظمى من احتضان النشئ في المؤسسات التعليمة الحكومية ( أو الخاصة ) وما يجب أن يقدم لهذه الشريحة الغالية على قلوبنا جميعاً خلال تواجدهم لما يقارب خمس ساعات داخل فصول الدراسة .. على مدار ثمانية أشهر تقريباً كل عام
هذه القضية التي أطرحها اليوم وأحاول أن أناقشها بما يفتح الله به علي . هي قضية التكامل اللازم لمفهوم التربية والتعليم ..
وقبل أن أبدأ الحديث لا زلت أتذكر حديثاً دار بيني وبين مدير فرع وزارة الأوقاف بالقنفذة . الأستاذ محمد بن مشاري رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته , إذا كان يسألني ذات مرة عن مهنتي .. فقلت له : معلم
فرد علي بنظرة أوسع وأشمل قائلاً : معلم أو مربي ؟
وأنت أخي المعلم يجب أن تسأل نفسك هذا السؤال هل أنت معلم أو مربي ؟
وحتى تصل إلى الإجابة الشافية الكافية التي تبين لك المنهج الذي تسير عليه .. وهل هو منهج المعلم أم منهج المربي
دعني أعرج سريعاً على الفرق بين التربية والتعليم
فالتربية أيها الحبيب : هي عمليه تنمية متكاملة لكافة قوى وملكات الفرد، بمختلف الأساليب والطرق، ليكون سعيداً وعضواً صالحاً في
مجتمعه، وهي بذلك تشمل جميع جوانب شخصيته: الروحية والعقلية والخلقية والاجتماعية والوجدانية والجمالية والبدنية.
أما التعليم فهو :
جزء من العلمية التربوية الكاملة - ترمى أساساً إلى تنمية عقل الفرد وتمكينه من اكتساب المعرفة
والمهارات اللازمة لحياته، ودرايته بعلم ما، أو فن ما، أو حرفة أو مهنة ما ونحو ذلك.
ومن هنا يتضح أن عملية التربية أكثر شمولية وتكاملية من عملية التعليم .. وأن العملية التعليمية هي جزء من العملية التربوية .. وهذا ما غاب على بعض المعلمين الذين كان همهم الأعظم حشو ذهن الطالب بالعلوم المعارف في مجال التخصص دون النظر إلى جانب التغيير الملموس في سلوك المتعلم وأخلاقه ..
ولعل من المناسب هنا أن أذكر منهج المعلمين الذين درسنا على أيديهم في مرحلة الثانوية قبل حقبة من الزمان .. فقد كان همهم الأول إيصال العلم الذي لديهم كل في مجال تخصصه إلى عقل الطالب .. دون الاهتمام بجانب التربية السليمة للطالب . حتى يصبح عضواً نافعاً في مجتمعه .. وأظن هذا لا يشكل على الكثير منا إذا علم أن أولئك الرعيل الأول من المعلمين الذين تولوا تعليمنا في المرحلة الثانوية كانوا من غير الوطنيين ..
ولعل الخطوة الإيجابية ( المتأخرة ) التي أتخذتها الوزارة بتغيير مسماها من وزارة المعارف إلى وزارة التربية والتعليم كانت لفتة واضحة ليراجع كل معلم نفسه .. ويغير من أسلوبه حتى يحضى بوسام " مربي "
ومن المناسب جداً أن أذكر بعض الوسائل التي تعين بإذن الله تعالى على أن يكون المعلم مربياً ينال شرف الدنيا وكرامة الآخرة
وأول تلك الوسائل أن يدرك المعلم أن الإخلاص هو مفتاح كل عمل وبوابة النجاح لكل مشروع .. بأن تكون النية خالصة لله تعالى أنه يعمل مبتغياً في عمله وجه الله تعالى قبل كل شئ
وقد يقول قائل : إن المال مطلب لأنه عصب الحياة .. فأقول حسناً : هذا صحيح , لكن ، هل يحتاج المال إلى نية ؟ أبداً
فمن كانت نيته خالصة لله تعالى نال الأجر الأخروي وكسب المال الدنيوي وجمع بني الحسنيين
ومن كانت نيته معلقة بآخر الشهر وبأجهزة الصرف الآلي خسر الأجر والثواب ورضي بحرث الدنيا ومتاعها
وهذا يحتاج إلى إصلاح النية من بداية الطريق من أول ما يكون الواحد منا طالب علم ، أما من قد فات عليه ذلك فليصحح نيته الآن ويجعلها خالصة لله حتى لا يقع في الوعيد الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال : " من طلب علما مما يبتغى به وجه الله, لا يطلبه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا, لم يرح رائحة الجنة "
ومن الوسائل المعينة على أن يكون المعلم مربياً أن يتذكر الرقابة العظمى عليه , رقابة من لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء ..
