ماذا يعني أن تكون الأم غير متاحة عاطفيًّا لأطفالها ؟

وما تأثير ذلك عليهم ؟

من البدهي للغاية أن الأطفال يحتاجون إلى تلبية حاجاتهم من الطعام والشراب؛ ليبقوا على قيد الحياة، لكن ما يغيب عن كثير من الآباء هو أن الأطفال يحتاجون منذ ولادتهم إلى أمهات متاحات ومستقرات عاطفيًّا، حتى يستطعْنَ تلبية احتياجات الطفل من الحب والحنان، والشعور بالأمان والاستقرار النفسي.

فإذا حُرِم الطفل من هذه المشاعر، أو كان حصوله عليها بصورة غير مستقرة، بأن كان لديه أم غير متاحة عاطفيًّا؛ فسيكبر بشعور عميق من عدم الأمان، والخوف، وقلة الثقة في النفس، وفراغ عاطفي، أو قد يصاب باضطراب نفسي؛ كنوبات الهلع، أو الاكتئاب، أو الاضطراب ثنائي القطب، أو قد تسيطر عليه أفكار إيذاء النفس... هذا ما توضحه الأبحاث التي أُجرِيت على أطفال في مثل تلك الظروف.

🔸 سمات الأمهات غير المتاحات عاطفيًّا:

الأمهات غير المتاحات عاطفيًّا غالبًا ما يكنَّ غير ناضجات نفسيًّا، كما أن لديهنَّ مشاكلهنَّ النفسية الخاصة التي تعود جذورها إلى طفولتهنَّ، وتظهر عليهنَّ علامات مثل:

- الصلابة: وهي عدم الرغبة في التحلِّي بالمرونة عند الحاجة.
- عدم القدرة على تحمُّل التوتر بأسلوب ناضج.
- عدم الاستقرار العاطفي مع السلوك العدواني.
- الرغبة في اقتحام خصوصية الأبناء.
- علاقات اجتماعية غير مستقرة.
- السعي إلى نيل اهتمام الآخرين بأي ثمن.

وبشكل مأساوي يكبر أطفال الآباء غير المتاحين عاطفيًّا ليصبحوا مراهقين وراشدين يواجهون تحديات كبيرة في الحياة.

🔸 كيف تصبح الأم غير متاحة عاطفيًّا؟

قد تكون الأم متاحة لطفلها مكانيًّا، فلا يوجد عمل يشغلها عنه طوال الوقت، أو مسؤوليات منزلية كبيرة مثلًا، لكن الإتاحة العاطفية المقصودة هنا هي قدرة الأم على تلبية الاحتياجات العاطفية والنفسية الضرورية التي يُولَد بها كل طفل، من الإحساس بالقبول والحب غير المشروط، ومشاركته الحديث واللعب، والتعاطف معه، وغيرها.

🔸 وتصبح الأم غير متاحة عاطفيًّا عند ممارسة السلوكيات الآتية:

◾️ الإهمال العاطفي:

معظم الأمهات يتمتعْنَ بالقدرة على الإحساس بمشاعر أطفالهنَّ، ثم الاستجابة لهم، وتقديم الدعم النفسي اللازم، سواء بابتسامة مطمئنة، أو نظرة اهتمام عندما يُظهِر الطفل عدم الارتياح، أما الأمهات غير المتاحات عاطفيًّا فلا يلتقطْنَ إشارات الطفل، وإذا حدث وانتبهْنَ لها، فإنهنَّ لا يقدرْنَ على التعاطف مع أطفالهنَّ.

وبمرور الوقت عندما يكبر الأطفال، ويواجهون تحديات الحياة، ويصبحون في حاجة إلى المزيد من الطمأنة؛ فإنهم يتعرضون لمشاكل نفسية كبيرة عندما لا يحصلون عليها من أمهاتهم.

وما أن يكتسب الطفلُ القدرةَ على التواصل اللفظي مع بلوغ الخامسة من عمره؛ تبدأ آثار الإهمال العاطفي في الترسخ، عندما لا يحصل على الاستجابة، أو على استجابة متسقة مع مشاعره عندما يتواصل مع والدته، فيتعلم الأطفال الاحتفاظ بمشاعرهم لأنفسهم.

وسيكون الطفل محظوظًا إذا كان الأب متاحًا عاطفيًّا في ظل غياب الأم، أو عدم استقرارها عاطفيًّا.

