التميز خلال 24 ساعة
 العضو الأكثر نشاطاً هذا اليوم   الموضوع النشط هذا اليوم   المشرف المميزلهذا اليوم 
قريبا
تأكد وتحقق من صحة الحديث عبر اسرع موقع
بقلم : الرهيب
الرهيب
« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: 📚 رحيق القراءه (آخر رد :الرهيب)       :: تأكد وتحقق من صحة الحديث عبر اسرع موقع (آخر رد :الرهيب)       :: ❖ فضفضة حافظ ..💜☁️ (آخر رد :الرهيب)       :: تهنئة …للإستاذ الدكتور " محمد حامد البحيري" بمناسبة تعيينه وكيلاً للشؤون الإدارية في جامعة الملك خالد (آخر رد :علي بن قحمان القرني)       :: ✍ خواطر جميله (آخر رد :الرهيب)       :: ضبط الانوثة (آخر رد :الرهيب)       :: *💫 #علمتني_آية 💫* (آخر رد :الرهيب)       :: اجرى الأستاذ " محمد احمد محمد بركات الـ سعيد " عملية جراحية بمستشفى الباحة (آخر رد :علي بن قحمان القرني)       :: تهنئة تخرج " إياد مبارك احمد جمعان " من جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تخصص ( طب طوارئ) (آخر رد :علي بن قحمان القرني)       :: حكم ذهبية مميزة لن تمل من قراءتها* (آخر رد :الرهيب)       :: كن مع الله يكن معك (آخر رد :الرهيب)       :: 【لا تكـن إمَّعـة】 (آخر رد :الرهيب)      



العلوم الشرعية قسم يهتم بكافة العلوم الشرعية فقط

الإهداءات

إضافة رد

 
LinkBack أدوات الموضوع

قديم 04-21-2011, 04:20 PM   #9
 
الصورة الرمزية ح ـلــم
افتراضي رد: وقفــ ـ ـ ـ ــات إيمانيه مع آيـات الذكر الحكيم .. شاركونـــا ( متجدد )

" تفسير سورة المسد "

قال تعالى:

" تَبّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبّ * مَآ أَغْنَىَ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَىَ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مّسَدٍ "

قال البخاري: حدثنا محمد بن سلام، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى: «يا صباحاه» فاجتمعت إليه قريش فقال: «أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدقوني ؟ ـ قالوا: نعم، قال: ـ فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا ؟ تبّاً لك فأنزل الله: {تبت يدا أبي لهب وتب} إلى آخرها وفي رواية فقام ينفض يديه وهو يقول: تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله: {تبت يدا أبي لهب وتب} الأول دعاء عليه والثاني خبر عنه، فأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واسمه عبد العزى بن عبد المطلب، وكنيته أبو عتيبة وإنما سمي أبا لهب لإشراق وجهه، وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والبغضة له والازدراء به والتنقص له ولدينه.

قال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن أبي العباس، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: أخبرني رجل يقال له ربيعة بن عباد من بني الديل وكان جاهلياً فأسلم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول: «يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا» والناس مجتمعون عليه ووراءه رجل وضيء الوجه أحول ذو غديرتين يقول: إنه صابىء كاذب، يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه فقالوا هذا عمه أبو لهب، ثم رواه عن سريج عن ابن أبي الزناد عن أبيه فذكره قال أبو الزناد قلت لربيعة كنت يومئذ صغيراً ؟ قال: لا والله إني يومئذ لأعقل أني أزفر القربة، تفرد به أحمد

وقال محمد بن إسحاق: حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال: سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول: إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل ووراءه رجل أحول وضيء الوجه ذو جمة، يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم
على القبيلة فيقول: «يا بني فلان إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به» وإذا فرغ من مقالته قال الاَخر من خلفه: يا بني فلان هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى، وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له ولا تتبعوه، فقلت لأبي: من هذا ؟ قال: عمه أبو لهب، رواه أحمد أيضاً والطبراني بهذا اللفظ، فقوله تعالى: {تبت يدا أبي لهب} أي خسر وخاب وضل عمله وسعيه {وتب} أي وقد تب تحقق خسارته وهلاكه

وقوله تعالى: {ما أغنى عنه ماله وما كسب}
قال ابن عباس وغيره :{وما كسب} يعني ولده، وروي عن عائشة ومجاهد وعطاء والحسن وابن سيرين مثله، وذكر عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إلى الإيمان، قال أبو لهب: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب الأليم بمالي وولدي فأنزل الله تعالى {ما أغنى عنه ماله وما كسب} وقوله تعالى: {سيصلى ناراً ذات لهب} أي ذات لهب وشرر وإحراق شديد {وامرأته حمالة الحطب} وكانت زوجته من سادات نساء قريش وهي أم جميل، واسمها أروى بنت حرب بن أمية، وهي أخت أبي سفيان وكانت عوناً لزوجها على كفره وجحوده وعناده. فلهذا تكون يوم القيامة عوناً عليه في عذابه في نار جهنم، ولهذا قال تعالى: {حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد} يعني تحمل الحطب فتلقي على زوجها ليزداد على ما هو فيه، وهي مهيأة لذلك مستعدة له
{في جيدها حبل من مسد}
قال مجاهد وعروة: من مسد النار
وعن مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والثوري والسدي {حمالة الحطب} كانت تمشي بالنميمة واختاره ابن جرير
وقال العوفي عن ابن عباس وعطية الجدلي والضحاك وابن زيد: كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن جرير: كانت تعيرالنبي صلى الله عليه وسلم بالفقر، وكانت تحتطب فعيرت بذلك، كذا حكاه ولم يعزه إلى أحد، والصحيح الأول والله أعلم.
قال سعيد بن المسيب: كانت لها قلادة فاخرة فقالت لأنفقنها في عداوة محمد يعني فأعقبها الله بها حبلاً في جيدها من مسد النار.
وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن سليم مولى الشعبي عن الشعبي قال: المسد الليف
وقال عروة بن الزبير: المسد سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً
وعن الثوري: هي قلادة من نار طولها سبعون ذراعا
وقال الجوهري: المسد الليف، والمسد أيضاً حبل من ليف أو خوص وقد يكون من جلود الإبل أو أوبارها، ومسدت الحبل أمسده مسداً إذا أجدت فتله

قال مجاهد: {في جيدها حبل من مسد} أي طوق من حديد، ألا ترى أن العرب يسمون البكرة مسداً ؟
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي وأبو زرعة قالا حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي، حدثنا سفيان حدثنا الوليد بن كثير عن أبي بدرس عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما نزلت {تبت يدا أبي لهب} أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب، ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول

مذمماً أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا

ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد، ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله لقد أقبلت وأنا أخاف عليك أن تراك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنها لن تراني» وقرأ قرآناً اعتصم به كما قال تعالى: {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالاَخرة حجاباً مستوراً} فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ولم ترَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني، فقال: لا ورب هذا البيت ما هجاك، فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها قال: وقال الوليد في حديثه أو غيره: فعثرت أم جميل في مرطها وهي تطوف بالبيت فقالت: تعس مذمم، فقالت أم حكيم بنت عبد المطلب: إني لحصان فما أكلم، وثقاف فما أعلم، وكلتانا من بني العم، وقريش بعد أعلم

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا إبراهيم بن سعيد وأحمد بن إسحاق قالا: حدثنا أبو أحمد، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت {تبت يدا أبي لهب} جاءت امرأة أبي لهب ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ومعه أبو بكر، فقال له أبو بكر: لو تنحيت لا تؤذيك بشيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنه سيحال بيني وبينها» فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر فقالت: يا أبا بكر هجانا صاحبك، فقال أبو بكر، لا ورب هذه البنية ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به، فقالت: إنك لمصدق، فلما ولّت قال أبو بكر: ما رأتك ؟ قال: «لا ، ما زال ملك يسترني حتى ولت»
ثم قال البزار: لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد عن أبي بكر رضي الله عنه.
وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى: {في جيدها حبل من مسد} أي في عنقها حبل من نار جهنم ترفع به إلى شفيرها ثم ترمى إلى أسفلها، ثم كذلك دائماً، قال أبو الخطاب بن دحية في كتاب التنوير، وقد روى ذلك وعبر بالمسد عن حبل الدلو، كما قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات: كل مسد رشاء، وأنشد في ذلك

وبكرة ومحوراً صراراً ومسداً من أبق مغاراً

قال: والأبق القنب. وقال الاَخر

يامسد الخوص تعوذ مني

إن تك لدناً ليناً فإني

ماشئت من أشمط مقسئن

قال العلماء: وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة، فإنه منذ نزل قوله تعالى: {سيصلى ناراً ذات لهب وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد} فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان لم يقيض لهما أن يؤمنا ولا واحد منهما لا باطناً ولا ظاهراً، لا مسراً ولا معلناً، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة الباطنة على النبوة الظاهرة.