ومن الطريف المؤلم أن الجهات الرقابية على المعلمين تبحث دائماً في شؤون التعليم ولا تسأل إلا نادراً عن شؤون التربية كأصل لعملية التعليم .. والشاهد على ما أقول .. والحمد لله على كل حال . أننا لم نر من يتابع عمل جماعات التوعية الإسلامية في المدارس التي يقع على كاهل القائمين عليها جزء كبير من تربية النشئ تربية صالحة ..
وإن كان التوجيه والإرشاد يهتم في كثير من الأحيان بالجوانب الكتابية .. والاجتماعات الروتينية والتي تتابع بكل دقة إلا أنه ليس بأوفر حظاً من جماعات التوعية الإسلامية فيما يتعلق بإصلاح أخلاق الطلاب وتهذيب سلوكهم والله المستعان .
ومن هذا الجانب كان واجباً حتمياً في ظل غياب الرقيب البشري أن يراقب المعلم ربه . ويعلم أنه مسؤول بالدرجة الأولى عن التربية والتأثير في سلوك وأخلاق المتعلم مسؤولية عظيمة
وشتان بين معلم يدخل الفصل ويغلق عليه الباب فيبدأ في شرح الدرس حرفاً حرفاً ثم ينصرف كما دخل أول مرة .. وبين معلم يدخل الفصل بادئ ذي بدء مبتسماً لطلابه . يمزح مع هذا ويلاطف هذه ويثني على هذا . يسأل من صلى الفجر ومن قرأ بالأمس في القرآن .. يبحث عن مشاكل الطلاب فيوجد لها الحلول .. يشارك الطلاب هموهم ويقترح الحلول ويشفع لدى الإدارة فيما يعود بالنفع عليهم ..
تخيل أخي الحبيب علاقة الطلاب بالمعلم الأول وعلاقتهم بالمعلم الآخر ..
ومن الوسائل المعينة لأن يكون المعلم مربياً .. القدوة الحسنة في أخلاقه وفي تصرفاته وفي كلامه بل حتى في ملبسه
كل هذه الأمور تزيد من منزلة المعلم في عين الطالب .. حتى خارج المدرسة .
ومما يؤسف أن بعض المعلمين هداهم الله يقتل القدوة الحسنة على باب فصله .. فتجده يتحدث بكلمات سيئة ويمارس عادات سيئة أمام الطلاب ويناقش أمور تافهة حتى وإن ابدى بعض الطلاب اهتمامهم بتلك الأمور ..فهم يعرفون ولو بعد زمن أن تلك المناقشات هي من مضيعات الوقت فيما لا فائدة فيه .. ولا زلت أتذكر أحد المعلمين في المرحلة الثانوية كان يناقش معنا وبشدة العلاقات السياسية بين الدول العربية وأسباب الخلافات بين الدول العربية وكنا نهتم كثيراً بذلك ويشدنا حديثه .. لكننا بعد أن كبرنا وأصبحنا نعرف ما ينفعنا وما لا ينفعنا .. أدركنا أن ذلك الحديث كان مضيعة للوقت .
ومن الوسائل المعينة على نيل شرف التربية
أن تتذكر أخي الحبيب أننا بحاجة ماسة لأن ننتج جيلاً ذا أخلاق عالية ومبادئ سامية .. يتميز بالفضيلة ويترفع عن الرذيلة .. هذا الجيل رعاك الله هو الذي ينفع مجتمعه وأمته .. ولن يأتي العلم بدون أدب
وصدق والله ابن المبارك حين قال " نحن في حاجة إلى قليل من الأدب أكثر من حاجتنا إلى كثير من العلم "
نريد أن نخرج جيلاً يعرف الأهداف الأساسية والغايات العظمى من عملية التعليم .. ليس همه الشهادات والمراتب فحسب
نريد جيلاً يتعلم بادئ ذي بدء لينال سلعة الله الغالية .. فمن سلك طريقاً يلتمس فيه علما سهل الله له طريقاً إلى الجنة .
ومن المناسب أن تسأل طلابك بين الحين والآخر .. لماذا نتعلم ؟ فتصحح لهم الهدف الأعظم من التعليم ..
وأن ذلك لنيل رضا الله تعالى ورفع الجهل عن أنفسنا وعن أمتنا ونفع الناس بما نتعلمه نبتغي في ذلك الأجر من الله تعالى .
حاول أن تبين لهم حتى لا يصبح همهم الشهادات والمكافآت . فإنهم لو تربوا على هذا من الصغر لأدركوا صواب ذلك في الكبر .
ومن الوسائل المعينة على نيل شرف المربي
أن نستشعر الأجر العظيم لمن علم الناس الخير صغاراً أو كباراً .. وليس هناك أبلغ من قول رسولنا صلى الله عليه وسلم " إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير "
تخيل أيها الأخ الحبيب هذا الفضل العظيم تناله أنت ويختارك الله له من بين سائر خلقه .. إذا أخلصت نيتك ووجهت وجهك تلقاء ربك ..
أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى إنه ولي ذلك والقادر عليه .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

