أقرضوني أقلامكم وأعيروني أفكاركم**

كان جالساً في نهاية الشارع تحت عمود الإنارة الذي صبغه الصدأ صبغةً رمادية. اقتربتُ منه فإذا دمعة ثقيلة نزحت من مواطن مقلتيه وسالت على خدّه الطفولي لتستقر به في وادي الحزن..مسحت على رأسه وجلست بجواره على ذلك الرصيف الذي غيّرت الأتربة شكله المموج ذو اللونين..نظر إليّ بنظرته المملوءة بسيل من الإستغراب فقال لي عمّو وين ماما؟؟). لم أستطع الإجابة وكأن سؤاله تتعدى صعوبته صعوبة المعادلات الكيميائية المعقّدة, نهضت وكأن وزني تضاعف لأكثر من مرة..

دخلت المنزل وإذا بصديقي متكئاً على طاولته التي بللها بدموعه وقد ارتسمت هالات سوداء تحت عينيه وكأنه أقام إتفاقيّة اللا عودة مع النوم, رفع رأسه بصعوبة ونظر إليّ ثم أعاد نظره لتلك الطاولة.. وفي هذه الأثناء خرجت ياسمين من غرفتها وإذا بيدها اليمنى كراسة واليسرى ألوان شمعية فقالت (عمو وين ماما؟) ألجمني الصمت كما فعل بي مع أخيها تحت ذلك العمود ولكني قلت في نفسي لن أحضر حضوراً مبهماً ثم أذهب, فقررت أن أهوّن عليها هذه المصيبة فقابلت السؤال بسؤال آخر وذلك بأن قلت لها وماذا تريدين بها بنيّتي؟؟ قالت ياسمين: لقد وعدتني أن ترسم لي سلّة فواكه هذا المساء ولكنها إلى الآن لم تحضر فزادت زفرات صديقي وبدأت الدموع تهطل على تلك الطاولة مجدداً وأنا أتوسل إلى دموعي أن تبقى في محاجرها وألاّ تواسي تلك الدموع المكلومة, فقالت ياسمين(شوف ياعم كل ما سألته عن (ماما) يبكي..ليش ماما مارجعت من مدرستها اليوم زي كل يوم؟؟ أخاف أنام يا عمّو وهيّه ماجت وأروح المدرسة بكره وما أحد رسم لي سلّة فواكه)
استحضرت قواي من كل ناحية في ذلك المنزل فقلت لها نامي يا حبيبتي وسوف تأتي ماما وترسم لكِ سلّة الفواكه..
خلد ذلك الجسم الطاهر للنوم وأخذتُ تلك الكراسة ورسمت سلّة الفواكه ووضعت الكراسة بجوار يا سمين وذهبت لصديقي كي أمده بجيش من الصبر ولكن جيشي كانت إمكاناته ضعيفة وقواه هزيلة فنظر صديقي إليّ وكأنه لا يعرفني فقال لي: زوجتي ماتت يا رفيقي, كان الحادث مروعاً لقد انقلبت سيّارة النقل عدة مرات لم أفز بذكرى لها سوى دفتر تحضيرها الملطخ بالدماء المتجلطة وعلب حلوى أحضرتها لمحمد وياسمين خبّأتها في شنطتها مثل كل يوم..
ضممته ضمة قوية كي أوقف طابور كلماته الحزينة ولكني أجهشت بالبكاء وكأن الحزن والدموع إنفلونزا تنتقل بالملامسة والاحتكاك أو حمى قلاعيّة تنتشر في نفس المكان الذي يقطن فيه صاحبها..
استمرت كلماته تطفو على جوّنا المحموم ذلك المساء وكأنها غازات تتكاثر وتتصاعد لتقع بكل قوّة على حصون أذني فأسرد يقول: لقد حادت السيارة عن طريقها, لقد كان السائق نائماً, فهو كبير في السنّ وقد أرهقته هذه المسافات الطويلة الممتدة من وإلى المنزل, لقد أوصتني كعادتها صباح هذا اليوم على محمد وياسمين . لقد قالت إن تأخرت فسخّن الأكل للأولاد. أيّ أكل سنأكله بدونها؟ وماذا سأفعل بزهرتي النرجس فكل يوم سيذبلان.
لم أتفوّه بكلمة واحدة وإنما ضربت بيدي على كتفه تضامناً معه ودموعي تسابق رحيلي. خرجت والفشل فقاعة من حولي فلم أستطع أن أبدد حزن صديقي ولم أستطع أن أجيب عن تساؤلات زهرتي النرجس , وما استطعت فعله هو رسمة لسلة فواكه قد تكتشف ياسمين أن الذي رسمها ليست أمها.
(فقدان الأم بصفة عامة والمعلمة على وجه الخصوص والثغرة التي يتركها في حياة الأسرة والصدع الذي يعيي الزمن جبره)
هذا المخلوق الحنون الذي يخرج لأداء أمانة غالية لبناتنا الصغيرات والكبيرات على حد سواء وفجأة يأتي خبر انقضاء أنفاس هذا المخلوق في حادث مروري مروّع ...
ماهي الأسباب برأيكم التي تقف خلف هذه الحوادث والتي تودي بأرواح أخواتنا المعلمات وهنّ متجهات إلى مدارسهنّ النائية البعيدة؟
وماهو السبب الذي حاز على نصيب الأسد من هذه الأسباب؟
قطعاً نحن أمّة محمّدية نؤمن بالقضاء والقدر ولكننا نستخرج الأسباب لنأخذ بها فهي مظلة يتفيأ تحتها المؤمن ليتقي بعض الأمور. آراؤكم مهمة كي أبلور المصداقية في مقالي البحثي المطوّل والذي سيرى النور قريباً بإذن الله.
تمخّضت لديّ محاور من خلال الأسباب المتصلة بالقصص التي تردني ممن حولي وهذه المحاور تقتصر على:
المحور الأول/قائد المركبة غالباً يكون من كبار السن.
هل كبار السنّ غير جديرين بهذه المهنة؟ أم أنّ العمر له دور أساسي في عدم السيطرة على المركبة بسبب الإرهاق والنعاس؟ أم أنّ مهارة القيادة لديه متدنّية ؟