ح ـلــم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-21-2011, 11:59 PM   #10
 
الصورة الرمزية عزيز النفس
 

عزيز النفس سوف تصبح مشهورا في وقت قريب بما فيه الكفايةعزيز النفس سوف تصبح مشهورا في وقت قريب بما فيه الكفاية
افتراضي رد: وقفــ ـ ـ ـ ــات إيمانيه مع آيـات الذكر الحكيم .. شاركونـــا ( متجدد )

اثابك الله



عزيز النفس غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-22-2011, 01:32 PM   #11
 
الصورة الرمزية ح ـلــم
افتراضي رد: وقفــ ـ ـ ـ ــات إيمانيه مع آيـات الذكر الحكيم .. شاركونـــا ( متجدد )

تفسير العشر الآيات الأولى من سورة الكهف
الكهف مكيَّة واستثنى بعض المفسرين بعض الآيات: أولها (1 - 8)، وآية رقم (28) ومن
(107 - 110) على أنها مدنية، ولكن هذا الاستثناء يحتاج إلى دليل؛ لأن الأصل أن السُّور المكيَّة مكيَّةٌ كلها وأن المدنيَّة مدنيَّةٌ كُلُّها، فإذا رأيت استثناءً فلا بد من دليل.
والمَكِّي ما نزل قبل الهجرة والمدنِيُّ ما نزَل بعد الهجرة حتى وإن نزل بغير المدينة مثل قوله تعالى:
( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينا)(المائدة: الآية3) فقد نزلت بعرفة عام حجة الوداع.

* * *

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا(1)قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حسنا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (الكهف:3)
قوله تعالىالْحَمْدُ ) هو وصفُ المحمود بالكمال محبة وتعظيماً، وبقولنا محبةً وتعظيماً خرج المدح؛ لأن المدح لا يستلزم المحبة والتعظيم، بل قد يَمدح الإنسان شخصاً لا يساوي فلساً ولكن لرجاء منفعة أو دفع مضرة، أما الحمد فإنه وصف بالكمال مع المحبة والتعظيم.
( لِلَّهِ) هذا اسمٌ عَلَمٌ على الله مُختَصٌّ به لا يوصف به غيره، وهو عَلَمٌ على الذات المقدَّسة تبارك وتعالى.
(الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ) جملة: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ } هل هي خَبَرٌ، أراد الله أن يُخبر عباده بأنه محمود، أو هي إنشاءٌ وتوجيهٌ على أنَّنا نحمدُ الله على هذا، أو الجميع؟
الجواب: الجميع، فهو خبرٌ من الله عن نفسه، وهو إرشادٌ لنا أن نَحمدَ الله على ذلك.
(عَبْدِهِ) يعني مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم، وَصَفَهُ تعالى بالعبودية؛ لأنه أعبَدُ البَشَر لله . وقد وصَفَه تعالى بالعبودية في حالات ثلاث:
1 -حالِ إنزال القرآن عليه كما في هذه الآية.
2 -في حالِ الدفاعِ عنهُ صلى الله عليه وسلم، قال تعالىوَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:23)
3 -وفي حالِ الإسراءِ به، قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء:1)
{يعني في أشرف مقاماتِ النبي صلى الله عليه وسلم وَصفهُ الله بأنه عبدٌ، ونِعمَ الوصفُ أن يكون الإنسانُ عبداً لله، حتى قال العاشق في معشوقته:

لا تدعُني إلاَّ بيا عَبدَها فإنه أشرف أسمائي

{ الكتاب} أي: القرآن، سُمِّي كتاباً؛ لأنه يُكتب، أو لأنهُ جامع، لأن الكَتْب بمعنى الجَمْع، ولهذا يقالُ: الكتيبةُ يعني المجموعةُ من الخيل، والقرآن صالح لهذا وهذا فهو مكتوبٌ وهو أيضاً جامع.
(لم يجعل له عوجا)لم يجعل لهذا القرآن عوجاً بل هو مستقيم؛ ولهذا قال:
( قـَيـِّما)وقيماً حال من قوله: {الكتاب)، يعني: حالَ كونه قَيِّماً. فإن قال قائل: "لماذا لم نجعلها صفة، لأن الكتابَ منصوبٌ وَقَيِّماً منصوب؟".
فالجواب: أن قيماً نَكِرة والكتاب معرفة ولا يمكن أن توصف المعرفة بالنَّكِرَة، ومعنى {قيما} أي: مستقيماً غايةَ الاستقامة، وهنا ذَكَرَ نَفْيَ العيبِ أولاً ثم إثباتَ الكمال ثانياً. وهكذا ينبغي أن تُخلي المكان من الأذى ثم تَضع الكمال؛ ولهذا يقال: "التخلية قبل التحلية"، يعني قبل أن تُحلِّي الشيء أخلِ المكان عمَّا ينافي التحلي ثم حَلِّه، وفي قوله تعالى: { وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا (1) قيما). تنبيه. وهو أنه يجب الوقوف على قوله: { وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا } لأنك لو وصلت لصار في الكلام تناقضٌ، إذ يوهمُ أن المعنى لم يكن له عوج قَيِّم.
ثم بيَّن تعالى الحكمة من إنْزال القرآن في قوله لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حسنا)
الضمير في قوله: {لينذر } يحتملُ أن يكون عائداً على {عبده } ويحتملُ أن يكون عائداً على { الكتاب} وكلاهما صحيح، فالكتاب نَزل على الرسول صلى الله عليه وسلم لأجل أن يُنذِر به، والكتاب نفسُه مُنذِر، ينذر الناس.
( بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ ) أي من قِبَلِ الله عز وجل ، والبأس هو العذاب، كما قال تعالى فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً)(الأعراف: الآية4)، يعني عذابنا، والإنذار: هو الإخبار بما يُخَوِّف.
( وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ )التبشير: الإخبار بما يسر، وهنا نجد أنه حُذِف المَفعول في قوله:{لِيُنْذِر} وذكر المفعول في قوله: { وَيُبَشِّر}، فكيف نقدر المفعول بـ"ينذر"؟
الجواب: نُقدِّرُه في مقابل من يُبَشَّر وهم المؤمنون فيكون تقديره "الكافرين"، وهذه فائدة من فوائد علم التفسير: أنّ الشيء يعرَف بذكر قبيله المقابل له، ومنه قوله تعالى: { فانفروا ثباتا أو انفروا جميعاً} [النساء: 71] . {ثبات } : يعني "متفرقين" والدليل ذكر المقابل له(أو انفروا جميعاً)
وقوله تعالى: { الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ } يفيد أنه لا بدَّ مع الإيمان من العمل الصالح، فلا يكفي الإيمان وحده بل لا بد من عمل صالح.؛ ولهذا قيل لبعض السلف: "أليس مِفتاحُ الجنَّة لا إله إلاَّ الله؟" يعني فمن أتى به فُتح له! قال: بلى، ولكن هل يفتحُ المفتاحُ بلا أسنان؟
(الْمُؤْمِنِين) الذين آمنوا بما يجب الإيمان به، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ما يجب الإيمان به لجبريل حين سأله عن الإيمان فقال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشرِّه" [1]
( الذين يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ) يعني يعملون الأعمال الصالحات، ومتى يكون العمل صالحاً؟
الجواب: لا يمكن أن يكون صالحاً إلاَّ إذا تضمن شيئين:
1 -الإخلاص لله تعالى: بألا يقصد الإنسان في عمله سوى وجه الله والدار الآخرة.
2 -المتابعة لشريعة الله: ألاّ يخرج عن شريعة الله سواء شريعة محمد صلى الله عليه وسلم أو غيره.
ومن المعلوم أن الشرائع بعد بِعثة الرسول صلى الله عليه وسلم كلها منسوخة بشريعته صلى الله عليه وسلم.
وضد الإخلاص: الشرك، والإتباع ضد الابتداع، إذاً البدعة لا تقبل مهما ازدانت في قلب صاحبها ومهما كان فيها من الخشوع ومهما كان فيها من ترقيق القلب لأنها ليست موافقة للشرع؛ ولهذا نقول: كُل بدعة مهما استحسنها مبتدعها فإنها غير مقبولة، بل هي ضلالة كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، فمن عمل عملاً على وفق الشريعة ظاهراً لكن القلب فيه رياء فإنه لا يقبل لفقد الإخلاص، ومن عمل عملاً خالصاً على غير وفق الشريعة فإنه لا يقبل، إذاً لا بد من أمرين: إخلاصٍ لله ، واتباعٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإلاَّ لم يكن صالحاً، ثم بيَّن تعالى ما يُبَشَّر به المؤمنون فقال:
(أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حسنا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (الكهف:3) (أجرا) أي ثواباً، وسمى الله عز وجل ثواب الأعمال أجراً لأنها في مقابلة العمل، وهذا من عدله جلَّ وعلا أن يسمي الثواب الذي يثيب به الطائعَ أجراً حتى يطمئن الإنسان لضمان هذا الثواب؛ لأنه معروف أن الأجير إذا قام بعمله فإنه يستحق الأجر.
وقوله: {حسنا } جاء في آية أخرى ما هو أعلى من هذا الوصف وهو قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة)(يونس: الآية26) وجاء في آية أخرى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرحمن: 60] فهل نأخذ بما يقتضي التساوي أو بما يقتضي الأكمل؟
الجواب: بما يقتضي الأكمل، فنقول:{حسنا} أي هو أحسن شيء ولا شك في هذا، فإن ثواب الجنة لا يعادله ثواب.
وقوله: ( مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً ) أي باقين فيه أبداً، إلى ما لا نهاية، فلا مرض ولا موت ولا جوع ولا عطش ولا حر ولا برد، كل شيء كامل من جميع الوجوه.
واعلم أن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الجنَّة موجودة الآن وأنها مؤبدة، وأن النار موجودة الآن وأنها مؤبدة، وقد جاء هذا في القرآن، فآيات التأبيد بالنسبة لأصحاب اليمين كثيرة، أما بالنسبة لأصحاب الشمال فقد ذُكر التأبيد في آيات ثلاث:
1 -في سورة النساء، قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً) (النساء:168) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) (النساء:169)
2 -في سورة الأحزاب، قال تعالى إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً) (الأحزاب:64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً) (الأحزاب:65)
3 -في سورة الجن في قوله تعالى وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً)(الجـن: الآية23)
وإذا كانت ثلاثُ آيات من كتاب الله صريحة في التأبيد فلا ينبغي أن يكون هناك خلاف، كما قيل:
{وليس كل خلاف جاء معتبراً إلاَّ خلافاً له حظٌّ من النَّظرِ} وما ذكر من الخلاف في أبدية النار لا حظَّ له، كيف يقول الخالق العليم: { خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً } ثم يقال: لا أبدية؟ هذا غريب، من أغرب ما يكون، فانتبهوا للقاعدة في مذهب أهل السنّة والجماعة: أن الجنَّة والنار مخلوقتان الآن لأن الله ذكر في الجنة {أعدت } وفي النار (أعدت). وثانياً: أنهما مؤبدتان لا تفنَيان لا هما ولا من فيهما كما سمعتم.

* * *

(وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً(4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً) (الكهف:5)
قوله تعالى: { وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً } كالإيضاح لما أبهم في الآية السابقة، فيه إنذار لمثل النصارى الذين قالوا: إن المسيح ابن الله، ولليهود الذين قالوا: العُزير ابن الله، وللمشركين الذين قالوا: إن الملائكة بنات الله.
والعزير ليس بنبي ولكنه رجل صالح.
( مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) أي بالولد أو بالقول، { مَا لَهُمْ بِهِ } أي بهذا القول، أو { مَا لَهُمْ بِهِ } أي بالولد (مِنْ عِلْمٍ ) فإذا انتفى العلم ما بقي إلاَّ الجهل.
(وَلا لآبَائِهِمْ) الذين قالوا مثل قولهم، ليس لهم في ذلك علم، ليسَ هناك ألاّ أوهام ظنوها حقائق وهي ليست علوماً.
(كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ) قد يُشكل على طالب العلم نَصْبُ(كَلِمَة)
والجواب(كَلِمَة)تمييز والفاعل محذوف والتقدير "كبرت مقالتهم كلمةً" تخرج من أفواههم: أي عَظُمت لأنها عظيمة والعياذ بالله، كما قال تعالى تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً(90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً(91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ ولداً(92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً) (مريم:93) . يعني: مستحيل غاية الاستحالة أن يكون له ولد.
فإن قال قائل: "أليس الله يقول: (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) (الزخرف:81)
الجواب: نعم. ولكن التعليق بالشرط لا يدل على إمكان المشروط، لأننا نفهم من آيات أخرى أنه لا يمكن أن يكون وهذا كقوله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يقرؤون الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ)(يونس: الآية94)وهو صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يَشك، ولكن على فرض الأمر الذي لا يقع، كقوله تعالى لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الأنبياء:22) . فإنه لا يمكن أن يكون فيهما آلهة سوى الله عز وجل ، فتبين بهذا أن التعليق بالشرط لا يدل على إمكان المشروط، بل قد يكون مستحيلاً غاية الاستحالة.
قوله تخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ) هل لنا أن نستفيد من قوله: (ُمِنْ أَفْوَاهِهِمْ) أن هؤلاء يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم وأنهم لا يستيقنون أن لله ولداً؛ لأن أي عاقل لا يمكن أن يقول إن لله ولداً، فكيف يمكن أن يكون لله ولدٌ، وهذا الولد من البشر نراه مثلنا يأكل ويشرب ويلبس، ويلحقه الجوع والعطش والحر والبرد، كيف يكون ولدٌ لله تعالى؟ هذا غير ممكن؛ ولذلك قال إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً) "إن" بمعنى "ما" ومن علامات "إن" النافية أن يقع بعدها "إلاَّ" {إن أنت إلا نذير } [فاطر: 23] ، { إن هذا إلا سحر مبين} [المائدة: 110] .
(إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً) أي ما يقول هؤلاء إلاَّ كذباً. والكذب: هو الخبر المخالف للواقع، والصدق: هو الخبر المطابق للواقع، فإذا قال قائل: "قدِم فلانٌ اليوم" وهو لم يَقدُم، فهذا كذب سَواءٌ علم أم لم يعلم، ودليل ذلك قصة سُبَيْعةَ الأسلمِيَّةِ رضي الله عنها حينما مات عنها زوجها وهي حامل فوضعت بعد موته بليالٍ ثم خلعت ثياب الحداد، ولبست الثياب الجميلة تريد أن تُخطَب، فدخل عليها أبو السنابل فقال لها: "ما أنت بناكح حتى يأتي عليك أربعةُ أشهر وعشر"، لأنها وضعت بعد موت زوجها بنحو أربعين ليلة أو أقل أو أكثر، فلبست ثياب الإحداد ثم أتت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبرته بالخبر فقال لها: "كذب أبو السنابل"[2] ، مع أن الرجل ما تعمد الكذب، يظن أنها تعتدُ بأطول الأجلين، فإن بقيت حاملاً بعد أربعةِ أشهر وعشر بقيت في الإحداد حتى تضع، وإن وضعت قبل أربعة أشهر وعشر بقيت في الإحداد حتى تتم لها أربعةُ أشهر وعشر، تعتد أطول الأجلين، ولكن السنَّة بينت أن الحامل عِدَّتُها وضع الحمل ولو دون أربعةِ أشهر، فالشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق على قول أبي السنابل "كَذب" مع أنه لم يتعمد.

