التميز خلال 24 ساعة
 العضو الأكثر نشاطاً هذا اليوم   الموضوع النشط هذا اليوم   المشرف المميزلهذا اليوم 
قريبا
إلى رحمة الله " مهدي بن بلغيث ال سعيد القرني" والصلاة عليه عصر اليوم في مسجد العباس بالطائف
بقلم : علي بن قحمان القرني
الرهيب
« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: إلى رحمة الله " مهدي بن بلغيث ال سعيد القرني" والصلاة عليه عصر اليوم في مسجد العباس بالطائف (آخر رد :الرهيب)       :: دورة اصحاب السبت الاشتراك بها مجانا (آخر رد :الرهيب)       :: من هو المحظوظ ؟ (آخر رد :الرهيب)       :: *" هذه هي السعادة الحقيقية "* (آخر رد :الرهيب)       :: دعوة .. يتشرف " محمد علي حازم آل فريّة" بدعوتكم لحضور زواجه في قاعة المعالي بالحرازات 1445/10/23 (آخر رد :الرهيب)       :: تهنئة …بتأهل" احمد محمد جودالله ال مهاوش" في مسابقة أولمبياد التاريخ للمنافسة على مستوى المملكة العربية السعودية (آخر رد :الرهيب)       :: إلى رحمة الله " محمد احمد علي فيان آل مريّع " والصلاة عليه عصر اليوم في جامع الملك عبدالعزيز بالخرج والدفن بها (آخر رد :الرهيب)       :: ✍ خواطر جميله (آخر رد :الرهيب)       :: ❖ فضفضة حافظ ..💜☁️ (آخر رد :الرهيب)       :: *بماذا تنوي عند تلاوة القرآن الكريم؟* (آخر رد :الرهيب)       :: اذا اثقل عليك يومك اتبع السيئه بالحسنة تمحها جرب أن : (آخر رد :الرهيب)       :: سندوتشات و فطائر محشيه شهية (آخر رد :الرهيب)      



المواضيع الاسلامية يحتوي هذا القسم على مواضيع تهتم بالامور الشرعيه و الدينية على مذهب أهل السنه و الجماعة

الإهداءات
الرهيب من الرياض : دائمآ يقولون : ابتعد عن الذي يتعبك واحتفظ بالذي يسعدك ... ‎وما أصعب أن يكون الاثنين هما نفس ‎الشخص..!     الرهيب من الرياض : *لا يرد القضاءَ إلَّا الدُّعاءُ ، ولا يزيدُ في العمرِ إلَّا البرُّ*    

قصة التتار من البداية الى عين جالوت

الحلقة 1 بداية ظهورهم- حدث من الأحداث المهمَّة جدًّا في تاريخ المسلمين؛ بل في تاريخ الأرض بصفة عامَّة.. وهو حدث ظهور قوَّة جديدة رهيبة على سطح الأرض

إضافة رد

 
LinkBack أدوات الموضوع

قديم 09-09-2020, 04:49 AM   #1
افتراضي قصة التتار من البداية الى عين جالوت


الحلقة 1

بداية ظهورهم-

حدث من الأحداث المهمَّة جدًّا في تاريخ المسلمين؛ بل في تاريخ الأرض بصفة عامَّة.. وهو حدث ظهور قوَّة جديدة رهيبة على سطح الأرض في القرن السابع الهجري، وقد أدَّى ظهور هذه القوَّة إلى تغييرات هائلة في الدنيا بصفة عامَّة، وفي أرض الإسلام بصفة خاصة.تلك القوَّة هي «دولة التتار»!وقصَّة التتار عجيبة حقًّا؛ عجيبة بكل المقاييس، ولولا أنها مُوَثَّقة في كل المصادر -وبصورة تكاد تكون متطابقة في كثير من الأحيان- لقلنا: إنها خيال، أو أغرب من الخيال.القصَّة عجيبة لأن التغيير فيها من ضعف إلى قوَّة، أو من قوَّة إلى ضعف لم يأخذ إلا وقتًا يسيرًا جدًّا؛ فما هي إلا أعوام قليلة جدًّا حتى يُعِزَّ الله دولة ويُذِلَّ أخرى، ثم تمرُّ أعوام أخرى قليلة فيُذِلُّ الله عز وجل الأولى ويُعِزُّ الأخرى!{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران: 26].والقصَّة عجيبة -أيضًا- للمبالغة الشديدة في الأحداث: المبالغة في الأرقام في كل حدث؛ المبالغة في أعداد القتلى، وفي أعداد الجيوش، وفي أعداد المدن المنهارة، وفي مساحات البلاد المحتلَّة، وفي أعداد الخيانات وأسلوبها.بداية ظهور دولة التتار:ظهرت دولة التتار في سنة (603هـ=1206م) تقريبًا، وكان ظهورها الأول في «منغوليا» في شمال الصين، وكان أول زعمائها هو «جنكيزخان[1]»[2].و«جنكيزخان» كلمة تعني: قاهر العالم، أو ملك ملوك العالم، أو القوي.. حسب الترجمات المختلفة للغة المنغولية، واسمه الأصلي «تيموجين»، وكان رجلًا سفاكًا للدماء، وكان كذلك قائدًا عسكريًّا شديد البأس، وكانت له القدرة على تجميع الناس حوله، وبدأ في التوسُّع تدريجيًّا في المناطق المحيطة به، وسرعان ما اتَّسعت مملكته؛ حتى بلغت حدودها من كوريا شرقًا إلى حدود الدولة الخُوارِزمية الإسلامية غربًا، ومن سهول سيبريا شمالًا إلى بحر الصين جنوبًا، أي أنها كانت تضم من دول العالم حاليًّا: (الصين، ومنغوليا، وفيتنام، وكوريا، وتايلاند، وأجزاء من سيبيريا، وذلك إلى جانب مملكة لاوس، وميانمار، ونيبال، وبوتان).ويُطلق اسم التتار -وكذلك المغول- على الأقوام الذين نشئوا في شمال الصين في صحراء «جوبي»، وإن كان التتار هم أصل القبائل بهذه المنطقة، ومن التتار جاءت قبائل أخرى مثل قبيلة «المغول»، وقبائل «الترك» و«السلاجقة» وغيرها، وعندما سيطر «المغول» -الذين منهم جنكيزخان- على هذه المنطقة أُطلق اسم «المغول» على هذه القبائل كلها.وكان للتتار ديانة عجيبة، هي خليط من أديان مختلفة؛ فقد جمع جنكيزخان بعض الشرائع من الإسلام، والمسيحية، والبوذية، وأضاف من عنده شرائع أخرى، وأخرج لهم في النهاية كتابًا جعله كالدستور للتتار؛ وسمى هذا الكتاب بـ«الياسك» أو «الياسة» أو «الياسق»[3].وكانت حروب التتار تتَّسم بأشياء خاصَّة جدًّا؛ مثل:1- سرعة انتشار مُدهشة.2- نظام محكم وترتيب عظيم.3- أعداد ضخمة من البشر.4- تَحَمُّل ظروف قاسية.5- قيادة عسكرية بارعة.6- أنهم بلا قلب!فكانت حروبهم حروب تخريب غير طبيعية؛ فكان من السهل جدًّا أن ترى في تاريخهم أنهم دخلوا مدينة كذا أو كذا فدمَّرُوا كل المدينة وقتلوا سُكانها جميعًا؛ لا يُفَرِّقُون في ذلك بين رجل وامرأة، ولا بين رضيع وشاب، ولا بين صغير وشيخ، ولا بين ظالم ومظلوم، ولا بين مَدني ومحارب! إبادة جماعية مرعبة، وطبائع دموية لا تصل إليها أشدُّ الحيوانات شراسة.وكما يقول الموفَّق عبد اللطيف[4] في خبر التتار: «وكأن قصدهم إفناء النوع، وإبادة العالم، لا قصد الملك والمال»[5].7- رفض قبول الآخر، والرغبة في تطبيق مبدأ «القطب الواحد»! فليس هناك طرح للتعامل مع دول أخرى محيطة؛ والغريب أنهم كانوا يتظاهرون -دائمًا- بأنهم ما جاءوا إلاَّ ليُقيموا الدين، ولينشروا العدل، وليُخَلِّصُوا البلاد من الظالمين!8- أنهم لا عهد لهم؛ فلا أيسر عندهم من نقض العهود وإخلاف المواثيق.. {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً}[التوبة: 10]، كانت هذه صفة أصيلة مُلازمة لهم، لم يتخلَّوْا عنها في أي مرحلة من مراحل دولتهم منذ قيامها إلى أن سقطت. هذه هي السمات التي اتَّصف بها جيش التتار، وهي صفات تتكرَّر كثيرًا في كل جيش لم يضع في حسبانه قوانين السماء وشريعة الله عز وجل؛ فالذي يملك القوَّة ويفتقر إلى الدين لا بُدَّ أن تكون هذه صورته؛ قد يتفاوتون في الجرائم والفظائع، لكنهم في النهاية مجرمون.كانت حروب المرتدِّين قريبًا من هذا، كذلك حروب الفرس، وكذلك كانت…



