*ﺣﺴﺒﻚ ﻣﻦ ﺷﺮ ﺳﻤﺎﻋﻪ!*

.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

١) فليس هناك في تاريخ الفقه، ولا في صنيع فقهاء الأمة ما يصلح أن يوصف: بأن فقيهًا من الفقهاء -مهما علا قدره- سعى لتأسيس مذهب فقهي مستقل!
هذا ليس متصورًا -أصلًا- والقصد له ليس مشروعًا، ووقوعه هكذا (بقصد التأسيس من عالم) خارج عن المعهود في وجود المذاهب.

٢) ثم لدينا أمران:
- نشأة المذهب.
- وانتشار المذهب.
فالمذاهب الفقهية تنشأ على مرحلتين:
مرحلة تصدر العالم والفقيه للفتيا والتعليم والرواية والتدريس.
فهذا شأن العالم، وطريقة المفتي، الذي بلغ مرحلة الاجتهاد، ثم هو يفتي على نحو ما أداه إليه اجتهاده.

ثم تأتي مرحلة جمع أقواله وفتاويه واستدلالاته، وترتيبها واستنباط مآخذه وتعليلاته ومدارك نظره.
وهذا صنيع طلابه، ومن يأتي بعده ممن رأوا فيه صلاحًا وعدالة وتقوى، ورأوا في اجتهاده قربًا من الحق والإصابة.

٣) والعالم والفقيه إذ يفتي ويجتهد؛ فليس ذلك بالتشهي، ولا بالرغبة الذاتية المحضة، ولكنه يتبع أصول الاستدلال في الشريعة، فلا يخالف قواعد الاستنباط، ولا يخترع طرقًا لفهم النص.
فلا يخالف إجماعًا صح انعقاده عنده، ولا يترك دليلًا ثبت لديه نقله، ولم يعارضه ما هو أولى منه.
ثم يجري في استنباطه على طريقة العرب في فهم الدلالات، وتوظيف السياقات، وتنزيل الألفاظ موضعها، ويمضي على سنة الصحابة وتابعيهم في الاستدلال والفهم.

٤) والأتباع الذين يدوّنون فقه هذا الإمام، ويرتبون مآخذ استدلاله؛ يعرفون أن إمامهم يصيب ويخطئ، ولا يتعمدون متابعته فيما يخطئ، وما تابعوه فيه فلظنهم صوابه في اجتهاده.

٥) وأما انتشار المذهب، واشتهاره وبقاؤه؛ فلأمور خارجية ليس للفقيه فيها مدخل.
ولهذا فقد كان هناك من الفقهاء من جمعت أقواله، وانتشر فقهه، ثم اندثر مذهبه، ولم يبق له انتشار، وإن بقيت أقواله مدونة في مصنفات الفقه، كالثوري والأوزاعي وابن جرير وغيرهم.

٦) ثم تراخى الزمن، وتراكمت مؤلفات أصحاب المذاهب الأربعة، وخدمت بالشروح والحواشي وجمع الأدلة، وترتيب الاستدلالات، وبناء الفروع على الأصول، والفروع على الفروع، وألحقت النوازل بما سلف من الحوادث، وجمعت أقوال كبار الأتباع، وردودهم على مخالفيهم، ونقضهم لاستدلالات غيرهم، فصارت بهذا مذهبًا تأسس في مراحل متخادمة، وبناء تكامل بعد تتابع الأيدي عليه.

ولا يمكن لمن تغرغر بالعلم، وتدرج فيه أن يظن أن كل ذلك وليد زمن واحد، يحصل لمن تمناه ورجاه.

٧) ثم يوجد من أهل العلم والاجتهاد، من تفقه على طرق التفقه، وسلك سبيل من سلفه في الدراسة والتلقي وفهم الشريعة، وأخذ من فقه سلف الأمة ما أخذ، ودرس فقه الأئمة المتبوعين، ثم لم يلتزم بمذهب محدد، ولم يقلد إمامًا معينًا، ولكنه يجتهد بما يؤديه إليه اجتهاده، وهو مع ذلك سالك طريق من سلفه في الاستدلال، دون ابتداع لطريق جديدة في الاستدلال، ولا خروج على إجماع متحقق في الأمة، متخيرا فيما اختلفوا فيه من غير إحداث لقول محدث؛ فهذا لا يقال بأنه قد أسس مذهبًا جديدًا، وليس من هذا الوصف في شيء.

والله المستعان.

---

*ﺣﺴﺒﻚ ﻣﻦ ﺷﺮ ﺳﻤﺎﻋﻪ!* &#&# &#&#&#&# &#&#&#&#&#