* * *

(فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) (الكهف:6)
قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ } الخِطاب للرسول صلى الله عليه وسلم { بَاخِعٌ نَفْسَكَ } مهلكٌ نفسَك، لأنه كان صلى الله عليه وسلم إذا لم يجيبوه حَزِنَ حَزناً شديداً، وضاق صدره حتى يكادَ يَهلك، فسلَّاه الله وبيّن له أنه ليس عليه من عدم استجابتهم من شيء، وإنما عليه البلاغ وقد بلَّغ.
( عَلَى آثَارِهِمْ) أي باتباع آثارهم، لعلَّهم يرجعون بعد عدم إجابتهم وإعراضهم.
( إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيث)ِ أي إن لم يؤمنوا بهذا القرآن.
(أَسَفاً)مفعول من أجله، العامل فيه: { بَاخِعٌ } المعنى أنه لعلك باخع نفسك من الأسف إذا لم يؤمنوا بهذا مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس عليه من عدم استجابتهم من شيء، ومهمة الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ،. قال تعالى: { فإنما عليك البلاغ } [الرعد: 40] ، وهكذا ورثته من بعده: العلماء، وظيفتهم البلاغ وأما الهداية فبيد الله، ومن المعلوم أن الإنسان المؤمن يحزن إذا لم يستجب الناس للحق، لكنَّ الحازنَ إذا لم يقبل الناس الحق على نوعين:
1 - نوع يحزن لأنه لم يُقبل.
2 - ونوع يحزن لأن الحق لم يُقبل.
والثاني هو الممدوح لأن الأول إذا دعا فإنما يدعو لنفسه، والثاني إذا دعا فإنما يدعو إلى الله عز وجل ، ولهذا قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك } [النحل: 125 .
لكن إذا قال الإنسان أنا أحزن؛ لأنه لم يُقبل قولي؛ لأنه الحق ولذلك لو تبين لي الحق على خلاف قولي أخذت به فهل يكون محموداً أو يكونُ غير محمود؟
الجواب: يكون محموداً لكنه ليس كالآخرِ الذي ليس له همٌّ إلاَّ قَبول الحق سَواء جاء من قِبَله أو جاء من قبل غيره.

* * *

(إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الكهف:7)
إذا تأملت القرآن تجد أنه غالباً يقدم الشرع على الخلق، قال الله تعالى: {الرحمن (1) علم القرآن (2) خلق الإنسان(3) ( الرحمن) ، وتأمل الآيات في هذا المعنى تجد أن الله يبدأ بالشرائع قبل ذكر الخلق وما يتعلق به؛ لأن المخلوقات إنما سُخِّرت للقيام بطاعة الله عز وجل، قال الله تبارك وتعالى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56) ، وقال )هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً)(البقرة: الآية29)إذاً المهم القيام بطاعة الله ، وتأمل هذه النكتة حتى يتبين لك أن أصل الدنيا وإيجاد الدنيا، إنما هو للقيام بشريعة الله عز وجل.
قوله تعالى: { إنا جعلنا} أي صَيَّرنا، وجعل تأتي بمعنى: خلق وبمعنى صيَّر، فإن تعدَّت لمفعولٍ واحدٍ فإنها بمعنى "خلق"، مثل قوله تعالى وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)(الأنعام: الآية1)وإن تعدَّت لمفعولين فهي بمعنى صَيَّر، مثل قوله تعالى: )إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف:3) : أي صيَّرناه بلغة العرب،وإنما نبَّهتُ على ذلك؛ لأن الجهمية يقولون: إنَّ الجعلَ بمعنى الخلق في جميع المواضع، ويقولون: معنى قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّا } : أي خلقناه، ولكن هذا غلط على اللغة العربية.
( جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا ) هنا جعل بمعنى صَيَّر فالمفعول الأول "ما" والمفعول الثاني "زينة" أي أنَّ ما على الأرض جعله الله زينة للأرض وذلك لاختبار الناس. هل يتعلقون بهذه الزينة أم يتعلقون بالخالق؟ الناس ينقسمون إلى قسمين، منهم من يتعلق بالزينة ومنهم من يتعلق بالخالق، واسمع إلى قوله تعالى مبيناً هذا الأمر.
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) (الأعراف:175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الأعراف:176)
إذاً جعل الله الزينة لاختبار العباد، سَواءٌ أكانت هذه الزينة فيما خلقه الله عز وجل وأوجده، أم مما صنعه الآدمي، فالقصور الفخمة المزخرفة زينة ولا شك، ولكنها من صنع الآدمي، والأرض بجبالها وأنهارها ونباتها وإذا أنزل الله الماء عليها اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، هذه زينة من عند الله تعالى.
قوله تعالى: { لِنَبْلُوَهُمْ } أي نختبرهم.
وقوله تعالى: { أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } الضمير يعود للخلق، وتأمل قوله تعالى: {ْ أَحْسَنُ عَمَلاً } ولم يقل: "أكثر عملاً"؛ لأن العبرة بالأحسن لا بالأكثر ، وعلى هذا لو صلى الإنسان أربع ركعات لكنْ على يقين ضعيف أو على إخلال باتباع الشرع، وصلى آخر ركعتين بيقين قوي ومتابعةٍ قوية فأيهما أحسن؟ الثاني؛ بلا شك أحسن وأفضل، لأن العبرة بإحسان العمل وإتقانه إخلاصاً ومتابعة.
في بعض العبادات الأفضل التخفيف كركعتي الفجر مثلاً، لو قال إنسان: أنا أحب أن أطيل فيها في قراءة القرآن وفي الركوع والسجود والقيام، وآخر قال: أنا أريد أن أخفف، فالثاني أفضل؛ ولهذا ينبغي لنا إذا رأينا عامِّيَّاً يطيل في ركعتي الفجر أن نسأله: "هل هاتان الركعتان ركعتا الفجر أو تحية المسجد؟". فإن كانت تحية المسجد فشأنه، وإن كانت ركعتي الفجر قلنا: لا، الأفضل أن تخفف، وفي الصيام رخَّص صلى الله عليه وسلم لأمته أن يواصلوا إلى السَّحَر، وندبهم إلى أن يفطروا من حين غروب الشمس، فصام رجلان أحدهما امتد صومه إلى السحور والثاني أفطر من حين غابت الشمس، فأيهما أفضل؟ الثاني أفضل بلا شك، والأول وإن كان لا ينهى عنه فإنه جائز ولكنه غير مشروع، فانتبه لهذا { أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } ولذلك تجد النبي صلى الله عليه وسلم يفعل من العبادات ما كان أحسن: يحث على اتباع الجنائز وتمر به الجنائز ولا يتبعها، يحث على أن نصوم يوماً ونُفطِر يوماً ومع ذلك هو لا يفعل هذا، بل كان أحياناً يطيل الصوم حتى يقال: لا يفطر، وبالعكس يفطر حتى يقال: لا يصوم، كل هذا يتبع ما كان أرضى لله عز وجل وأصلح لقلبه.