rwm hgjjhv lk hgf]hdm hgn udk [hg,j gd gnudk gnudk[hg,j h hgjjhvlk hgf]hdmh hld




الرهيب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-09-2020, 04:53 AM   #2
افتراضي رد: قصة التتار من البداية الى عين جالوت

#قصة التتار من البداية
الى عين جالوت_
الحلقة 2

الوضع الإسلامي وقت ظهور التتار-الحلقة 2

ظهرت قوَّة التتار في أوائل القرن السابع الهجري، ولكي نفهم الظروف التي نشأت فيها هذه القوَّة لا بُدَّ من إلقاء نظرة على واقع الأرض في ذلك الزمان.

والناظر إلى الأرض في ذلك الوقت يجد أن القوى الموجودة كانت متمثِّلة في فئتين رئيستين: الصليبيين والأمة الإسلامية، وفي هذا المقال نعرض الوضع الإسلامي وقت ظهور التتار.

المساحات الإسلامية في هذا الوقت كانت تقترب من نصف مساحة الأراضي المعمورة في الدنيا؛ كانت حدود البلاد الإسلامية تبدأ من غرب الصين، وتمتدُّ عبر آسيا وإفريقيا لتصل إلى غرب أوربا؛ حيث بلاد الأندلس..
وهي مساحة شاسعة للغاية، لكن وضع العالم الإسلامي –مع الأسف الشديد- كان مؤلمًا جدًّا؛ فمع المساحات الواسعة من الأرض، ومع الأعداد الهائلة من البشر، ومع الإمكانيات العظيمة من المال والمواد والسلاح والعلوم -مع كل هذا فإنه كانت هناك فُرقة شديدة في العالم الإسلامي، وتدهور كبير في الحالة السياسية لمعظم الأقطار الإسلامية، والغريب أن هذا الوضع المؤسف كان بعد سنوات قليلة من أواخر القرن السادس الهجري؛ حيث كانت أُمَّة الإسلام قوية منتصرة متحدة رائدة.. ولكن هذه سُنة ماضية: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140].

ولنُلْقِ نظرة على العالم الإسلامي في أوائل القرن السابع الهجري:
1- الخلافة العباسية:
ضعفت جدًّا، حتى أصبحت لا تُسيطر حقيقة إلا على العراق، وتتخذ من بغداد عاصمة لها منذ سنة (132هـ)، وحول العراق عشرات من الإمارات المستقلَّة استقلالاً حقيقيًّا عن الخلافة، وإن كانت لا تُعلن نفسها كخلافة منافسة للخلافة العباسية.. فتستطيع أن تقول: إن الخلافة العباسية كانت «صورة خلافة» وليست خلافة حقيقية.. وكانت الرمز الذي يحب المسلمون أن يظلَّ موجودًا؛ حتى إن لم يكن له دور يُذكر؛ تمامًا كما يُبقي الإنجليز الآن على ملكة إنجلترا رمزًا تاريخيًّا فقط، دون دور يُذكر لها في الحُكم، بخلاف الخليفة العباسي الذي كان يحكم فعليًّا منطقة العراق باستثناء الأجزاء الشمالية منها.