المحور الثاني/ المركبة عينها.
هل المركبات التي تقلّ المعلمات إلى مدارسهن غير مهيّأة وصالحة لهذا الغرض مثلاً؟ أم أن وعورة الطرق تؤدي إلى انفجار الإطارات فينتج عنه أن تحيد هذه المركبة عن الطريق؟


المحور الثالث/ السرعة.
هل السرعة هي تناج لبعد المدارس النائية وسباق مع الزمن للحضور المبكر؟ أم أن قائدي مركبة النقل يحبّذون الوصول إلى منازلهم مبكراً للانتهاء من اليوم المرهق الذي يتجدد معهم كل يوم؟ أم أنه طلب آتٍ من المعلمات أنفسهنّ للوصول إلى منازلهنّ والقيام بالواجبات الموكلة إليهنّ كزوجات وأمّهات؟

أرجو التفاعل إخواني فعلى ضوء الأسباب التي ستولد من رحم أقلامكم سيتم طرح هذا الموضوع بغلاف الفائدة التي يستفيد منها المجتمع قبل الفرد فاستناداً إلى هذه الأسباب سوف توضع الحلول التي قد يصل صداها إلى وزارة التربية والتعليم لتضع حداً لهذه الحوادث اليومية التي تنشر الذعر في المنازل كل يوم.

---

Hrvq,kd Hrghl;l ,Hudv,kd Ht;hv;l** Ht;hv;l

لا تبخلوا علينا بأفكاركم النيّرة التي من شأنها إثراء موضوعي..

الله يسعدك موضوع رائع...

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

اولا /اخي عصر المانوليا اشكرك على ماكتبت لنا من عوائق تقف في وجه المعلمات وتلقي بمصيرهم الى المووت بعض الاحياان ويجب على كل من يدخل ويقرا الموضوع ان يضع ولو فكره بسيطه لايجاد الحلوول التي من شأنها نجد الحل و تجد ظالتك ان شاء الله وامنيه من قلبي يا عزيزي ان تحقق الطمووح المرجوو ..

فالاسباب كثيره وكما ذكرت:
1) معظم السائقين كبار فالسن ويفتقدوون لمهارة القيادة اما بسبب الكبر او ضعف البصر او الامراض التى تلحق به ولا تدع له راحه سوا في القياده او حتى في النووم فنشاهد بعض الاحياان ينام السائق وهو يقود المركبه

2)اضف ان المعلمات يشترطا ان يكوون السائق كبير ومتقدم في السن
فهل يدل هذا على الثقه فيهم ام خوفا من تهور الشباب واللامبالاه

3)لطبيعه الارض الوعره نصيب مما يحدث فقد نجد بعض المدارس لا تستطيع الوصول اليها الا بالجيب فنجد ان السائق يتهاوون في ذلك ويستخدم سيارته فلا يستطيع الوصول ولا التصرف اثناء الرجووع

4)عدم الصيانه اليوميه لسيارة النقل وتفقدها من قبل السائق وعدم استشعار الارواح التي يكوون مسؤول عنها

5)اضف ان المعلماات لا يجدنا التصرف وخاصه عند رجووع المركبه
بسبب صعوبة الطريق فعند رجووع السائق وفقدانه السيطره على مركبته لا تجد الحلول لديهم بالقفز من المركبه فلا تسمع الا البكاء والضجيج الذي يفقد السائق تركيزه وقدرته على السيطره


اسف على الاطاله يا لحبيب ..هذي من وجهة نظري المتواضعه


تحيااااتي لك

( هزازي - رادوي) أشكركم على مروركم.
(تبوك الوفاء) أشكر لك جهدك والنقاط التي أضفتها ستضفي على موضوعي فائدة وستسد الثغور التي تعتري هذا الموضوع وسنصل في النهاية لأسباب قد تتفادها إخواتنا المعلمات..
أشكرك أخي وأقدر وقتك الثمين الذي قضيته في تفنيد الأسباب التي بالفعل كانت واقعية جداً..بارك الله فيك ونفع بك.

حبيبي عصر المانوليا

أسعد الله أوقاتك بكل خير وأشهد الله على حبك

أخي الغالي أرى من وجهة نظري أن يكون هناك مكتب خاص للباصات يعني مكتب تنطلق منه السيارات يعني لو وضعنا هذا المكتب في الفائجة مثلاً وتنطلق منه الباصات ..ولكن إي باصات أقصد ..أقصد باصات كبيرة يعني 55 راكب نقل جماعي ..فحوادثه قليله كنسبه مئوية .. بدلاً من أن يكون هناك 20 باص 15 راكب يكون هناك 5 باصات آمنه مكيفه حوادثها بأذن الله أقل ..! تجمع الباصات الصغيرة كل الطالبات وتوصلهن إلى مكتب الأنطلاق لرحلة ..

من وجهة نظري

فكرة رائعة نبعت من فكر أروع بارك الله فيك أخي غصن التوت..
دعواتي لك بالتوفيق في اختباراتك وإن شاء الله تحصل على وافر الدرجات وأعلى التقديرات ياااارب.