***

(وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً) (الكهف:8)
قوله تعالى: { صَعِيداً } هذه الأرض بزينتها، بقصورها وأشجارها ونباتها، سوف يجعلها الله تعالى { صَعِيداً جُرُزاً } أي خالياً، كما قال تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً) (طـه:105)
، أي نسفاً عظيماً ولهذا جاء مُنَكَّراً: أي نسفاً عظيماً، قال تعالى فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً) (طـه:106) لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً) (طـه:107) وبلحظة: كن فيكون! إذاً هذه الأرض يا أخي لا يَتعلَّق قلبك بها فهي زائلة، هي ستصير كأن لم تكن كما قال : ) كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ)(يونس: الآية24).
وتأمل الجملة الآن: { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ } فيها مُؤكِّدان، "إنَّ" و"اللام"، ثم إنها جاءت بالجملة الإسمية الدالة على القدرة المستمرة، إذا قامت القيامة أين القصور؟ لا قصور، لا جبال، لا أشجار، الأرض كأنها حجر واحد أملس، ما فيها نبات ولا بناء ولا أشجار ولا غير ذلك، سيحولها الله تعالى { جُرُزاً } خالية من زينتها التي كانت عليها.

* * *

(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً) (الكهف:9)
قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ} "أم" هنا منقطعة، فهي بمعنى "بل"، و{حَسِبْتَ } بمعنى ظننتَ، هنا أتى بـ"أم" المنقطعة التي تتضمن الاستفهام من أجل شد النَّفس إلى الاستماع إلى القصة لأنها حقيقة عَجب، هذه القصة عجب.
( الْكَهْفِ) الغار في الجبل.
(وَالرَّقِيم) بمعنى المرقوم: أي المكتوب لأنه كتب في حجر على هذا الكهف قصتُهم من أولها إلى آخرها.
( كَانُوا ) أي أصحاب الكهف والرقيم.
( مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً) من آيات الله الكونية.
(عَجَبا) أي محل تعجُّب واستغراب لأن هؤلاء سبعةٌ معهم كلب كرهوا ما عليه أهل بلدهم من الشرك فخرجوا متَّجهين إلى الله يريدون أن ينجوا بأنفسهم مما كان عليه أهل بلدهم، فلجأوا إلى هذا الغار، وكان من حسن حظهم أن هذا الغار له باب لا يتَّجه للمشرق ولا للمغرب، سبحان الله! توفيق؛ لأنه لو اتجه إلى المشرق لأكلتهم الشمس عند الشروق، ولو اتجه إلى المغرب لأكلتهم عند الغروب. كما قال تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ)(الكهف: الآية17) وسيأتينا إن شاء الله تعالى.

* * *

(إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً) (الكهف:10)
(إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ)من هنا بدأت القصة، وعلى هذا يكون (إِذْ أَوَى) متعلق بمحذوف تقديره: "اذكر إذ أوى الفتية" وكان كفار قريش قد سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن قصتهم وهو عليه الصلاة والسلام لم يقرأ الكتب، قال تعالى عنه: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) (العنكبوت:48). فوعدهم فأنجز الله له الوعد.
و{الْفِتْيَة } جمع فتى، وهو الشاب الكامل القوة والعزيمة.
( إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) أي لجأوا إليه من قومهم فارين منهم خوفاً أن يصيبهم ما أصاب قومهم من الشرك والكفر بالبعث، فقالوا: (رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَة)ً لجأوا إلى الله.
( آتِنَا ) أعطنا.
( من لَدُنْكَ ) أي من عندك.
(رحمة)أي رحمة ترحمنا بها، وهذا كقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر - رضي الله عنه - حين قال أبو بكر لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: عَلِّمْنِي دُعاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاتِي قَالَ: قُلِ "اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم"[3] .
(وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً) (وَهَيِّئْ ) اجعل لنا، وتهيئة الشيء أن يُعد ليكون صالحاً للعمل به.
(مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً) الرشد: ضد الغَيّ، أي اجعل شأننا موافقاً للصواب.
أنتهى




التعديل الأخير تم بواسطة ح ـلــم ; 04-22-2011 الساعة 01:38 PM.
ح ـلــم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-22-2011, 01:40 PM   #12
 
الصورة الرمزية ح ـلــم
افتراضي رد: وقفــ ـ ـ ـ ــات إيمانيه مع آيـات الذكر الحكيم .. شاركونـــا ( متجدد )

تفسير سورة القارعة



من الاية 1 الى الاية 2

الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2)



سورة
القارعة


القارعة:القيامة . كالطامة , والصاخة , والحاقة , والغاشية . والقارعة توحي بالقرع واللطم , فهي تقرع القلوب بهولها .

والسورة كلها عن هذه
القارعة . حقيقتها . وما يقع فيها . وما تنتهي إليه . . فهي تعرض مشهدا من مشاهد القيامة .

والمشهد المعروض هنا مشهد هول تتناول آثاره الناس والجبال . فيبدو الناس في ظله صغارا ضئالا على كثرتهم:فهم (كالفراش المبثوث)مستطارون مستخفون في حيرة الفراش الذي يتهافت على الهلاك , وهو لا يملك لنفسه وجهة , ولا يعرف له هدفا ! وتبدو الجبال التي كانت ثابتة راسخة كالصوف المنفوش تتقاذفه الرياح وتعبث به حتى الأنسام ! فمن تناسق التصوير أن تسمى القيامة بالقارعة , فيتسق الظل الذي يلقيه اللفظ , والجرس الذي تشترك فيه حروفه كلها , مع آثار
القارعة في الناس والجبال سواء ! وتلقي إيحاءها للقلب والمشاعر , تمهيدا لما ينتهي إليه المشهد من حساب وجزاء !

(القارعة . ما
القارعة ? وما أدراك ما القارعة ?). .

لقد بدأ بإلقاء الكلمة مفردة كأنها قذيفة: (القارعة)بلا خبر ولا صفة . لتلقي بظلها وجرسها الإيحاء المدوي المرهوب !

ثم أعقبها سؤال التهويل: (ما
القارعة ?). . فهي الأمر المستهول الغامض الذي يثير الدهش والتساؤل !





من الاية 3 الى آخر السورة

وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ (5) فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)


ثم أجاب بسؤال التجهيل: (وما أدراك ما القارعة ?). . فهي أكبر من أن يحيط بها الإدراك , وأن يلم بها التصور !

ثم الإجابة بما يكون فيها , لا بماهيتها . فماهيتها فوق الإدراك والتصور كما أسلفنا:

(يوم يكون الناس كالفراش المبثوث , وتكون الجبال كالعهن المنفوش). .

هذا هو المشهد الأول للقارعة . مشهد تطير له القلوب شعاعا , وترجف منه الأوصال ارتجافا . ويحس السامع كأن كل شيء يتشبث به في الأرض قد طار حوله هباء ! ثم تجيء الخاتمة للناس جميعا:

(فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية , وأما من خفت موازينه فأمه هاوية . وما أدراك ما هيه ? نار حامية !).

وثقل الموازين وخفتها تفيدنا:قيما لها عند الله اعتبار , وقيما ليس لها عنده اعتبار . وهذا ما يلقيه التعبير بجملته , وهذا - والله أعلم - ما يريده الله بكلماته . فالدخول في جدل عقلي ولفظي حول هذه التعبيرات هو جفاء للحس القرآني , وعبث ينشئه الفراغ من الاهتمام الحقيقي بالقرآن والإسلام !

(فأما من ثقلت موازينه)في اعتبار الله وتقويمه(فهو في عيشة راضية). . ويدعها مجملة بلا تفصيل , توقع في الحس ظلال الرضى وهو أروح النعيم .

(وأما من خفت موازينه)في اعتبار الله وتقويمه (فأمه هاوية). . والأم هي مرجع الطفل وملاذه . فمرجع القوم وملاذهم يومئذ هو الهاوية ! وفي التعبير أناقة ظاهرة , وتنسيق خاص . وفيه كذلك غموض يمهد لإيضاح بعده يزيد في عمق الأثر المقصود:

وما أدراك ما هيه ? . .

سؤال التجهيل والتهويل المعهود في القرآن , لإخراج الأمر عن حدود التصور وحيز الإدراك !

ثم يجيء الجواب كنبرة الختام:

نار حامية . .