كان يتعاقب على حُكم المسلمين في العراق خلفاء من بني العباس.. حملوا الاسم العظيم الجليل: «الخليفة»، ولكنهم -في هذه الفترة من القرن السابع الهجري- ما اتصفوا بهذا الاسم قطُّ، ولا رغبوا أساسًا في الاتصاف به؛ فلم يكن لهم من همٍّ إلا جمع المال، وتوطيد أركان السلطان في هذه الرقعة المحدودة من الأرض، ولم ينظروا نظرة صحيحة قط إلى وظيفتهم كحكام، لم يُدركوا أن من مسئولية الحاكم أن يُوَفِّر الأمان لدولته، ويُقَوِّي من جيشها، ويرفع مستوى المعيشة لأفراد شعبه، ويحكم في المظالم، ويردَّ الحقوق لأهلها، ويُجير المظلومين، ويُعاقب الظالمين، ويُقيم حقَّ الله عز وجل على العباد، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويُدافع عن كل ما يتعلَّق بالإسلام، ويُوَحِّد الصفوف والقلوب.

لم يُدركوا هذه المهام الجليلة للحاكم المسلم، كل ما كانوا يُريدونه فقط هو البقاء أطول فترة ممكنة في كرسي الحكم، وتوريث الحكم لأبنائهم، وتمكين أفراد عائلتهم من رقاب الناس، وكذلك كانوا يحرصون على جمع الأموال الكثيرة، والتحف النادرة، ويحرصون على إقامة الحفلات الساهرة، وسماع الأغاني والموسيقى والإسراف في اللهو والطرب.

حياة الحكام كانت حياة لا تصلح أن تكون لفرد من عوامِّ أُمَّة الإسلام؛ فضلاً عن أن تكون لحاكم أُمَّة الإسلام!

لقد ضاعت هيبة الخلافة.. وتضاءلت طموحات الخليفة!

2- مصر والشام والحجاز واليمن:
كانت هذه الأقاليم في أوائل القرن السابع الهجري في أيدي الأيوبيين حَفَدة صلاح الدين الأيوبي، ولكنهم –مع الأسف- لم يكونوا على شاكلة ذلك الرجل العظيم؛ بل تنازعوا الحكم فيما بينهم، وقسَّموا الدولة الأيوبية الموحَّدة -التي هزمت الصليبيين في معركة حطين هزيمة منكرة- إلى ممالك صغيرة متناحرة! فاستقلَّت الشام عن مصر، واستقلَّت كذلك كلٌّ من الحجاز واليمن عن الشام ومصر؛ بل قُسِّمَت الشام إلى إمارات متعدِّدة متحاربة! فانفصلت حمص عن حلب ودمشق.. وكذلك انفصلت فلسطين والأردن، وما لبثت الأراضي التي حرَّرها صلاح الدين من أيدي الصليبيين أن تقع من جديد في أيديهم بعد هذه الفُرقة، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العلي العظيم!

3- بلاد المغرب والأندلس:
كانت تحت إمرة «دولة الموحدين»، وقد كانت فيما سبق دولة قوية مترامية الأطراف تحكم مساحة تمتدُّ من ليبيا شرقًا إلى المغرب غربًا، ومن الأندلس شمالاً إلى وسط إفريقيا جنوبًا، ومع ذلك ففي أوائل القرن السابع الهجري كانت هذه الدولة قد بدأت في الاحتضار؛ خاصةً بعد موقعة «العِقَاب» الشهيرة سنة (609هـ=1213م)، التي كانت القاضية على هذه الدولة الضخمة.. دولة الموحدين.

4- خُوارِزم:
كانت الدولة الخُوارِزمية دولة مترامية الأطراف، وكانت تضمُّ معظم البلاد الإسلامية في قارة آسيا؛ تمتدُّ حدودها من غرب الصين شرقًا إلى أجزاء كبيرة من إيران غربًا، وكانت هذه الدولة على خلاف كبير مع الخلافة العباسية، وكانت بينهما مكائد ومؤامرات متعدِّدة، ومالت الدولة الخُوارِزمية في بعض فترات من زمانها إلى التشيع، وكثرت فيها الفتن والانقلابات، وقامت في عصرها حروب كثيرة مع السلاجقة والغوريين والعباسيين وغيرهم من المسلمين.

5- الهند:
كانت تحت سلطان الغوريين في ذلك الوقت، وكانت الحروب بينهم وبين دولة خُوارِزم كثيرة ومتكرِّرة.

6- فارس:
وهي إيران الحالية، وكانت أجزاء منها تحت سلطان الخُوارِزميين، وكانت الأجزاء الغربية منها -والملاصقة للخلافة العباسية- تحت سيطرة طائفة الإسماعيلية، وهي طائفة من طوائف الشيعة كانت شديدة الخبث، ولها مخالفات كثيرة في العقيدة؛ جعلت كثيرًا من العلماء يُخرجونهم من الإسلام تمامًا، خلطت طائفة الإسماعيلية الدين بالفلسفة، وكانوا من أبناء المجوس؛ فأظهروا الإسلام وأبطنوا المجوسية، وتأوَّلوا آيات القرآن على هواهم، وهم إحدى فرق الباطنية، الذين يؤمنون بأن لكل أمر ظاهر في الدين أمرًا آخر باطنًا خفيًّا لا يعلمه إلاَّ بعض الناس (وهم من أولئك الناس)، ولا يُطلعون أحدًا على تأويلاتهم، إلا الذين يدخلون معهم في ملتهم، وهم يُنكرون الرسل والشرائع، ومن أهم مطالبهم «الملك والسلطان»؛ لذلك فهم مهتمون جدًّا بالسلاح والقتال.

وعلى العموم، فإن «الإسماعيلية» من أخطر طوائف الباطنية، وقد كانت سببًا دائمًا لتحريف العقيدة والدين، ولقلب أنظمة الحكم الإسلامية، ولاغتيال الشخصيات الإسلامية البارزة؛ سواء كانوا خلفاء أو أمراء أو علماء أو قوادًا.

7- الأناضول (تركيا):
وهذه المنطقة كانت تُحكم بسلاجقة الروم، وأصول السلاجقة ترجع إلى الأتراك، وكان لهم في السابق تاريخ عظيم وجهاد كبير؛ وذلك أيام القائد السلجوقي المسلم الفذ «ألب أرسلان»، ولكن -مع الأسف- الحَفَدَة الذين كانوا يحكمون هذه المنطقة الحسَّاسة والخطيرة والملاصقة للإمبراطورية البيزنطية كانوا على درجة شنيعة من الضعف؛ أدَّت إلى مواقف مؤسفة من الذلِّ والهوان.


وبعد..

فهذه نظرة على الأُمَّة الإسلامية في ذلك الوقت..