◾️ قمع المشاعر:

تلجأ الأمهات غير المتاحات عاطفيًّا إلى قمع مشاعر أطفالهنَّ، فلا يسمحْنَ لهم بالتعبير عنها بصورة صحية، أو يُنكرْنَ إحساسهم بهذه المشاعر من الأساس.

وقمع المشاعر في الطفولة يؤدي إلى مشاكل الصحة النفسية فيما بعد؛ كالإصابة بأحد اضطرابات الطعام، أو ظهور نوع من السلوكيات الإدمانية، والتي يلجأ إليها المراهقون أو الشباب؛ لتشتيت الانتباه عن المشاعر غير المرغوب فيها، والتي لم يتعلموا التعبير عنها في الطفولة.

◾️ عدم مشاركة الأطفال:

بعض الأمهات لا يكترثْنَ بدراسة أطفالهنَّ، أو التعرُّف على معلميهم، أو أصدقائهم، أو حتى يعتمِدْنَ كليًّا على المدرسة في تربية الطفل، فلا يشاركْنَه الحديث، أو اللعب، أو يسألْنَ عن أحواله مثلًا، وهذا كله يعطي الطفل إشارات بأن والدته لا تهتم بأمره.

◾️ حرمان الطفل من الاستقلالية:

يتعلم الأطفال الاعتماد على أنفسهم منذ سن مبكرة، وذلك عندما يساعدهم الآباء على تحمُّل مسؤوليات صغيرة تناسب أعمارهم وقدراتهم، وهناك نمط من أنماط الأمهات غير المتاحات عاطفيًّا، وهو نمط الأم الخائفة للغاية على أولادها، بحيث تمنعهم من أبسط الأشياء بدافع الحماية.

ويكبر هؤلاء الأطفال بلا أي مهارات حياتية تقريبًا تمكنهم من الاعتماد على أنفسهم، أو حتى الثقة فيما يمكنهم فعله.

◾️ محاصرة الطفل بالإحساس بالذنب والتقصير:

الأمهات غير المتاحات عاطفيًّا يبالغْنَ في انتقاد أطفالهنَّ بقسوة، ومحاصرتهم بالإحساس الدائم بالذنب، وعندما يفعل الطفل ما بوسعه ليطيع والداته، أو يحصل على رضاها؛ فإنها لا ترضى أبدًا، أو تُظهِر بعض الرضى في أوقات قليلة، والنتيجة هي رابطة عاطفية غير مستقرة بين الطفل ووالدته.

---

lh`h dukd Hk j;,k hgHl ydv ljhpm uh'td~Wh gH'thgih ? lfhpe lk

كل هذا يخلق طفلًا يرغب في إرضاء الجميع، ولو على حساب نفسه وقيمه ومبادئه؛ ليحصل على القليل من الحب والاهتمام، ويستمر هذا السلوك معه في المراهقة، والشباب، وبعد الزواج أيضًا.

◾️ التساهل في تربية الأطفال:

يجب ألا نربي أطفالنا بالقسوة، ويجب أيضًا ألا نتساهل في تربيتهم، وعندما تتساهل الأم كثيرًا مع أطفالها، أو تخاف من عدم تعلقهم بها؛ فإنها تبدأ في معاملتهم معاملة صديقة، وليس معاملة أم، وهذا أيضًا نمط من أنماط عدم الإتاحة العاطفية للأبناء.

فإذا كان من المفيد في بعض المراحل أن تصادق الأم أطفالها، فإنهم يحتاجون أيضًا أمًّا تقوم بدورها، وتكون قدوة لهم، فلا تتساهل في تربيتهم، أو تُلغِي الحدود بينها وبينهم تمامًا، أو تعفيهم من تحمُّل المسؤولية بالقدر المناسب لأعمارهم.

وأخيرًا، فإن من السمات الشائعة للأم غير المتاحة عاطفيًّا أيضًّا: أن يكون لها شخصية داخل المنزل، وشخصية مختلفة خارجَه؛ فمع أطفالها تكون دائمة الانتقاد والقسوة والصراخ، ومع الأقارب أو الصديقات على النقيض، فتكون سيدة لطيفة للغاية.

وحتى تحمي الأمهات أطفالَهنَّ من جميع المشاكل أو الاضطرابات النفسية التي قد تصيبهم بسبب عدم إتاحتهنَّ عاطفيًّا، يجب ألا تتردد هؤلاء السيدات في طلب المساعدة من معالج أو طبيب نفسي، إذا كنَّ يواجهْنَ مشكلة في قدرتهنَّ على التعاطف مع أبنائهنَّ، أو الإحساس بمشاعرهم، أو تقديم الاحتواء المطلوب للأبناء.