هذه هي أم الذي خفت موازينه ! أمه التي يفيء إليها ويأوي ! والأم عندها الأمن والراحة . فماذا هو واجد عند أمه هذه . . الهاوية . . النار . . الحامية !!

إنها مفاجأة تعبيرية تمثل الحقيقة القاسية !



ح ـلــم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-22-2011, 01:44 PM   #13
 
الصورة الرمزية ح ـلــم
افتراضي رد: وقفــ ـ ـ ـ ــات إيمانيه مع آيـات الذكر الحكيم .. شاركونـــا ( متجدد )

تفسير سورة الكوثر

وهي مدنية ، وقيل : مكية.

بسم الله الرحمن الرحيم

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ (3) نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل، عن المختار بن فُلْفُل، عن أنس بن مالك قال: أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة، فرفع رأسه مبتسما، إما قال لهم وإما قالوا له: لم ضحكت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه أنـزلت عليَّ آنفا سورة". فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) حتى ختمها، قال: "هل تدرون ما الكوثر؟ "، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "هو نهر أعطانيه ربي، عز وجل، في الجنة، عليه خير كثير، تردُ عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، يُخْتَلَج العبد منهم فأقول: يا رب، إنه من أمتي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".
هكذا رواه الإمام أحمد بهذا الإسناد الثلاثي، وهذا السياق.
وقد ورد في صفة الحوض يوم القيامة أنه يَشْخَب فيه ميزابان من السماء عن نهر الكوثر، وأن عليه آنية عددَ نجوم السماء. وقد روى هذا الحديث مسلم وأبو داود والنسائي، من طريق محمد بن فضيل، وعلي بن مُسْهِر، كلاهما عن المختار بن فُلْفُل، عن أنس. ولفظ مسلم قال: "بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا في المسجد، إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما، قلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: "أنـزلت علي آنفا سورة"، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ ) ثم قال: "أتدرون ما الكوثر؟" قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: "فإنه نهر وَعَدنيه ربي، عز وجل، عليه خير كثير، هو حوض تَرِدُ عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم فَيختلجُ العبد منهم، فأقول: رب إنه من أمتي. فيقول: إنك لا تدري ما أحدث بعدك".
وقد استدل به كثير من القراء على أن هذه السورة مدنية، وكثير من الفقهاء على أن البسملة من السورة، وأنها منـزلة معها.
فأما قوله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) فقد تقدم في هذا الحديث أنه نهر في الجنة. وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى، عن أنس فقال: حدثنا عفان، حدثنا حماد، أخبرنا ثابت، < 8-499 > عن أنس أنه قرأ هذه الآية (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيتُ الكوثر، فإذا هو نهر يجري، ولم يُشق شقًا، وإذا حافتاه قباب اللؤلؤ، فضربت بيدي في تربته، فإذا مسكه ذَفَرة، وإذا حصاه اللؤلؤ"
وقال الإمام أحمد أيضا: حدثنا محمد بن أبي عدي، عن حميد، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فإذا أنا بنهر، حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء، فإذا مسك أذفر. قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله، عز وجل".
ورواه البخاري في صحيحه، ومسلم، من حديث شيبان بن عبد الرحمن، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: لما عُرجَ بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: "أتيتُ على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر". وهذا لفظ البخاري رحمه الله.
وقال ابن جرير: حدثنا الربيع، أخبرنا ابن وهب، عن سليمان بن هلال، عن شريك بن أبي نمر، قال: سمعت أنس بن مالك يحدثنا قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم، مضى به جبريل في السماء الدنيا، فإذا هو بنهر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فذهب يُشمَ تُرَابه، فإذا هو مسك. قال: "يا جبريل، ما هذا النهر؟ قال: هو الكوثر الذي خَبَأ لك ربك".
وقد تقدم [في] حديث الإسراء في سورة "سبحان"، من طريق شريك عن أنس [عن النبي صلى الله عليه وسلم] وهو مخرج في الصحيحين.
وقال سعيد، عن قتادة، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا أسير في الجنة إذ عرض لي نهر، حافتاه قباب اللؤلؤ مُجَوف، فقال الملك الذي معه: أتدري ما هذا؟ هذا الكوثر الذي أعطاك الله. وضرب بيده إلى أرضه، فأخرج من طينه المسك" وكذا رواه سليمان بن طِرْخان، ومعمر وهَمَام وغيرهم، عن قتادة، به.
وقال ابن جرير: حدثنا أحمد بن أبي سُرَيج حدثنا أبو أيوب العباسي، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثني محمد بن عبد الله، ابن أخي ابن شهاب، عن أبيه، عن أنس قال: سُئل رسول < 8-500 > الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر، فقال: "هو نهر أعطانيه الله في الجنة، ترابه مسك، [ماؤه] أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، ترده طير أعناقها مثل أعناق الجُزُر". فقال أبو بكر: يا رسول الله، إنها لناعمة؟ قال: "أكلها أنعم منها".
وقال أحمد: حدثنا أبو سلمة الخزاعي، حدثنا الليث، عن يزيد بن الهاد، عن عبد الوهاب، عن عبد الله بن مسلم بن شهاب، عن أنس، أن رجلا قال: يا رسول الله، ما الكوثر؟ قال: "نهر في الجنة أعطانيه ربي، لهو أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر". قال عمر: يا رسول الله، إنها لناعمة؟ قال: "أكلها أنعم منها يا عمر".
رواه ابن جرير، من حديث الزهري، عن أخيه عبد الله، عن أنس: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر، فذكر مثله سواء.
وقال البخاري: حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عائشة قال: سألتها عن قوله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) قالت: نهر [عظيم] أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم، شاطئاه عليه در مجوف، آنيته كعدد النجوم.
ثم قال البخاري: رواه زكريا وأبو الأحوص ومطرف، عن أبي إسحاق.
ورواه أحمد والنسائي، من طريق مُطرّف، به.
وقال ابن جرير: حدثنا أبو كُرَيب، حدثنا وَكِيع، عن سفيان، وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عائشة قالت: الكوثر نهر في الجنة، شاطئاه در مُجَوف. وقال إسرائيل: نهر في الجنة عليه من الآنية عدد نجوم السماء.
وحدثنا ابن حُمَيد، حدثنا يعقوب القُمي عن حفص بن حميد، عن شَمِر بن عطية، عن شقيق أو مسروق قال: قلت لعائشة: يا أم المؤمنين، حدثيني عن الكوثر. قالت: نهر في بطنان الجنة. قلت: وما بطنان الجنة؟ قالت: وسطها، حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت، ترابه المسك، وحصاؤه اللؤلؤ والياقوت.
وحدثنا أبو كريب، حدثنا وكيع، عن أبي جعفر الرازي، عن ابن أبي نجيح، عن عائشة < 8-501 > قالت: من أحب أن يسمع خرير الكوثر، فَلْيَجعل أصبعيه في أذنيه.
وهذا منقطع بين ابن أبي نجيح وعائشة، وفي بعض الروايات: "عن رجل، عنها". ومعنى هذا أنه يسمع نظير ذلك، لا أنه يسمعه نفسه، والله أعلم.
قال السهيلي: ورواه الدارقطني مرفوعا، من طريق مالك بن مِغْوَل عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال البخاري: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هُشَيم، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال في الكوثر: هو الخير الذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: فإن ناسًا يَزْعُمون أنه نهر في الجنة؟ فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه.
ورواه أيضا من حديث هشيم، عن أبي بشر وعطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: الكوثر: الخير الكثير.
[وقال الثوري، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: الكوثر: الخير الكثير].
وهذا التفسير يعم النهر وغيره؛ لأن الكوثر من الكثرة، وهو الخير الكثير، ومن ذلك النهر كما قال ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، ومحارب بن دِثَار، والحسن بن أبي الحسن البصري. حتى قال مجاهد: هو الخير الكثير في الدنيا والآخرة.
وقال عكرمة: هو النبوة والقرآن، وثواب الآخرة.
وقد صح عن ابن عباس أنه فسره بالنهر أيضا، فقال ابن جرير:
حدثنا أبو كُرَيب، حدثنا عمر بن عبيد، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: الكوثر: نهر في الجنة، حافتاه ذهب وفضة، يجري على الياقوت والدر، ماؤه أبيض من الثلج وأحلى من العسل.
وروى العوفي، عن ابن عباس، نحو ذلك.
وقال ابن جرير: حدثني يعقوب، حدثنا هشيم، أخبرنا عطاء بن السائب، عن محارب بن دِثار، عن ابن عمر أنه قال: الكوثر نهر في الجنة، حافتاه ذهب وفضة، يجري على الدر < 8-502 > والياقوت، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل.
وكذا رواه الترمذي عن ابن حميد، عن جرير، عن عطاء بن السائب، به مثله موقوفا. وقد روي مرفوعا فقال الإمام أحمد:
حدثنا علي بن حفص، حدثنا ورقاء قال... وقال عطاء [بن السائب] عن محارب بن دِثار، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب، والماء يجري على اللؤلؤ، وماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل".
وهكذا رواه الترمذي، وابن ماجة، وابن أبي حاتم، وابن جرير، من طريق محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، به مرفوعا وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقال ابن جرير: حدثني يعقوب، حدثنا ابن عُليَّة، أخبرنا عطاء بن السائب قال: قال لي محارب بن دثار: ما قال سعيد بن جبير في الكوثر؟ قلت: حَدثَنا عن ابن عباس أنه قال: هو الخير الكثير. فقال: صدق، والله إنه للخير الكثير. ولكن حدثنا ابن عمر قال: لما نـزلت: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكوثر نهر في الجنة، حافتاه من ذهب، يجري على الدر والياقوت".
وقال ابن جرير: حدثني ابن البرقي، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير، أخبرني حَرَام بن عثمان، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أسامة بن زيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب يوما فلم يجده، فسأل امرأته عنه -وكانت من بني النجار-فقالت: خرج يا نبي الله آنفا عامدًا نحوك، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار، أولا تدخلُ يا رسول الله؟ فدخل، فقدمت إليه حيسا، فأكل منه، فقالت: يا رسول الله، هنيئا لك ومريئا، لقد جئتَ وأنا أريد أن آتيك فأهْنيك وأمْريك؛ أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر. فقال: "أجل، وعرضه -يعني أرضه-ياقوت ومرجان، وزبرجد ولؤلؤ".
حَرَام بن عثمان ضعيف. ولكن هذا سياق حسن، وقد صح أصل هذا، بل قد تواتر من طريق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث، وكذلك أحاديث الحوض [ولنذكرها هاهنا].
وهكذا رُوي عن أنس، وأبي العالية، ومجاهد، وغير واحدٍ من السلف: أن الكوثر: نهر في الجنة. وقال عطاء: هو حوض في الجنة.
وقوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) أي: كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة، ومن ذلك < 8-503 > النهرُ الذي تقدم صفته -فأخلص لربك صلاتك المكتوبة والنافلة ونَحْرَك، فاعبده وحده لا شريك له، وانحر على اسمه وحده لا شريك له. كما قال تعالى: نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة [الأنعام: 162 ، 163] قال ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وعكرمة، والحسن: يعني بذلك نحر البُدْن ونحوها. وكذا قال قتادة، ومحمد بن كعب القرظي، والضحاك، والربيع، وعطاء الخراساني، والحكم، وإسماعيل بن أبي خالد، وغير واحد من السلف. وهذا بخلاف ما كان المشركون عليه من السجود لغير الله، والذبح على غير اسمه، كما قال تعالى: نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة الآية [الأنعام:121].
وقيل: المراد بقوله: (وَانْحَرْ ) وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت النحر. يروى هذا عن علي، ولا يصح. وعن الشعبي مثله.
وعن أبي جعفر الباقر: (وَانْحَرْ ) يعني: ارفع اليدين عند افتتاح الصلاة.
وقيل: (وَانْحَرْ ) أي: استقبل بنحرك القبلة. ذكر هذه الأقوال الثلاثة ابن جرير.
وقد روى ابن أبي حاتم هاهنا حديثا منكرا جدا فقال: حدثنا وهب بن إبراهيم الفامي نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة -سنة خمس وخمسين ومائتين-حدثنا إسرائيل بن حاتم المروزي، حدثنا مقاتل بن حيان، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي بن أبي طالب قال: لما نـزلت هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) قال رسول الله: "يا جبريل، ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ " فقال: ليست بنحيرة، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة، ارفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، وإذا سجدت، فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين في السموات السبع، وإن لكل شيء زينة، وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة.
وهكذا رواه الحاكم في المستدرك، من حديث إسرائيل بن حاتم، به.
وعن عطاء الخراساني: (وَانْحَرْ ) أي: ارفع صلبك بعد الركوع واعتدل، وأبرز نحرك، يعني به الاعتدال. رواه ابن أبي حاتم.
[كل هذه الأقوال غريبة جدا] والصحيح القول الأول، أن المراد بالنحر ذبح المناسك؛ ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد ثم ينحر نسكه ويقول: "من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك. ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له". فقام أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول < 8-504 > الله، إني نَسكتُ شاتي قبل الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم يشتهى فيه اللحم. قال: "شاتك شاة لحم". قال: فإن عندي عناقا هي أحب إليَّ من شاتين، أفتجزئ عني؟ قال: "تجزئك، ولا تجزئ أحدا بعدك".
قال أبو جعفر بن جرير: والصواب قول من قال: معنى ذلك: فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان؛ شكرًا له على ما أعطاك من الكرامة والخير، الذي لا كِفَاء له، وخصك به.
وهذا الذي قاله في غاية الحسن، وقد سبقه إلى هذا المعنى: محمد بن كعب القرظي، وعطاء.
وقوله: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ ) أي: إن مبغضك -يا محمد-ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين، هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذكْرُه.
قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة: نـزلت في العاص بن وائل.
وقال محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان قال: كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره. فأنـزل الله هذه السورة.
وقال شَمِر بن عطية: نـزلت في عقبة بن أبي مُعَيط.
وقال ابن عباس أيضا، وعكرمة: نـزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من كفار قريش.
وقال البزار: حدثنا زياد بن يحيى الحَسَّاني، حدثنا بن أبي عدي، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش: أنت سيدهم ألا ترى إلى هذا المُصَنْبر المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج، وأهل السدانة وأهل السقاية؟ فقال: أنتم خير منه. قال: فنـزلت: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ )
هكذا رواه البزار وهو إسناد صحيح.
وعن عطاء: نـزلت في أبي لهب، وذلك حين مات ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب أبو لهب إلى المشركين وقال: بُتِرَ محمد الليلة. فأنـزل الله في ذلك: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ )
وعن ابن عباس: نـزلت في أبي جهل. وعنه: (إِنَّ شَانِئَكَ ) يعني: عدوك. وهذا يَعُمُّ جميعَ من اتصفَ بذلك ممن ذكر، وغيرهم.
< 8-505 >
وقال عكرمة: الأبتر: الفرد. وقال السُّدِّي: كانوا إذا مات ذكورُ الرجل قالوا: بُتر. فلما مات أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: بتر محمد. فأنـزل الله: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ )
وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر الذي إذا مات انقطع ذكره، فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه ينقطع ذكره، وحاشا وكلا بل قد أبقى الله ذكره على رءوس الأشهاد، وأوجب شرعه على رقاب العباد، مستمرا على دوام الآباد، إلى يوم الحشر والمعاد صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم التناد.
آخر تفسير سورة "الكوثر"، ولله الحمد والمنة.