ونلاحظ أنه قد انتشرت فيها الفتن والمؤامرات، وتعدَّدت فيها الحروب بين المسلمين وإخوانهم في الدين، وكثرت فيها المعاصي والذنوب، وعمَّ الترف والركون إلى الدنيا، وهانت الكبائر على قلوب الناس؛ حتى كثر سماع أن هذا ظَلَمَ هذا، وأن هذا قَتَلَ هذا، وأن هذا سَفَكَ دم هذا.. يقال هذا الكلام بدم بارد، وكأن الأرواح التي تُزهق ليست بأرواح بشر!

وقد عُلم على وجه اليقين أن مَنْ كان هذا حاله فلا بُدَّ من استبداله!

وأصبح العالم الإسلامي ينتظر كارثة تقضي على كل الضعفاء في كل هذه الأقطار؛ ليأتي بعد ذلك جيل من المسلمين يُغَيِّر الوضع، ويُعيد للإسلام

هيبته، وللخلافة قوتها ومجدها.

#قصة_التتار




التعديل الأخير تم بواسطة الرهيب ; 09-11-2020 الساعة 08:32 AM.
الرهيب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-10-2020, 05:06 PM   #3
افتراضي رد: قصة التتار من البداية الى عين جالوت

#قصة التتار من البداية
الحلقة 3

الصليبيون وقت ظهور التتار -الحلقة 3

ظهرت قوَّة التتار في أوائل القرن السابع الهجري، بشكل همجي دموي، وقد تحدثنا في مقال الوضع الإسلامي وقت ظهور التتار عن الأمة الإسلامية في ذلك الوقت وكيف أنها قد أصابها الوهَن بعد مَنَعَة، والضعف بعد قوة، فأصبحت مُهيئة لأي احتلال، وفي هذا المقال نتحدث عن القوَّة الثانية في الوقت نفسه، وهي قوَّة الصليبيين.
كان المركز الرئيسي لهم في غرب أوربا؛ حيث لهم أكثر من معقل، وقد انشغلوا بحروب مستمرَّة مع المسلمين؛ فكان نصارى إنجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا يقومون بالحملات الصليبية المتتالية على بلاد الشام ومصر، وكان نصارى إسبانيا والبرتغال -وأيضًا فرنسا- في حروب مستمرَّة مع المسلمين في الأندلس.
إضافة إلى هذا التجمُّع الصليبي الضخم -في غرب أوربا- كانت هناك تجمُّعات صليبية أخرى في العالم، وكانت هذه التجمُّعات -أيضًا- على درجة عالية من الحقد على الأُمَّة الإسلامية، وكانت الحروب بينها وبين العالم الإسلامي على أشدِّها، وكانت أشهر هذه التجمُّعات كما يلي:
1- الإمبراطورية البيزنطية:
وحروبها مع الأُمَّة الإسلامية شرسة وتاريخية؛ ولكنها كانت في ذلك الوقت في حالة من الضعف النسبي والتقلُّص في القوَّة والحجم؛ فلم يكن يأتي من جانبها خطر كبير، وإن كان الجميع يعلم قدر الإمبراطورية البيزنطية.
2- مملكة أرمينيا:
وكانت تقع في شمال فارس وغرب الأناضول، وكانت -أيضًا- في حروب مستمرَّة مع المسلمين، خاصة السلاجقة.
3- مملكة الكُرْج:
وهي دولة جورجيا حاليًّا، ولم تتوقَّف الحروب كذلك بينها وبين أُمَّة الإسلام، وتحديدًا مع الدولة الخُوارِزمية.
4- الإمارات الصليبية في الشام وفلسطين وتركيا:
وهذه الإمارات كانت تحتلُّ هذه المناطق الإسلامية منذ أواخر القرن الخامس الهجري؛ بدءًا من سنة (491هـ=1098م).
وعلى الرغم من انتصارات صلاح الدين الأيوبي على القوات الصليبية في حطين وبيت المقدس وغيرها؛ فإن هذه الإمارات ما زالت باقية، بل وما زالت من آن إلى آخر تعتدي على الأراضي الإسلامية المجاورة غير المحتلَّة، وكانت أشهر هذه الإمارات: أنطاكية وعكا وطَرَابُلُس وصيدا وبيروت.
وهكذا استمرَّت الحروب في معظم بقاع العالم الإسلامي تقريبًا، وزادت جدًّا ضغائن الصليبيين على أُمَّة الإسلام.
وشاء الله سبحانه وتعالى أن تكون نهاية القرن السادس الهجري سعيدة جدًّا على المسلمين، وتعيسة جدًّا على الصليبيين؛ فقد أَذِنَ الله عز وجل في نهاية القرن السادس الهجري بانتصارين جليلين لأُمَّة الإسلام على الصليبيين؛ فقد انتصر البطل العظيم «صلاح الدين الأيوبي» على الصليبيين في موقعة «حطين» في الشام، وذلك في عام (583هـ=1187م)، وبعدها بثماني سنوات فقط انتصر البطل الإسلامي الجليل «المنصور الموحِّدي» زعيم دولة الموحدين على نصارى الأندلس في موقعة «الأرك» الخالدة في سنة (591هـ=1195م).
وعلى الرغم من هذين الانتصارين العظيمين؛ فإن المسلمين في أوائل القرن السابع الهجري كانوا في ضعف شديد؛ وذلك بعد أن تفكَّك شمل الأيوبيين بوفاة صلاح الدين الأيوبي، وكذلك انفرط عِقْدُ المُوحِّدين بعد وفاة المنصور الموحِّدي، غير أن الصليبيين كانوا كذلك في ضعف شديد لم يُمَكِّنهم من السيطرة على البلاد المسلمة، وإن كانت رغبتهم في القضاء عليها قد زادت.
كان هذا هو وضع العالم في أوائل القرن السابع الهجري.
1- قوَّة الأُمَّة الإسلامية:
وهي قوَّة ذات تاريخ عظيم، وأمجاد معروفة؛ لكنها تمرُّ بفترة من فترات ضعفها، وهذا الضعف وإن كان شديدًا؛ فإنه لم يُسقط هيبة الأُمَّة تمامًا؛ لأن أعداءها كانوا يعلمون أن أسباب النصر وعوامل القوَّة مزروعة في داخل الأُمَّة، وإنما تحتاج فقط إلى مَنْ يستخرجها وينميها.
2- قوَّة الصليبيين:
وهم وإن كانوا -أيضًا- في حالة ضعف، وفي حالة تخلُّف علمي وحضاري شديد بالمقارنة بالأُمَّة الإسلامية؛ فإنهم قوَّة لا يستهان بها؛ وذلك لكثرة أعدادهم، وشدَّة حقدهم، وإصرارهم على استكمال المعركة مع المسلمين إلى النهاية؛ وصدق الله العظيم إذ يصفهم بقوله: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217].
وكانت قوَّة الإسلام وقوَّة الصليبيين -في ذلك الوقت- تمثلان معًا قوَّة العالم القديم.
وبينما كان هذا هو حال الأرض في ذلك الوقت، ظهرت قوَّة جديدة ناشئة قلبت الموازين، وغيَّرت من خريطة العالم، وفرضت نفسها كقوَّة ثالثة في الأرض؛ أو تستطيع أن تقول: إنها كانت القوَّة الأولى في الأرض في النصف الأول من القرن السابع الهجري.
هذه القوَّة هي قوَّة دولة التتار أو المغول!
وقد أدَّى ظهور هذه القوَّة إلى تغييرات هائلة في الدنيا بصفة عامَّة، وفي أرض الإسلام بصفة خاصة.
فهي قوَّة همجية بشعة.. قوَّة بلا تاريخ، ظهرت فجأة، وليس عندها مخزون ثقافي أو حضاري أو ديني يسمح لها بالتفوُّق على غيرها؛ فكان لا بُدَّ لها من الاعتماد على القوَّة الهمجية