---

hgjvfdm rfg hgjugdl dh v[hg vdhg

شكراً م ح البحيري على الطرح الرائع والمفيد,ونحن حقيقة إلى الآن لم نستوعب مفهوم التربية والتعليم ,ولم نعِ أن التربية في مفهومها أعم وأشمل من التعليم بل نسير على عكس المفهوم وهو أن التعليم قبل التربية.
فنجد أننا لانهتم بتربية الطالب بقدر مانهتم بتعليمه مع أن الطالب محتاج للتربية أكثر من التعليم فلو تربّى تربية سليمة سيتعلم وسيحرص على التعلّم وسيساعد نفسه ويساعد معلمه.الخطأ الذي نقع فيه هو قولنا إن التربية على الوالدين والتعليم علينا كمعلمين وإن فهم كان بها وإن لم يفهم شيء راجع له وهذا خطأ فادح,فكم من طالب بحاجه لمعلميه أكثرمن والديه قد يكون الاب مقصّر في حق أبنائه من ناحية التربية أوقد يكون صاحب مخدرات ومسكرات أو متسلط ومعذب لأبنائه وبناته أو..........الخ وكم من طالب يأتي المدرسة وفي داخلة نيران موقدة ومشاكل معقدة زضغوط نفسية يحتاج لرعايه وتوجيه من معلميه وكم من طالب فقد أبويه وهو صغيراوفقد أحدهما أوطُلقت أمه ويحتاج للتربية والوقوف معه ومساندته وتعديل السلوك من معلمه.
من خلال خبرتي في التعليم التي لم تتجاوز سنتين رأيت أنّ المعلم بإمكانه أن يغيّر في سلوك طلاب مدرسته جميعهم ناهيك عن طالب اوطالبين فلا زال الطالب ينظر لمعلمه بأنه قدوه وأنه صادق فيما يقول وأنّ مايصدرمنه إلا كل صحيح فينبغي علينا كمعلمين الإخلاص فيما أنيط بنا من رساله ساميه وعظيمة والحرص على التربية أولا ثم التعليم ولا بد أن نحاول ونكرر المحاولات إذا رأينا أي سلوك معوج من قبل الطلاب ونحرص على تعديله .

مرّةأخرى شكراً جزيلاً وتقبل مروري وتعقيبي.

إخوتي الأعزاء :
الوطن ، علي بن قحمان ، مسك الكلام
لكم مني جزيل الشكر والتقدير .. وجزاكم الله عنا كل خير ..
أعطيتموني أكثر من حقي .. وما هذا إلا من تواضعكم وأخلاقكم العالية .. كما نحسبكم والله حسيبكم .
شكراً لكم مرة أخرى .. وتقبلوا تحياتي