التعديل الأخير تم بواسطة ح ـلــم ; 04-22-2011 الساعة 01:50 PM.
ح ـلــم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-22-2011, 08:14 PM   #14
 
الصورة الرمزية ح ـلــم
افتراضي رد: وقفــ ـ ـ ـ ــات إيمانيه مع آيـات الذكر الحكيم .. شاركونـــا ( متجدد )

سـورة الإخـــــلاص }


الأيـــــــــات :

-1 - قل هو الله أحد
- 2 - الله الصمد
- 3 - لم يلد ولم يولد
- 4 - ولم يكن له كفوا أحد

التفسير: قال عكرمة: لما قالت اليهود: نحن نعبد عزير بن اللّه، وقالت النصارى: نحن نعبد المسيح بن اللّه، وقالت المجوس: نحن نعبد الشمس والقمر، وقالت المشركون: نحن نعبد الأوثان أنزل اللّه على رسوله صلى اللّه عليه وسلم: {قل هو اللّه أحد} يعني هو الواحد الأحد، الذي لا نظير له ولا وزير، ولا شبيه ولا عديل، لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله، وقوله تعالى: {اللّه الصمد} يعني الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم، قال ابن العباس: هو السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل حلمه، والعليم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو اللّه سبحانه، ليس له كفء وليس كمثله شيء، سبحان اللّه الواحد القهار، وقال الأعمش {الصمد} السيد الذي قد انتهى سؤدده، وقال الحسن وقتادة: هو الباقي بعد خلقه، وقال الحسن أيضاً {الصمد} الحي القيوم الذي لا زوال له، وقال الربيع بن أنَس: هو الذي لم يلد ولم يولد كأنه جعل ما بعده تفسيراً له، وهو قوله: {لم يلد ولم يولد} وهو تفسير جيد، وقال ابن مسعود والضحّاك
والسدي: {الصمد} الذي لا جوف له، وقال مجاهد { الصمد} المصمت
الذي لا جوف له، وقال الشعبي: هو الذي لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب. وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة بعد إيراده كثيراً من هذه الأقوال في تفسير الصمد: وكل هذه صحيحة وهي صفات ربنا عزَّ وجلَّ، هو الذي يصمد إليه في الحوائج، وهو الذي قد انتهى سؤدده، وهو الصمد الذي لا جوف له ولا يأكل ولا يشرب، وهو الباقي بعد خلقه، وقال البيهقي نحو ذلك، وقوله تعالى: {لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد} أي ليس له ولد ولا والد ولا صاحبة، قال مجاهد: {ولم يكن له كفواً أحد} يعني لا صاحبة له، وهذا كما قال تعالى: {بديع السماوات والأرض أنّى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء} أي هو مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه، أو قريب يدانيه؟ تعالى وتقدس وتنزه، قال تعالى: {وقالوا: اتخذ الرحمن ولداً لقد جئتم شيئاً إدّاً}، وقال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون}. وفي صحيح البخاري: "لا أحد أصبر على أذى سمعه من اللّه، إنهم يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم" (أخرجه البخاري). وفي الحديث القدسي: "كذبني ابن آدم ولم يكن له
ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إعادته. وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ اللّه ولداً وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد" (أخرجه البخاري أيضاً).‏
اللهم أجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور أبصارنا وأجعله شاهداً لنا لا علينا



ح ـلــم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-24-2011, 01:28 AM   #15
 
الصورة الرمزية ح ـلــم
افتراضي رد: وقفــ ـ ـ ـ ــات إيمانيه مع آيـات الذكر الحكيم .. شاركونـــا ( متجدد )

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ

سورة قريش : " ذكر حديث غريب في فضلها " قال البيهقي في كتاب الخلافيات حدثنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي بمرو حدثنا أحمد بن عبد الله المديني حدثنا يعقوب بن محمد الزهري حدثنا إبراهيم بن محمد بن ثابت بن شرحبيل حدثني عثمان بن عبد الله بن أبي عتيق عن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة عن أبيه عن جدته أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " فضل الله قريشا بسبع خلال : أني منهم وأن النبوة فيهم والحجابة والسقاية فيهم وأن الله نصرهم على الفيل وأنهم عبدوا الله عز وجل عشر سنين لا يعبده غيرهم وأن الله أنزل فيهم سورة من القرآن - ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم - " بسم الله الرحمن الرحيم لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف " . هذه السورة مفصولة عن التي قبلها في المصحف الإمام كتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم وإن كانت متعلقة بما قبلها كما صرح بذلك محمد بن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم لأن المعنى عندهما حبسنا عن مكة الفيل وأهلكنا أهله لإيلاف قريش أي لائتلافهم واجتماعهم في بلدهم آمنين .
إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ

قيل المراد بذلك ما كانوا يألفونه من الرحلة في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام في المتاجر وغير ذلك ثم يرجعون إلى بلدهم آمنين في أسفارهم لعظمتهم عند الناس لكونهم سكان حرم الله فمن عرفهم احترمهم بل من صوفي إليهم وسار معهم أمن بهم وهذا حالهم في أسفارهم ورحلتهم في شتائهم وصيفهم وأما في حال إقامتهم في البلد فكما قال الله تعالى " أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم " ولهذا قال تعالى " لإيلاف قريش إيلافهم " بدل من الأول ومفسر له ولهذا قال تعالى " إيلافهم رحلة الشتاء والصيف " قال ابن جرير : الصواب أن اللام لام التعجب كأنه يقول اعجبوا لإيلاف قريش ونعمتي عليهم في ذلك قال وذلك لإجماع المسلمين على أنهما سورتان منفصلتان مستقلتان .
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ

أرشدهم إلى شكر هذه النعمة العظيمة فقال " فليعبدوا رب هذا البيت" أي فليوحدوه بالعبادة كما جعل لهم حرما آمنا وبيتا محرما كما قال تعالى " قل إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين " .
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ

أي هو رب البيت وهو الذي أطعمهم من جوع " وآمنهم من خوف " أي تفضل عليهم بالأمن والرخص فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له ولا يعبدوا من دونه صنما ولا ندا ولا وثنا ولهذا من استجاب لهذا الأمر جمع الله له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة ومن عصاه سلبهما منه كما قال تعالى " ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون" . وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا عبد الله بن عمرو الغزي حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن ليث عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ويل لكم لإيلاف قريش من قريش " ثم قال حدثنا أبي حدثنا المؤمل بن الفضل الحراني حدثنا عيسى يعني ابن يونس عن عبد الله بن أبي زياد عن شهر بن حوشب عن أسامة بن زيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف" ويحكم يا معشر قريش اعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمكم من جوع وآمنكم من خوف " هكذا رأيته عن أسامة بن زيد وصوابه عن أسماء بنت يزيد بن السكن أم سلمة الأنصارية رضي الله عنها فلعله وقع غلط في النسخة أو في أصل الرواية والله أعلم. آخر تفسير سورة لإيلاف قريش ولله الحمد والمنة.



ح ـلــم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-24-2011, 04:49 PM   #16
افتراضي رد: وقفــ ـ ـ ـ ــات إيمانيه مع آيـات الذكر الحكيم .. شاركونـــا ( متجدد )

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية . وجزاك الله خير



ابوشاهر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس

إضافة رد





الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الحائك الحكيم الرهيب منتدى بني بحير بلقرن للقصص والروايات 2 06-19-2015 04:49 PM
همسات إيمانيه الرهيب المواضيع الاسلامية 0 03-27-2015 09:27 AM
لقمان الحكيم الرهيب قصص الانبياء و سيرة الصحابة والتابعين 10 04-24-2012 04:34 PM
انـوآااع ~ الگيــت گــات ~ واحنا يآ حظي مآفي إلآ نوع وآحد :) عـ القناص ـزوز الاحتفالات والتصوير والغرائب 14 01-02-2010 07:45 PM

Rss  Rss 2.0  Html  Xml  Sitemap  دليل المنتديات


الساعة الآن 04:05 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
ارشفة ودعم SALEM ALSHMRANI
F.T.G.Y 3.0 BY: D-sAb.NeT © 2011
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات بني بحير بلقرن

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75