والحرب البربرية لفرض سطوتها على مَنْ حولها.
ومن سُنَّة الله عز وجل أن يحدث الصراع بين القوى المختلفة، والتدافع بين الفرق المتعدِّدة.. ومن سُنَّة الله عز وجل كذلك أن الأقوياء المفتقرين إلى الدين لا يقبلون بوجود الضعفاء إلى جوارهم.. ومن سُنَّة الله عز وجل كذلك أنَّ الباطل -مهما تعدَّدت صوره- لا بُدَّ أن يجتمع لحرب الحقِّ.. ومن سُنَّة الله عز وجل كذلك أن الحرب بين الحقِّ والباطل لا بُدَّ أن تستمرَّ إلى يوم القيامة.
إذا وضعنا كل هذه السُنن في أذهاننا؛ فإننا يجب أن نتوقَّع تعاونًا بين التتار والصليبيين -على اختلاف توجُّهَاتهم وسياستهم ونظرياتهم- لحرب المسلمين.
وهذا -سبحان الله- ما حدث بالضبط!
أرسل الصليبيون وفدًا رفيع المستوى من أوربا إلى منغوليا (مسافة تزيد على اثني عشر ألف كيلو متر ذِهابًا فقط!) يُحَفِّزُونهم على غزو بلاد المسلمين، وعلى إسقاط الخلافة العباسية، وعلى اقتحام «بغداد» درَّة العالم الإسلامي في ذلك الوقت، وعظَّمُوا لهم جدًّا من شأن الخلافة الإسلامية، وذكروا لهم أنهم -أي الصليبيين- سيكونون عونًا لهم في بلاد المسلمين، وعينًا لهم هناك[1]، وبذلك تم إغراء التتار إغراءً كاملاً.
وقد حدث ما توقَّعه الصليبيون.. سال لُعاب التتار لأملاك الخلافة العباسية، وقرَّرُوا فعلاً غزو هذه البلاد الواسعة الغنية بثرواتها المليئة بالخيرات؛ هذا مع عدم توافق التتار مع الصليبيين في أمور كثيرة؛ بل ستدور بينهم بعد ذلك حروب في أماكن متفرِّقَة من العالم، ولكنهم إذا واجهوا أُمَّة الإسلام، فإنهم يُوَحِّدون صفوفهم لحرب الإسلام والمسلمين، وهذا الكلام ليس غريبًا، بل هو من الطُرق الثابتة لأهل الباطل في حربهم مع المسلمين.
تَعَاوَنَ قبل ذلك اليهود مع المشركين لحرب الرسول صلى الله عليه وسلم مع الاختلاف الكبير في عقائد اليهود عن عقائد المشركين، بل تعاون الفرس مع الروم على حرب المسلمين مع شدَّة الكراهية بين الدولتين الكبيرتين فارس والروم، ومع الثارات القديمة، والخلافات المستمرَّة والحروب الطويلة، وتعاون الإنجليز مع اليهود لإسقاط الخلافة العثمانية، ولاحتلال فلسطين، وزَرْع الكيان الصهيوني داخل هذه الأرض المباركة؛ مع شدَّة العداء بين اليهود والنصارى.
وتعاون الروس مع الأميركان في القضاء على ما يسمونه: «الإرهاب الإسلامي»؛ فسَهَّلت روسيا لأميركا حروبها في أفغانستان والعراق وفلسطين، مقابل أن تُسَهِّل أميركا لروسيا حربها في الشيشان، والضحية في الحالين من المسلمين.
إذن.. اتحاد أهل الباطل في حربهم ضدَّ المسلمين أمر متكرِّر، وسُنَّة ماضية.
لذلك لا يستقيم أن يتعامل المسلمون بالمبدأ القائل: «عدو عدوي صديقي». بل لا بُدَّ أن يعرف المسلمون أعداءهم، ولا بُدَّ أن يعرفوا -أيضًا- أن عدوَّ عدوِّهم قد يكون -أيضًا- عدوَّهم؛ نعم قد تتمُّ التحالفات بين المسلمين وبين بعض الأعداء لأَجَلٍ معيَّن ولهدف خاص؛ ولكن ذلك يكون بلا تفريط في الدين، ولا تساهل في الحقوق، ويكون بحذر كافٍ، وإلى أَجَلٍ معلوم، لكن لا يصل الأمر أبدًا إلى الولاء والصداقة ونسيان الحقائق؛ التي ذكرها الله عز وجل واضحة في كتابه الكريم؛ حيث قال: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].




التعديل الأخير تم بواسطة الرهيب ; 09-11-2020 الساعة 08:32 AM.
الرهيب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-11-2020, 08:31 AM   #4
افتراضي رد: قصة التتار من البداية الى عين جالوت

#قصة التتار من البداية_الحلقة 4

الهجمة التترية
الأولى الحلقة - 4

جعل الله عز وجل الفشل قرينًا للتنازع، والاحتلال ملازمًا للوهن، وسنة الله في خلقه لا تتبدل ولا تتغير، {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}[الأحزاب: 62].

بدأ التتار يُفَكِّرُون جدِّيًّا في غزو بلاد المسلمين، وبدءوا يُخَطِّطُون لإسقاط الخلافة العباسية، ودخول بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية، وفكَّر «جنكيزخان» في أن أفضل طريقة لإسقاط الخلافة العباسية في العراق هي التمركز أولاً في منطقة أفغانستان وأوزبكستان؛ لأن المسافة كبيرة بين الصين والعراق، ولا بُدَّ من وجود قواعد إمداد ثابتة للجيوش التترية في منطقة متوسطة بين العراق والصين، كما أن هذه المنطقة التي تُعرف بالقوقاز غنية بثرواتها الزراعية والاقتصادية، وكانت من حواضر الإسلام المشهورة، وكنوزها كثيرة، وأموالها وَفيرة، هذا إضافة إلى أنه لا يستطيع -تكتيكيًّا- أن يُحارب العراق وفي ظهره شعوب مسلمة قد تُحاربه أو تقطع عليه خطوط الإمداد.

كل هذه العوامل جعلت «جنكيزخان» يُفَكِّر أولاً في خوض حروب متتالية مع هذه المنطقة الشرقية من الدولة الإسلامية، التي تُعرف في ذلك الوقت بالدولة الخُوارِزمية؛ وكانت تضم بين طياتها عدَّة أقاليم إسلامية مهمَّة، مثل: أفغانستان وأوزبكستان وتركمنستان وكازاخستان وطاجكستان وباكستان وأجزاء من إيران، وكانت عاصمة هذه الدولة الشاسعة هي مدينة «أورجندة (الجُرْجانِيَّة[1])» (في تركمنستان حاليًّا).

وكان جنكيزخان في شبه اتفاق مع ملك خُوارِزم (محمد بن خُوارِزم شاه[2]) على حُسن الجوار[3]، ومع ذلك فلم يكن جنكيزخان من أولئك الذين يهتمُّون بعقودهم، أو يحترمون اتفاقياتهم، ولكنه عقد هذا الاتفاق مع ملك خُوارِزم ليُؤَمِّن ظهره إلى أن يستتب له الأمر في شرقيِّ آسيا، أما وقد استقرَّت الأوضاع في منطقة الصين ومنغوليا، فقد حان وقت التوسُّع غربًا في أملاك الدولة الإسلامية!
ولا مانع -عنده طبعًا- من نقض العهد، وتمزيق الاتفاقيات السابقة؛ وهي سُنَّة في أهل الباطل: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}[البقرة: 100].

ولكن حتى تكون الحرب مُقنعة لكلا الطرفين، لا بُدَّ من وجود سبب يدعو إلى الحرب، وإلى الادِّعاء بأن الاتفاقيات لم تَعُدْ سارية، وقد بحث «جنكيزخان» عن سبب مناسب، ولكنه لم يجد.

ولكن -سبحان الله- لقد حدث أمر مفاجئ -بغير إعداد من جنكيزخان- يصلح أن يكون سببًا مقنعًا للحرب.

نعم، لقد جاء هذا السبب مبكِّرًا بالنسبة إلى إعداد جنكيزخان ورغبته، ولكن لا مانع من استغلاله، ولا مانع -أيضًا- من تقديم بعض الخطوات في خُطَّة الحرب، وتأخير بعض الخطوات الأخرى.

لقد ذهبت مجموعة من تجَّار المغول إلى مدينة «أوترار (أطرار)» الإسلامية في مملكة خُوارِزم شاه.. ولما رآهم حاكم المدينة المسلم، أمسك بهم وقتلهم[4]!

أمَّا عن سبب قتلهم.. فقد اختلف المؤرخون في تفسير هذه الحادثة:
فمنهم مَنْ يقول: إن هؤلاء ما كانوا إلاَّ جواسيس أرسلهم جنكيزخان للتجسُّس على الدولة الإسلامية أو لاستفزازها؛ لذلك قتلهم حاكم مدينة أوترار.

ومنهم مَنْ يقول: إن هذا كان عمدًا كنوع من الردِّ على عمليات للسلب والنهب قام بها التتار في بلاد ما وراء النهر، وهي بلاد خُوارِزمية مسلمة.

ومنهم مَنْ يقول: إن هذا كان فعلاً متعمدًا بقصد استثارة التتار للحرب؛ ليدخل خُوارِزم شاه بعد ذلك منطقة تركستان، وهي في ملك التتار آنذاك. وإن كان هذا الرأي مستبعدًا؛ لأن «محمد بن خُوارِزم شاه» لم تكن له أطماع تُذكر في أرض التتار، وكل ما كان يُريده هو العهد على بقاء كل فريق في مملكته دون تعدٍّ على الآخر، وليس من المعقول أن يستثير التتار؛ وهو يعلم أعدادهم وجيشهم، وليس من المعقول -أيضًا- أنه لم يكن يدري عن قوَّتهم شيئًا وهم الملاصقون له تمامًا، وقد ذاع صيت زعيمهم «جنكيزخان» في كل مكان.
ومن المؤرخين -أيضًا- مَنْ يقول: إنما أرسل جنكيزخان بعضًا من رجاله إلى أرض المسلمين ليقتلوا تجار التتار هناك؛ حتى يكون ذلك سببًا في غزو البلاد المسلمة، وإن كان هذا الرأي لا يقوم عليه دليل.

ومنهم مَنْ قال: إن خُوارِزم شاه طمع في أموال التجار فقتلهم لأجلها
كل هذه احتمالات واردة؛ لكن المهم في النهاية أن التجار (أو الجواسيس) قد قُتلوا، ووصل النبأ إلى جنكيزخان، فأرسل رسالة إلى «محمد بن خُوارِزم شاه» يطلب منه تسليم القتلة إليه حتى يُحاكمهم بنفسه، ولكن «محمد بن خُوارِزم شاه» اعتبر ذلك تعدِّيًا على سيادة البلاد المسلمة؛ فهو لا يُسَلِّم مجرمًا مسلمًا ليُحاكم في بَلدة أخرى بشريعة أخرى، غير أنه قال: إنه سيُحاكمهم في بلاده؛ فإن ثبت بعد التحقيق أنهم مخطئون عاقبهم في بلاده بالقانون السائد فيها وهو الشريعة الإسلامية.

وهذا الكلام وإن كان منطقيًّا ومقبولاً في كل بقاع الأرض؛ فإنه بالطبع لم يكن مقنعًا لجنكيزخان، أو قل: إن جنكيزخان لم يكن يرغب في الاقتناع؛ فليس المج

ال مجال حجة أوبرهان أو دليل؛ حقيقة الأمر أن جنكيزخان قد أعدَّ لغزو بلاد المسلمين خُططًا مسبقة، ولن يُعَطِّلها شيء، وإنما كان يبحث فقط عن علَّة مناسبة، أو شبه مناسبة، وقد وجد في هذا الأمر العلَّة التي كان يُريدها.
وبدأ الإعصار التتري على بلاد المسلمين!

بدأت الهجمة التترية الأولى على دولة خُوارِزم شاه، وجاء جنكيزخان بجيشه الكبير لغزو خُوارِزم شاه، وخرج له «محمد بن خُوارِزم شاه» بجيشه أيضًا، والتقى الفريقان في موقعة شنيعة استمرَّت أربعة أيام متصلة، وذلك شرق نهر سيحون (وهو يعرف الآن بنهر «سرداريا»، ويقع في دولة كازاخستان المسلمة)، وقُتل من الفريقين خلق كثير؛ لقد استُشهد من المسلمين في هذه الموقعة عشرون ألفًا، ومات من التتار أضعاف ذلك، ثم تحاجز الفريقان، وانسحب «محمد بن خُوارِزم شاه» بجيشه؛ لأنه وجد أن أعداد التتار هائلة، وذهب ليُحَصِّن مدنه الكبرى في مملكته الواسعة (وخاصة العاصمة: أورجندة)، كان هذا اللقاء الدامي في عام (616هـ=1219م)[5].
انشغل «محمد بن خُوارِزم شاه» في تحضير الجيوش من أطراف دولته، ولكن يجب ألا ننسى أنه كان منفصلاً -بل معاديًا- للخلافة العباسية في العراق، ولغيرها من الممالك الإسلامية؛ فلم يكن على وفاق مع الأتراك ولا مع السلاجقة ولا مع الغوريين في الهند، وهكذا كانت مملكة خُوارِزم شاه منعزلة عن بقية العالم الإسلامي، ووقفت وحيدة في مواجهة الغزو التتري المهول.

هذه المملكة وإن كانت قوية، وتمكَّنت من الثبات في أول اللقاءات؛ فإنها -ولا شكَّ- لن تصمد بمفردها أمام الضربات التترية المتوالية.

وفي رأيي أنه مع قوَّة التتار وبَأسهم وأعدادهم؛ فإن سبب المأساة الإسلامية بعد ذلك لن يكون في الأساس بسبب هذه القوَّة، وإنما سيكون بسبب الفُرقة والتشتُّت والتشرذم بين ممالك المسلمين، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال: 46].
فجعل الله عز وجل الفشل قرينًا للتنازع؛ والمسلمون كانوا في تنازع مستمرٍّ، وخلاف دائم، وعندما كانت تحدث بعض فترات الهدنة في الحروب مع التتار -كما سنرى- كان المسلمون يَغِيرُون على بعضهم، ويأسرون بعضهم، ويقتلون بعضهم! وقد عُلم يقينًا أنَّ مَنْ كانت هذه صفتهم، فلا يُكتب لهم النصر أبدًا.

عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «... وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِيأَنْ لاَ يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ[6] وَأَنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ[7]، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ؛ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَنْ لاَ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَنْ لاَ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا -أَوْ قَالَ: مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا- حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا»[8].

فالمسلمون كانوا -في تلك الآونة- يُهلك بعضهم بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا؛ فلا عجب إن غلب عليهم جيش التتار أو غير التتار.
إضافة إلى داء الفُرقة فإن هناك خطأ واضحًا في إعداد «محمد بن خُوارِزم»، وهو أنه مع اهتمامه بتحصين العاصمة «أورجندة»؛ فإنه ترك كل المساحات الشرقية من دولته دون حماية كافية! ولكن لماذا يقع قائد محنَّك خبير بالحروب في مثل هذا الخطأ الساذج؟!

الواقع أن الخطأ لم يكن تكتيكيًّا في المقام الأول، ولكنه كان خطأ قلبيًّا أخلاقيًّا في الأساس؛ لقد اهتمَّ «محمد بن خُوارِزم» بتأمين نفسه وأسرته ومقرَّبيه، وتهاون كثيرًا في تأمين شعبه، وحافظ على كنوزه وكنوز آبائه، ولكنه أهمل الحفاظ على مقدَّرات وأملاك شعبه، وعادة ما يسقط أمثال هؤلاء القادة أمام الأزمات التي تعصف بأممهم، وعادة ما تسقط -أيضًا- الشعوب التي تقبل بهذه الأوضاع المقلوبة دون إصلاح؛ ولننظر ماذا تحمل الأيام لمحمد بن خُوارِزم وشعبه!




التعديل الأخير تم بواسطة الرهيب ; 09-11-2020 الساعة 08:33 AM.
الرهيب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-12-2020, 10:09 AM   #5
افتراضي رد: قصة التتار من البداية الى عين جالوت

#قصة التتار من البداية
إلى عين جالوت
_الحلقة 5

سقوط بخارى -الحلقة 5

الحرب كَرٌّ وَفَرٌّ، وقد يكون الثبات في أرض المعركة إلى نهاية المطاف مفسدة كبيرة؛ لأنه يعني قتل مزيد من المسلمين، دون إحداث نكاية في العدو؛ لذلك انسحب الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ليعلمنا الواقعية في مثل هذا الموقف، وليتجهز بعد علاج الأخطاء لجولة جديدة يكون له فيها النصر بإذن الله.

لكنَّ «محمد بن خُوارِزم شاه» بعد أن انسحب بجيشه من معركته الدامية مع التتار التي استُشهد فيها من المسلمين عشرون ألفًا، ومات من التتار أضعاف ذلك، ذهب ليُحَصِّن مدنه الكبرى في مملكته الواسعة، واهتمَّ بتأمين نفسه وأسرته ومقرَّبيه، وتهاون كثيرًا في تأمين شعبه، وحافظ على كنوزه وكنوز آبائه، لكنه أهمل الحفاظ على مقدَّرات وأملاك شعبه، ولم يُعد العدة والعتاد لمواجهة هذه القوة الشرسة، لذلك جهَّز جنكيزخان جيشه من جديد، وأسرع إلى اختراق الدولة الخُوارِزمية.

فتعالوا نتتبَّع خطواته في هذه البلاد المسلمة.

وصل جنكيزخان في تقدُّمه إلى مدينة بخارى المسلمة (في دولة أوزبكستان الآن)، وهي بلدة العالم الجليل، والمحدث العظيم الإمام البخاري (194-256هـ)، وحاصر جنكيز خان البلدة المسلمة في سنة (616هـ=1220م)، ثم طلب من أهلها التسليم على أن يُعطيهم الأمان.

وكان «محمد بن خُوارِزم شاه» بعيدًا عن بخارى في ذلك الوقت، فاحتار أهل بخارى: ماذا يفعلون؟ ثم ظهر رأيان:

أمَّا الرأي الأول فقال أصحابه: نُقاتل التتار ونُدافع عن مدينتنا.

وأمَّا الرأي الثاني فقال أصحابه: نأخذ بالأمان ونفتح الأبواب للتتار لتجنُّب القتل. وما أدرك هؤلاء أن التتار {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً}[التوبة: 10].

وهكذا انقسم أهل البلد إلى فريقين: فريقٌ من المجاهدين قرَّر القتال، وهؤلاء اعتصموا بالقلعة الكبيرة في المدينة، وانضمَّ إليهم فقهاء المدينة وعلماؤها. وفريقٌ آخر من المستسلمين، وهو الفريق الأعظم والأكبر، وهؤلاء قرَّرُوا فتح أبواب المدينة، والاعتماد على أمان التتار!

وفي (ذي القعدة 616هـ = فبراير 1219م) فتحت المدينة المسلمة أبوابها للتتار، ودخل جنكيزخان المدينة الكبيرة، وأعطى أهلها الأمان فعلًا في أول دخوله خديعةً لهم؛ وذلك حتى يتمكَّن من السيطرة على المجاهدين بالقلعة.

وفعلًا.. بدأ جنكيزخان بحصار القلعة، بل أمر أهل المدينة من المسلمين أن يُساعدوه على ردم الخنادق حول القلعة ليسهل اقتحامها، فأطاعوه وفعلوا ذلك! وحاصر القلعة عشرة أيام، ثم فتحها قسرًا، ولما دخلها قاتل مَنْ فيها حتى قتلهم جميعًا[1]! ولم يبقَ بمدينة بخارى مجاهدون.

وهنا بدأ جنكيزخان في خيانة عهده، فسأل أهل المدينة عن كنوزها وأموالها وذهبها وفضَّتها، ثم اصطفى كل ذلك لنفسه، ثم أحلَّ المدينة المسلمة لجنده؛ ففعلوا بها ما لا يتخيَّله عقل! وأترُك ابن كثير يُصَوِّر لكم هذا الموقف كما جاء في (البداية والنهاية) فيقول:

«فقتلوا من أهلها خلقًا لا يعلمهم إلاَّ الله عز وجل، وأسروا الذرية والنساء، وفعلوا مع النساء الفواحش في حضرة أهليهن! (ارتكبوا الزنا مع البنت في حضرة أبيها، ومع الزوجة في حضرة زوجها)، فمن المسلمين مَنْ قاتل دون حريمه حتى قُتل، ومنهم مَنْ أُسر فعُذِّب بأنواع العذاب، وكثر البكاء والضجيج بالبلد من النساء والأطفال والرجال، ثم أشعلت التتار النار في دور بخارى ومدارسها ومساجدها، فاحترقت المدينة حتى صارت خاوية على عروشها..»!

انتهى كلام ابن كثير.. ولا حول ولا قوَّة إلا بالله!

هلكت المدينة المسلمة! هلك المجاهدون الصابرون فيها.. وكذلك هلك المستسلمون المتخاذلون! عن أمِّ المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ»[2] .

وكان الخبث قد كثر في هذه البلاد؛ فمن الخبث ألا يرفع المسلمون سيوفهم ليُدافعوا عن دينهم وأرضهم وعرضهم.. ومن الخبث أن يُصَدِّق المسلمون عهود الكافرين لهم.. ومن الخبث أن يُسَلِّم المسلمون مَنْ رفعوا راية الجهاد فيهم إلى عدوِّهم.. ومن الخبث أن يتفرَّق المسلمون ويتقاتلوا فيما بينهم، ومن الخبث ألا يحتكم المسلمون إلى كتاب ربهم، وإلى سنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم.

هذا كله من الخبث! وإذا كثر الخبث، لا بُدَّ أن تحدث الهلكة! وصدق الرسول الحكيم صلى الله عليه وسلم..وهكذا هلكت بخارى في (ذي القعدة 616هـ = فبراير 1219م)!

ولكن.. هل كانت هذه آخر المآسي؟! هل كانت آخر الكوارث؟! لقد كانت هذه أولى صفحات القصة؛ كانت بداية الطوفان وبداية الإعصار، وستكون صفحات القصَّة القادمة أشدَّ سوادًا وأكثر دماءً، سيدخل المسلمون في سنة (617هـ)، وهي -بلا شكٍّ- من أبشع السنوات وأسوئها وأظلمها التي مرَّت على المسلمين عبر تاريخهم الطويل.
#قصة_التتار



الرهيب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس

إضافة رد





الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قصة طالوت و جالوت الرهيب قصص الانبياء و سيرة الصحابة والتابعين 7 06-11-2016 11:35 AM
في البداية *** الكلوح اللغه الانجليزية 1 09-30-2009 05:24 PM
في البداية* الكلوح اللغه الانجليزية 0 09-29-2009 05:06 AM
في البداية الكلوح اللغه الانجليزية 2 09-28-2009 07:06 PM

Rss  Rss 2.0  Html  Xml  Sitemap  دليل المنتديات


الساعة الآن 12:52 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.6.0 PL2
ارشفة ودعم SALEM ALSHMRANI
F.T.G.Y 3.0 BY: D-sAb.NeT © 2011
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات بني بحير بلقرن

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75